طوال العقود التسعة التي مرت بها جماعة الإخوان منذ تأسيسها في مصر عام 1928، وبخاصة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة،ودعايتها لا تتوقف عن تقديم نفسها على أنها "البديل" الكامل لكل المؤسسات والسياسات التي توجد في مصر.
وأن لديها رؤى وخططا بديلة شاملة ومفصلة لكل مجالات الحياة، من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.. وغيرها.
وقد تناولنا في مقالات سابقة حقيقة قدرة الإخوان المزعومة على معالجة القضايا السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، سواء من حيث امتلاك الجماعة لتصورات وخطط للتعامل معها، أو سواء من حيث امتلاكها الكوادر البشرية والعناصر المتخصصة في مختلف تلك القضايا والقادرة على التعامل معها. واكتشفنا وتأكدنا فيما يخص كل تلك القضايا مدى زيف الادعاءات الإخوانية بأن الجماعة هي "البديل" الجاهز والقادر على التعامل معها، وتبخرت هذه الادعاءات في فترة هيمنة الجماعة على الحكم في مصر بين عامي 2012 و2013.
إلا أن هذا ليس كل شيء، فلم تفتقد الجماعة فقط كل ما تدعيه من تصورات وقدرات في المجالات السياسية والاقتصادية، بل هي لم تمتلك قط على صعيد القوة الناعمة شيئاً تقريباً طوال تاريخها المئوي. والمقصود هنا بالقوة الناعمة كل المجالات المتعلقة بتشكيل الثقافة والوعي والذوق العام وما يحبه الناس، وهي المجالات التي تؤكد إعادة قراءة تاريخ الجماعة، افتقادها التام لأي تصورات أو خطط أو إبداعات أو كوادر فيها. وبحسب الدراسات المتخصصة، فإن الفنون والآداب تنقسم إلى مجالات عديدة لا تقل عن ثمانية عامة. فهناك فنون الكتابة وتشمل الأدب والشعر والصحافة، وفنون الموسيقى بألحانها وغنائها، وفنون النحت والعمارة والتصميم الهندسي، وفنون السينما بكل أنواعها وتخصصاتها الفرعية، وفنون الرسم بكل صنوفه، والفنون التطبيقية المتعددة مثل تصميم الأزياء والأثاث وغيرهما وصناعتها وغير ذلك من فنون تطبيقية، وأضافت التطورات الحديثة إليها ما يمكن تسميته "فنون الإعلام المرئي والإلكتروني" بمختلف أنواعها، ذلك فضلاً عما تمثله كل أنواع الرياضة من رافد مهم لما يسمى "القوة الناعمة".
ففي خلال تاريخ الجماعة الطويل، يشير التحليل التفصيلي له، إلى الفقر المدقع للجماعة وأعضائها في كل مجالات القوة الناعمة السابق ذكرها. فعلى صعيد تصوراتها للتعامل مع هذا الكم الهائل من مكونات القوة الناعمة، لا يوجد شيء في أدبيات الجماعة يشير إلى أي اهتمام بها أو حتى رؤى عامة للتعامل معها وتطويرها. وأما على صعيد كوادر أو أعضاء الجماعة المتخصصين فيها، فلن تجد تقريباً منهم طوال تاريخها المئوي سوى أعداد لا تتجاوز أصابع اليدين في كل المجالات السابق ذكرها. ويبدو الأمر أكثر فداحة من زاوية أخرى، فحيث إن كل فنون ومجالات وتخصصات القوة الناعمة تتطلب وجود مبدعين في كل منها، فإن غياب الإخوان عنها جميعاً تقريباً يشير بوضوح شديد إلى الافتقاد التام للجماعة وأعضائها للإبداع في أي من مجالات القوة الناعمة، وإلى عدم سعي الجماعة في أي وقت من تاريخها لمعالجة هذا الخلل الفادح بسياسات داخلية تشجع على هذا الإبداع.
إن هذا الجانب من العجز الإخواني عن طرح تصورات ورؤى بديلة أو وجود مبدعين ومتخصصين بداخلها في مجالات القوة الناعمة، يأتي ليكمل تحطيم أسطورة "قدرة الإخوان" التي روجت لها الجماعة ومناصروها زوراً وبهتاناً خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة على الأقل. كذلك، فإن هذا العجز الفادح والفاضح للجماعة يأتي متعارضاً تماماً مع مكونات الدور المصري في العالم العربي تاريخياً وقدراته الشاملة، التي تشكل ضمنها القوة الناعمة بكل مجالاتها السابق ذكرها أحد أبرز أعمدته.
وإذا كان الوهم الإخواني قد اتضح بجلاء في عامي حكمهم لمصر بفشلهم الذريع في إدارة مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع، فمن المؤكد الآن أنهم قد فشلوا طوال تاريخهم المئوي في امتلاك أي قدرة أو رغبة أو كوادر بشرية في كل مجالات القوة الناعمة التي تشكل الثقافة والوعي والذوق العام وما يحبه المصريون، التي صنعوها بدأب وإبداع خلال مئات بل وآلاف من السنين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة