في أواخر شهر مارس/آذار الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، تكريس شهر أبريل/ نيسان ليكون شهرا للتراث العربي الأمريكي، وذلك بموجب سلطات دستور وقوانين الولايات المتحدة، داعيا جميع الأمريكيين إلى معرفة المزيد عن تاريخ وثقافة الأمريكيين العرب.
أحسن الرئيس بايدن حين أشار إلى أن قصة الأمريكيين العرب، هي قصة تلخص حكاية أمريكا التي تشكلت من خلفيات وأديان متنوعة، وتقاليد نابضة وجرأة في الابتكار والعمل الجاد والالتزام المجتمعي والوطنية، حيث يتحد الأمريكيون لإنجاز شيء أعظم من الجميع.
ولعل ما لا يعلمه الكثير من القراء، هو أن هناك الكثير من الروايات التي تتحدث عن وصول ملاحين عرب قبل أن يعرف كريستوفر كولومبس، طريقه للأرض الجديدة، وهو أمر بحثي ينبغي أن نعود إليه مرة أخرى.
عرف العرب المعاصرون لا سيما الشوام طريقهم إلى دول أمريكا اللاتينية، وأمريكا الشمالية، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وقد رست بهم السفن على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وبالتحديد في نيويورك، ومنها انتشروا إلى غالبية الولايات وصولا إلى الغرب الأمريكي على ساحل المحيط الهادئ.
نجح الأمريكيون العرب في تثبيت وجودهم ضمن بوتقة الانصهار الأمريكي، التي شكلت ملامح ومعالم أمريكا المعاصرة، وتمركزوا في أماكن بعينها مثل نيوغيرسي وميتشيغان، وقد عملوا في التجارة وأجادوها، واليوم بات هناك الكثير منهم من رجال الأعمال المشهود لهم بالكفاءة.
لم يهتم الأمريكيون العرب في بدايات وجودهم في الداخل الأمريكي بالمشاركة في العمل السياسي، إذ انصرفت جهودهم إلى تحسين أوضاعهم المالية، سيما أن النسبة الغالبة من الهجرة العربية جرت في أوقات الأزمة المالية الكبرى التي ضربت الاقتصاد العالمي في أوائل ثلاثينيات القرن المنصرم.
غير أن حرب الخامس من يونيو/ حزيران من عام 1967، دفعت النخبة المثقفة التي كانت قد درست في الجامعات الأمريكية، إلى التنبه لأهمية المشاركة السياسية في الداخل الأمريكي، وعدم الاكتفاء بدور المشاهد أو المتفرج فحسب.
وخلال حقبة السبعينيات، ظهرت على سطح الأحداث أسماء عربية كبرى، مثل الدكتور إدوارد سعيد في جامعة كولومبيا الأمريكية الشهيرة، وقد عرف بكتاباته عن الاستشراق، إضافة إلى دعمه للقضية الفلسطينية بصورة يفهمها الأمريكيون .
وعلى الصعيد العلمي، عرف الأمريكيون رجالات مثل الدكتور فاروق الباز، الذي أسهم في رحلة الأمريكيين الأولى إلى القمر، وفي نهاية التسعينيات كرمت أمريكا العالم المصري أحمد زويل بعد فوزه بجائزة نوبل لأبحاثه عن الزمن وتوصله لوحدة الفيمتوثانية، إضافة إلى أعلام سياسية مثل الدكتور كلوفيس مقصود، والأخوين جون وجيمس زغبي، وإن ينس المرء فلا ينسى الكاتب والشاعر لبناني الجذور، جبران خليل جبران.
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض الأسماء والكفاءات العربية الأمريكية، لكن يبقى السؤال الجذري والمهم: "كيف يمكن للأمريكيين العرب أن يضيفوا قيمة مضافة لدعم وزخم العالم العربي، ومساندة قضاياه المصيرية في حاضرات أيامنا؟
بحسب الإحصائيات الأمريكية الأحدث لعام 2020، يبلغ تعداد الأمريكيين الذين أقروا بأنهم عرب الجذور نحو 2.2 مليون شخص من أصل 332 مليون نسمة، بينما هناك رقم آخر مرجعه المعهد العربي الأمريكي يصل إلى 3.7 مليون.
تبدو الإشكالية الأولى التي تواجه الأمريكيين العرب موصولة بالحفاظ على اللسان العربي الفصيح، حيث يعاني الجيل الثاني المولود على الأراضي الأمريكية من عدم إجادة اللغة العربية، إذ إن الدراسة تمضي باللغة الإنجليزية، والصحبة غالبا ما تكون من متحدثين بالإنجليزية .
اليوم هناك جيل ثالث من الأمريكيين العرب، وهؤلاء غالبا لا يتكلمون العربية، وتشير بيانات التعداد الأمريكي الأخيرة إلى أن 40% من عرب أمريكا اليوم لا يتحدثون اللغة العربية.
ليس سرا القول إن اللغة دائما هي معين ثقافي وحضاري قبل أي شيء آخر، وهي رافعة لتاريخ الأمم والشعوب، وحال غياب اللسان العربي من الأمريكيين العرب، سوف تفقد الأمة حضورا مهما لها خارج إطارها الجغرافي.
وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها العديد من المؤسسات ذات الأصول العربية والإسلامية، بهدف الحفاظ على اللغة العربية، فإنه من الواضح أنها ليست كافية، الأمر الذي يجعل القضية تحتاج إلى جهود عربية - عربية، ضمن إطار مؤسساتي لا بد لجامعة الدول العربية أن تلعب دورا فيه .
الأمر الآخر الذي يتقاطع مع حديث الأمريكيين العرب، له علاقة بقنوات الإعلام والتواصل الاجتماعي بين الأجيال العربية الأمريكية، وبين الجذور في الأوطان .
هنا ينبغي الإقرار بأنه رغم الانفجار الفضائي العربي، فإنه ما من حبل متين يربط الجانبين، ويبسط مساحة واسعة من الفهم والتفاهم المتبادل، وبما يعزز التواصل مع أرض الآباء والأجداد.
ما الذي يتبقى في هذا الحديث؟
هناك قصة اللوبي العربي المنشود، الذي يمثل الفريضة الغائبة بالنسبة للأمريكيين العرب، إذ ينقصهم حتى الساعة وجود عمل عربي مشترك، على قاعدة واضحة من التوجهات السياسية بهدف واضح هو صالح ومصالح الشعوب العربية والقضايا الموحدة لكلمة العرب في الحال والاستقبال.
الأمريكيون العرب حال أحسن التفكير في شأنهم، يمكن لهم أن يضحوا جسرا وقنطرة تخدم شؤون وشجون العالم العربي في هذه الأوقات التي يعاد فيها تشكيل العالم مرة جديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة