يوسف الرباعي.. طفل مغربي أنقذ أطباء إسرائيل قلبه وحياته
العين الإخبارية - حمزة المعطي - الرباط
عانى من ثقب في القلب، وتكفلت جمعية إسرائيلية بمصاريف علاجه، وأيضاً سفره وأخته إلى تل أبيب وإقامتهما لمدة ستة أشهر.
حالة من اليأس الكبير، تلك التي بلغتها أسرة الطفل المغربي يوسف الرباعي، بعد تيقنها من إصابة قلب طفلها ذي السنوات التسع من ثُقب في القلب، يجعل حياته صعبة للغاية، ويحرمه من أبسط أنشطة طفولته، يأس زاده تعقد العملية الجراحية، وقلة ذات اليد التي تُعاني منها الأسرة.
إلا أن الأقدار كان لها رأي آخر، ليتحول اليأس لبُشرى تنفرج لها أسارير الأسرة، ويغمر الأمل قُلوب أفرادها، بعد أن دلهما طبيب وناشطة جمعوية مغربيان، سبق أن زارا إسرائيل، على جمعية تعتني بهذا النوع من الأمراض.
قصة إنسانية بامتياز، تحكيها لـ"العين الإخبارية" فاطمة الزهراء الرباعي، شقيقة يوسف التي رافقته طيلة رحلة العلاج، التي أعادت الحيوية لقلب أخيها، وجعلتها تعيش عن قُرب تجربة السلام والإنسانية في إسرائيل، طيلة ستة أشهر.
صدفة صادمة
بدأت قصة يوسف حينما أرادت أسرته إلحاقه بإحدى الجمعيات التي تعتني بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، نظرا لكونه من "أطفال التثلث الصبغي"، الشيء الذي تطلب إجراء عدة فحوصات تبعاً لتعليمات الجمعية، حتى تُحدد مُستوى الإعاقة لديه.
أجريت جميع الاختبارات الصحية، والتي من بينها تخطيط للدماغ، وآخر للقلب، لتكون الصدمة قوية للأسرة، فيوسف يُعاني من ثُقب في قلبه، أدى لانتفاخه مع برودة الجو, نزل الخبر على الأسرة كالصاعقة، تقول فاطمة الزهراء لـ"العين الإخبارية"، مُسترسلة: "كدنا نيأس من حالة أخي، خاصة مع العملية الصعبة والعلاجات المكلفة".
لم تُصدق الأسرة الخبر بداية الأمر، ما دفعها لإعادة الفحوصات الطبية والتحاليل أكثر من مرة، لكن النتيجة كانت نفسها، والخبر الذي حاول الجميع عدم تصديقه، صار يفرض نفسه على الجميع كُل لحظة، ليُصبح الهم الوحيد هو إنقاذ حياة الطفل الصغير أياً كان الثمن، لكن العين بصيرة واليد لا تطول المصاريف الكثيرة للعلاج.
شرعت الأسرة في طرق جميع الأبواب المُتاحة أمامها، إلى أن اهتدت إلى طبيب أحالهما بدوره على طبيب آخر وناشطة جمعوية يوجدان بمدينة الجديدة المغربية، سبق لهما معا أن زارا إسرائيل، وهُناك يعرفان جمعية بإمكانها التكفل بحالة يوسف الرباعي.
وجاءت البُشرى
لم تتردد الأسرة لحظة واحدة في قبول الاقتراح، إذ تروي فاطمة الزهراء عن والدتها قولها "أسافر أينما كان، فابني يمثل لي الأرض وما فيها ولا يهم أينما أذهب فالأساس أن أعود بابني بصحة جيدة"، لتبدأ الأسرة مُسلسلاً جديداً من الفحوصات، لكن هذه المرة استعداداً لإجراء العملية في واحد من مستشفيات إسرائيل.
مُسلسل الفُحوصات الجديد كان بطعم الفرحة والاستبشار هذه المرة، فالأسرة بدأت تُبصر ضوءاً في آخر النفق، بدأ يقترب إلى أن عم حياة الجميع نوراً وبهجة، عززهما خبر التكفل التام للجمعية بمصاريف السفر والإقامة مع العملية والفحوصات، سواء التي تُجرى بالمغرب، أو تلك التي سيخضع لها الطفل في إسرائيل.
بعد عام من الفُحوصات المُكثفة، حضرت إلى المغرب "الخالة إفلي"، وهي يهودية مغربية مُقيمة بإسرائيل، جاءت من تل أبيب خصيصاً لمُتابعة حالة الطفل يوسف الرباعي والاطلاع على الفُحوصات، وبالفعل، تابعت عن كثب ما تم إجراؤه طيلة عام، ونقلت الخبر السار للأسرة "سيُسافر ابنكم ويجد كُل الدعم اللازم، وستمر الأمور على خير ما يُرام".
هُنا تل أبيب
"في البداية، كنت خائفة جدا، خاصة أنه حينما يعلم أي شخص أنني سأسافر لإسرائيل، لأن البعض كانوا عن جهل يبثون في نفسي الخوف والرعب"، تقول فاطمة الزهراء الرباعي، مردفة "لكن كُل ذلك تبدد تدريجياً، وزال تماما حينما وطئت قدماي تل أبيب، وتعلمت درساً مهما، أنه لا يجب الحكم على الأشياء من المظهر، فالدعم الذي تلقيته بإسرائيل لم يسبق أن وجدت له نظيرا".
جاء اليوم المنشود، وسافر يوسف الرباعي وشقيقته قاطمة الزهراء، ورفقتهما إحدى الناشطات الجمعويات في المغرب، بتاريخ 24 فبراير/ شباط عام 2020، برحلة من مطار الدار البيضاء صوب تركيا ثم منها لمطار تل أبيب، وهناك وجد الجميع إحدى أفراد الجمعية التي تكفلت بإجراء ما تبقى من إجراءات السفر، والتوجه إلى مقر الجمعية.
لم تكن فاطمة وأخوها الوحيدين المُستفيدين من خدمات الجمعية، إذ وجدت حوالي 22 أما من مُختلف الجنسيات والديانات، قدمن إلى مقر الجمعية رفقة أبنائهن بعدما ضاقت بهن السُبل بحثا عن علاج يمنح الملائكة الصغار أملاً في حياة كأقرانهم.
تحكي فاطمة الزهراء، أن يوسف مكث بالمستشفى الذي سيجري فيه العملية، والواقع نواحي تل أبيب، لتظل هي بمقر الجمعية التي تتكلف بنقلها في رحلات يومية لزيارة أخيها، حتى يوم العملية.
عملية ناجحة
أجرى يوسف عملية دامت لخمس ساعات، ظل عقبها في الإنعاش لمدة 24 ساعة، استفاق بعدها وأكد الأطباء أن عمليته كانت ناجحة دون أي مضاعفات تذكر، ظل تحت مراقبة مشددة واعتناء وصفته الشقيقة بـ"المذهل دون أي تقصير".
مكث يوسف بالمستشفى لثمانية أيام، ثم انتقل بعدها لمقر الجمعية التي تضم ممرضات اعتنين به هناك، مع الانتقال مرة في الأسبوع لاجراء الفحوصات اللازمة بالمستشفى والتعرف على مدى تحسن حالته.
مر شهران، استعاد خلالها يوسف كامل عافيته وصحته وتخلى عن الأدوية، فانطلقت رحلة العودة للمغرب التي تزامنت مع ظروف الحجر الصحي بسبب كوفيد 19، وما رافقها من إغلاق للحدود في شتى الدول، ما دفع يوسف وأخته إلى المكوث فترة أطول في ضيافة الجمعية الإسرائيلية.
ظل يوسف وأخته طوال شهور الحجر الصحي بمقر الجمعية التي تكفلت بكل ما يحتاجونه من أغراض، إذ تحكي الأخت كرم الإسرائيليين وضيافتهم قائلة: "لم أكن أملك أي مال ولا حتى مبلغا لأشتري به أبسط الأشياء، لكن الجمعية والخالة إيفلي تكفلوا بكل شيء حتى أغراضي الشخصية التي اقتنتها الخالة من مالها الخاص".
خلال هذه المدة بحثت الجمعية عن وسيلة لنقل الشقيقين لبلادهما ولم تتمكن من ذلك حتى إعادة فتح حدود المملكة بشكل جزئي، فانطلقت رحلة العودة في أغسطس/آب الماضي، وهي الرحلة التي تكفلت الجمعية بجميع مصاريفها، بما فيها فحوصات كوفيد 19 التي تشترطها الدول لدخول ترابها.
سجدة شُكر بالقدس
خلال رحلتها عبرت فاطمة الزهراء عن رغبتها في الصلاة بالقدس، فما كان من مسؤولي الجمعية إلا الاستجابة لطلبها، مفيدة بأنها ظلت بمنزل قرب القدس لحوالي ثلاثة أسابيع، وكانت خلالها تتوجه رفقة يوسف للصلاة بالقدس وقتما شاءت.
وقالت فاطمة الزهراء: "هذه التجربة قوت شخصيتي كثيرا، حققت حلمين اثنين: شفاء شقيقي والصلاة بالقدس، اكتشفت أماكن كثيرة وزرت قبر النبي عيسى والنبي داوود، تعرفت على البلاد وزرت فلسطين وتعرفت بفلسطينيات كثيرات أشدن بالتجربة وفرصة العلاج التي أتيحت لنا".
ختمت فاطمة الزهراء حديثها لـ"العين الإخبارية"، بابتسامة عريضة ودموع فرح، قائلة: "وجدت في إسرائيل معاملة لم أجد لها مثيلاً، وجدت لدى أفراد الجمعية الجمعية تعاوناً ودعما كبيرين".