المغزى الواضح في هذا التصريح اللافت لنتنياهو أن إسرائيل قررت تفويت الفرصة على إيران لاستدراجها في حرب بالوكالة
انتقل التوتر "المحسوب" في العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية خلال الأيام الأخيرة من الحدود السورية مع إسرائيل إلى قاعات مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، حيث تبادل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجمات كلامية مع وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف؛ إذ أكد نتنياهو في كلمة له أن إيران هي "أكبر تهديد لعالمنا"، وتلا ذلك كلمة ظريف التي وصف فيها حديث نتنياهو بأنه "سيرك هزلي".
والنقطة المحورية ليست في هذه الاتهامات، ولا حتى في محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي جذب انتباه المجتمع الدولي بعرض قطعة من طائرة تجسس إيرانية من دون طيار أسقطتها إسرائيل داخل مجالها الجوي، بل في تأكيد نتنياهو للمرة الأولى أن إسرائيل "ستتحرّك ضِد إيران نَفسها، وليس ضِد وكلائِها فحسب إذا لَزِمَ الأمر".
المغزى الواضح في هذا التصريح اللافت لنتنياهو أن إسرائيل قررت تفويت الفرصة على إيران لاستدراجها في حرب بالوكالة من طرف واحد في سوريا وربما لبنان، وأرسلت تحذيراً واضحاً لطهران بأنه "إذا لزم الأمر" فإن إسرائيل ستوجه ضربة مباشرة إلى إيران، وليس لمليشياتها التي جلبتها من دول مختلفة إلى أراضي سوريا!
هذا التصريح سيؤخذ على محمل الجد في إيران، وسيدرس جيداً لأسباب واعتبارات عدة؛ أهمها أن إيران باتت في مواجهة قوة إقليمية تتبنى نهجاً استراتيجياً مشابهاً في عقيدتها العسكرية، فإيران تعتمد نظرية "الحرب بالوكالة"، وتراهن عليها في كسب مزيد من النفوذ وتنفيذ مخططها التوسعي الطائفي إقليمياً، بينما تراهن إسرائيل على استراتيجية "الذراع الطولى" في تحقيق مبدأ الردع، والإبقاء على تفوقها العسكري النوعي في مواجهة خصومها وأعدائها الاستراتيجيين.
ر بما تبدو إيران مقتنعة بما يتردد عن تأثير إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، ولكن الحقيقة أنها تخشى تماماً اليوم الذي تصحو فيه على وقع أزيز المقاتلات الإسرائيلية وهي توجه ضرباتها إلى منشآت إيران النووية، والأمر بالنسبة للنظام الإيراني لا يقتصر على مواجهة عسكرية مع إسرائيل، بل أن يطال ذلك وضعه الداخلي الهش.
رغم الفوارق الخططية في استراتيجيتي البلدين، فإن ثمة تشابهاً في التطبيق، يضع إيران في مواجهة خطر التعرض لضربة عسكرية إسرائيلية مباشرة، مع صعوبة إخضاع إسرائيل تماماً أو بالأحرى توريطها في حرب بالوكالة، مع المليشيات الشيعية الإيرانية في سوريا مدعومة بمليشيا "حزب الله" اللبناني.
لم يعد السؤال الأكثر إلحاحاً الآن يدور حول فرص اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل، بل حول توقيت هذه الحرب، التي تخضع لعوامل واعتبارات معقدة أولها موقف القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة، فالأولى لعبت الدور الأهم في احتواء التصعيد العسكري الذي لاح لساعات في الأفق عقب إسقاط مقاتلة "إف 16" إسرائيلية بصاروخ "سام 5" من الجبهة السورية مدعوماً باحتفاء سياسي وإعلامي إيراني يعكس عمق تورط طهران في الدعم اللوجستي على الأقل، ما يعكس حرص موسكو على الضغط من أجل عدم خلط الأوراق بإشعال صراع يهدر مكاسب روسيا في المعادلة السورية.
أما الولايات المتحدة فمن مصلحتها إنهاء نفوذ إيران وتحجيم دورها الإقليمي، ولكن تبقى مسألة تشجيع حلفائها الإسرائيليين على شن ضربة ضد إيران رهن حسابات معقدة للبنتاجون، لاسيما ما يتعلق بالضربة الثانية، ومقدرة القوات الأمريكية على توفير الحماية لإسرائيل في حال تعرضت لهجمات من جبهات مختلفة في وقت واحد (حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية في سوريا وربما حماس وتنظيمات فلسطينية أخرى من الجنوب)، فضلاً عن خطر الصواريخ الإيرانية الباليستية التي يمكن إطلاقها باتجاه إسرائيل، ناهيك عن خطورة خط الإمداد الأرضي والجوي المفتوح من إيران حتى حدود إسرائيل عبر العراق!
مجدداً في ظل هذا المشهد السريالي، يلوح التساؤل: هل اقتربت الحرب فعلياً بين إيران وإسرائيل؟ علينا أن نتذكر عند محاولة الإجابة عن هذا التساؤل أن نوبات التصعيد والتهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل متكررة، والنوبة الراهنة ليست في ذروتها وإن كانت تمثل أوج الخطر الإيراني على إسرائيل، ولكن يبقى على نتنياهو الذي يحاول صرف الأنظار عن اتهامات الفساد التي تلاحقه في الداخل، أن يضمن تماماً عدم تعرض شعبه للخطر في حال نشوب حرب جديدة، وتلك مسألة تخضع لحسابات صعبة في ظل انتشار الصواريخ بين وكلاء إيران واقترابهم، بل تماسهم مع حدود إسرائيل وحرص إيران على إرسال رسائل متكررة حول إمكانية استخدام جبهة الجولان السوري، في معطى تتصور أنه يفاقم صعوبات اتخاذ قرار الضربة الإسرائيلية!
ربما تبدو إيران مقتنعة بما يتردد عن تأثير إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، ولكن الحقيقة أنها تخشى تماماً اليوم الذي تصحو فيه على وقع أزيز المقاتلات الإسرائيلية وهي توجه ضرباتها إلى منشآت إيران النووية، والأمر بالنسبة للنظام الإيراني لا يقتصر على مواجهة عسكرية مع إسرائيل، بل إنه يطال ذلك وضعه الداخلي الهش الذي يمكن أن يتعرض للانهيار، بفعل أي حرب مقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة