بالرغم من استمرار المواجهات في الساحة السياسية الإسرائيلية، فإنه وبعد مرور 100 يوم من حكم نتنياهو ويزيد فإن السؤال المطروح كيف يمكن أن تستقر حكومة نتنياهو في ظل حالة عدم الاستقرار الراهنة.
إضافة إلى عدم وجود أفق سياسي يمكن أن يقبل به الطرفان سواء داخل مكون الائتلاف الحاكم الذي ما زال يدير الدولة، ويهيمن على قرارها بصرف النظر عن حالة الشد والجذب الحالية بين وزراء الحكومة، خاصة الوزيرين إيتمار بن غفير وسموتريتش، التي تسببت في مزيد من الانقسام داخل الحكومة.
إضافة لوزير العدل الذي يدير أزمة الإصلاحات القضائية، ويتعامل معها على أنها معركته الحقيقية، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات حال انتهاء الـ30 يوما لمراجعة ما تم الإعلان عنه من قبل رئيس الحكومة نتنياهو، الذي زحزح الأزمة إلى ما بعد بدء الدورة الجديدة للكنيست.
وهو الأمر الذي سيدفع لخيارات ربما تؤدي إلى مزيد من الانقسام الحقيقي حال عدم التوصل لحل سياسي مقنع، وإتمام التوافق على الأقل في مستوى ما سيتم من مقاربات ربما ستكون مطروحة في سياق الحفاظ على الاستقرار الذي يسعى إليه نتنياهو وأكد عليه في تصريحاته الأخيرة مقتنعا باستمرار معركته لتمرير الإصلاحات القضائية، وأنه يحتكم إلى جمهوره اليميني، وليس إلى المعارضة الإسرائيلية التي لا تزال ترى في وجوده تهديدا حقيقيا، وأنه سيقود إلى حرب أهلية في حال استمراره في موقعه.
فيما لا يزال يحاول الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ العمل على بناء توافق سياسي وحزبي من خلال إجراء الحوارات المباشرة مع قادة الأحزاب والقوى الحزبية، وإن كانت الصورة تمضي في اتجاه آخر في ظل رؤية رئيس الوزراء نتنياهو بأن الحل ليس في الحوار، وإنما في المضي قدما في مسار الإصلاحات القضائية، وأن البديل الذي يملكه جيدا هو إنزال الجمهور اليميني المؤيد ليكون الأمر شارعا مقابل شارع، وميدانا مقابل ميدان وهنا مكمن الخطورة.. بعد الـ100 يوم من حكم نتنياهو لإسرائيل لا تزال الصورة في حاجة إلى توضيح.
أولها: أن المعارضة الإسرائيلية، ومن خلال قراءة معمقة لجهودها ومهامها، فإنها لا تزال هشة وضعيفة، ولا حضور حقيقيا لقادتها في الشوارع ولدى الجمهور الإسرائيلي في العموم، وبصرف النظر عن استطلاعات الرأي في إسرائيل، التي تسوق للخيارات البديلة، وإلى الخيارات المطروحة في الساحة السياسية، وأنها قادرة على منازلة نتنياهو، فإن الصحيح أن أغلب استطلاعات الرأي ملونة ومضللة، وتتم في سياقات من ضغوطات رجال المال والأعمال والحسابات الضيقة للصحف ومراكز الدراسات الممولة.
ومن ثم لا يجب التعويل عليها فالمعارضة منقسمة وقادتها شخصيات ضعيفة لا تقارن برجل في ثقل نتنياهو أصلا قادر على أن يستمر وفق أي ظروف ومعروف في الأوساط السياسية الشعبية والسياسية أنه ملك إسرائيل، وبرغم أنه متهم منذ سنوات في سلسلة قضايا فإنه نجح حتى الآن في الإفلات من الاتهام النهائي.
وما زال يناور بذكاء كما أن بيني غانتس أو يائير لابيد غير قادرين على طرح سياسات بديلة يمكن أن تقدم للجمهور الإسرائيلي الذي يناور في إطار من الحسابات والمصالح الكبرى لتحقيق الاستقرار السياسي المنشود، الذي دفع رئيس الوزراء نتنياهو للتأكيد على أنه قائم وأنه ماضٍ في تشكيل الحرس الوطني خلال أربعة أشهر، وأنه سيعمل في إطار فلسفة أجهزة المعلومات الراسخة في إسرائيل، التي تشكلت من سنوات طويلة مثل "شاباك" و"أمان" و"الموساد"، وأنه لن يكون هناك تعارض في الأولويات، والمهام، ولن يوجه إلى مواطني الدولة في إشارة لسلسلة الاتهامات التي طالت تشكيل هذا الجهاز الجديد قبل أن يبدأ مهامه، وأنه سيعمل تحت إمرة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
ثانيها: أن إسرائيل ستستمر في مراجعة جملة مصالحها حيث ثبت من التهديدات التي طالت الدولة خلال الأيام الأخيرة من الجبهات المعادية سواء من قطاع غزة، أو سوريا أو لبنان، والتهديد الساكن ممثلا في جبهة إيران أن على قادة الدولة وأجهزتها إعادة بناء الردع المواجه بمقاربات جديدة لمواكبة ما سيجري من تهديدات حقيقية وجودية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لتوجيه الشكر للأجهزة الأمنية على مختلف درجاتها لحماية أمن إسرائيل، والتوجيه بإعادة الاعتبار للدولة وقوتها ممثلة في استمرار بناء القدرات، وأنظمة الدفاع المختلفة التي لم تعد تقتصر فقط على القبة الحديدية بل ستمتد إلى أنظمة الدفاع الجديدة، التي لا تزال في دائرة الاختبار وبعضها لم يدخل بعد الخدمة بصورة كاملة، ومنها السماء الحمراء ومنظومة الليزر متعدد الاستخدامات ومقلاع داود 2 والسهم، إضافة إلى "حيتس"، التي يتم تطويرها بالشراكة مع الولايات المتحدة.
