موجابي.. رحيل خافت بعد سنوات تحت أضواء السلطة
روبرت موجابي تولى حكم زيمبابوي على مدار 37 عاما امتدت خلال الفترة من 1980 إلى 2017
"أُعلن ببالغ الحزن وفاة الأب المؤسس والرئيس السابق لزيمبابوي روبرت موجابي.. لترقد روحه بسلام"، بهذه الكلمات أعلن رئيس زيمبابوي إمرسون منانجاجوا، صباح الجمعة، وفاة أحد أكبر زعماء القارة السمراء عن عمر يناهز 95 عاما.
مصادر صحفية أكدت أن موجابي توفي في سنغافورة، حيث كان يتلقى العلاج هناك في السنوات الماضية، إلى أن أعلن منانجاجوا عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وفاة الزعيم المؤسس لزيمبابوي.
تولى روبرت موجابي حكم زيمبابوي على مدار 37 عاما امتدت خلال الفترة بين 1980 و2017، موجابي تولى السلطة في "روديسيا" السابقة عند استقلالها عام 1980 والتي تحولت إلى زيمبابوي.. لكنه خلال عهده، تحول من بطل الاستقلال المقرب من الغرب إلى متسلط مارس قمعا دمويا ضد المعارضة السياسية وتسبب في انهيار اقتصاد بلاده، ويعد حكم موجابي أحد الأطول العهود في أفريقيا.
عام 1980، تولى رئاسة الحكومة بعد نضال طويل ضد النظام الأبيض برئاسة يان سميث، وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 1987، أصبح رئيسا للبلاد، وانتهج سياسة المصالحة حفاظا على وحدة زيمبابوي، ما جلب له ثناء الجميع لا سيما الغرب.
لكن التأييد الغربي له تبدد وانقلب إلى تنديد نتيجة قمعه الدموي للمعارضة وما شهده حكمه من أعمال عنف وعمليات تزوير انتخابي وسياسة الإصلاح الزراعي المثيرة للجدل التي باشرها عام 2000.
خطاب التنحي
"أنا روبرت موجابي أسلم رسميا استقالتي كرئيس لجمهورية زيمبابوي مع مفعول فوري" بهذه الجملة التي تلاها رئيس برلمان زيمبابوي، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أمام نواب البرلمان، أُسدل الستار على حكم الرئيس روبرت موجابي.
وظهر موجابي على شاشات التلفزيون في خطاب كان من المفترض أن يكون خطاب التنحي، ولكنه خالف التوقعات، وتعهد برئاسة مؤتمر الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي، الجبهة الوطنية الحاكم، رغم أن الحزب أقاله من رئاسته قبل ذلك بساعات.. وأعطى الحزب الحاكم مهلة 24 ساعة لموجابي من أجل التنحي من منصب رئيس البلاد أو مواجهة إجراءات لعزله، وذلك في مسعى لإيجاد نهاية سلمية لحكمه.
وبدأ البرلمان في إجراءات لعزل موجابي عن السلطة، قبل أن يعلن رئيس البرلمان أن موجابي قدم استقالته بالفعل وجرى قبولها.. ومنذ بدء الأزمة لم يخرج موجابي من مقر إقامته الفاخر في هراري سوى مرتين؛ مرة للقاء قادة الجيش ومرة أخرى لحضور حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب الجامعة.
بداية الأزمة
البداية كانت عندما قام موجابي بإقالة نائب الرئيس إيميرسون منانجاجوا، والذي عمل رئيسا سابقا للمخابرات وكان السبب أنه أظهر عدم إخلاصه، بعد الإقالة تحركت المعارضة للالتفاف بقوة حول نائبه الذي أقاله، كما تعالت الأصوات المعارضة داخل الحزب الحاكم الذي يترأسه موجابي.. وقال محللون إن التهديد الذي يواجهه الرئيس الزيمبابوي والمقربون منه لم يسبق له مثيل؛ لأنه جاء من داخل الحزب الحاكم.
وتحركت الدبابات والآليات العسكرية لجيش زيمبابوي، بعد ساعات من تصريحات قائد القوات المسلحة، التي أكد فيها استعداده للتدخل لإنهاء حملة تطهير ضد أنصار نائب الرئيس المقال إمرسون منانجاجوا.
وبالفعل نجح الجيش في السيطرة على مقر البرلمان والمحاكم وهيئة الإذاعة والتلفزيون في البلاد، وأكد في بيان أن الرئيس وأسرته "بخير".. زادت وتيرة الأحداث سريعاً ثم أعلن متحدث باسم الجيش أن الرئيس روبرت موجابي وزوجته رهن الاحتجاز، مؤكدا أن قوات الجيش تقوم بتأمين جميع المنشآت الحكومية.
جريس موجابي
تعد جريس موجابي زوجة الرئيس الراحل هي أحد أهم الأسباب لسقوط حكم موجابي، وكانت تعد نفسها لتخلف زوجها في منصب رئيس زيمبابوي، كما ظلت تدعو لعزل نائبه قبل أن يقرر موجابي عزله مطلع نوفمبر 2017.. تم تعيينها رئيسا للاتحاد النسائي في الحزب عام 2014، كما كانت مرشحة لتسلم منصب نائب رئيس الجمهورية خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017.
صحيفة (إندبندنت) البريطانية، نقلت عن وزير داخلية زيمبابوي وقتها أن زوجة موجابي وأعوانها المقربين استغلوا حالة موجابي الصحية لاستخدام موارد البلاد.. ولم تظهر جريس منذ سيطرة الجيش على السلطة في البلاد، وقيل إنها رهن الإقامة الجبرية مع زوجها.
أزمة فارقة
جاءت أزمة طرد آلاف المزارعين البيض من أراضيهم في عام 2000 لمصلحة مزارعين سود بأمر من موجابي، والذي برّر هذا الإصلاح بالرغبة في تصحيح مظاهر اللامساواة الموروثة من الاستعمار البريطاني.
لكن العملية تمت لمصلحة المقربين من النظام ومزارعين بلا معدات أو تدريب، ما تسبب في انهيار الإنتاج الزراعي في بلد كان يعد مخزن حبوب أفريقيا الجنوبية، مثيرا أزمة كارثية لم ينهض منها اقتصاد زيمبابوي.. وتحولت زيمبابوي خلال حكم موجابي إلى دولة منبوذة ابتعد عنها العديد من المستثمرين الدوليين والدائنين.