والرسالة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يريد الانتقال بوضع الدولة الراهن من مواجهات داخلية على قضايا وملفات وموضوعات إلى قضايا خطيرة تمس أمن الدولة ووجودها، وليس مجرد تهديد أو خطر عاجل وهو ما يجب وضعه في الاعتبار، خاصة أن إسرائيل تدرك تبعات ما يجري في ظل أولوياتها الأمنية والاستراتيجية التي يريد رئيس الوزراء نتنياهو توظيفها والعمل من خلالها مستثمرا ما يجري من تطورات حقيقية وعملية في التحرك لإسكات صوت المعارضة الحزبية من جانب والشرائح الأخرى التي خرجت تطالب برفض التعديلات القضائية تخوفا على مكاسبها ومصالحها وفق كل شريحة مجتمعية، وهو ما يؤكد أن نتنياهو على دراية كاملة بما يجري، ولديه اليقين في إيصال المجتمع الإسرائيلي إلى الاستقرار عبر استراتيجية دفع الجميع للعمل للأمام وعدم الاستمرار في مناخ عدم الاستقرار الذي لن يفيد إلا أعداء إسرائيل، ويعطي الفرصة لقوى الإرهاب والإرهابيين للعبث بأمن الدولة العبرية، ونموذجها السياسي في الشرق الأوسط الذي ما زال تحكمه قواعد وضوابط محددة، ونجح برغم كل ما يجري في توقيع سلسلة من اتفاقيات السلام وإدخال إسرائيل مرحلة جديدة من السلام الاقتصادي والتعاون الإقليمي، وهو ما لم يحققه أي رئيس وزراء إسرائيلي آخر.
ثالثها: مع استمرار المشهد الإسرائيلي على حاله وعدم حدوث أي متغيرات حقيقية كما كان متوقعا في بدايات أزمة الاستقرار العام في إسرائيل والحديث عن احتمالية وقوع حرب أهلية فإن الحكومة الراهنة ستكون مستمرة، ولن تتغير إلا في حال تعثر تنفيذ برنامج التعديلات القضائية لأن هذا السيناريو وحده القادر على إعادة ترتيب أولويات أحزاب الائتلاف، ومكوناته الراهنة التي تعمل في اتجاهات محددة. وفي حال الذهاب إلى تأجيل جديد للإصلاحات القضائية، فإن هذا الأمر سيتم بناء على شراكة محددة، وعبر استراتيجية متعددة سيعود إليها نتنياهو ويعمل من خلالها وستضم الوزيرين إيتمار بن غفير وسموتريتش بالأساس، إضافة لمحاولة تطويع الوزراء الآخرين للبحث عن حل وسط، خصوصاً أن تنفيذ مخطط تشكيل الحرس الوطني سيأخذ أربعة أشهر كاملة، وربما سيزيد أي أنه قادر على المناورة على عنصر الوقت والعزف على البديل سواء مع مكونات الائتلاف الراهن، أو حتى التفكير في السيناريو الصفري – وهو وارد- إلى إعادة هندسة الائتلاف الحاكم وإلحاق بيني غانتس بالائتلاف.
في المجمل فإن الحكومة الراهنة مستمرة وسياستها وفق الائتلاف الحاكم قائمة، ولا توجد أي فرص لتغييرها على الأقل في ظل العمل باتفاق الشراكة الذي كان مدخلا لتشكيل الحكومة، الأمر الذي يؤكد أن نتنياهو سيمضي في كل مسار للعمل ولن يعمل في اتجاه واحد، كما يتصور البعض، وبرغم كل الانتقادات التي وجهت لأداء الحكومة وانشغالها بقضايا عدة، فإن الأمر سيكون مرتبطا في نهاية المطاف بالخبرة التراكمية لدى نتنياهو بالفعل، وقياس ردود فعل خصومه مع العودة للحديث من منطلق الرجل القوي القادر على التعامل مع كل التطورات السياسية بل والميدانية وعلى أي جبهة من الجبهات التي تهدد أمن إسرائيل بل وفي اتجاه الخارج، وفي إطار مسعاه لبناء شراكة مع الولايات المتحدة، وتجاوز مرحلة التباين وعدم التوقف أمام التحفظات الأمريكية على مواقف الداخل الإسرائيلي، ولهذا فإن رئيس الوزراء نتنياهو سيذهب قريبا إلى واشنطن، وستعمل كبرى المنظمات اليهودية، خاصة "إيباك" على تصويب مسار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ووضعها في موقعها الصحيح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة