الإخوان وداعش.. نواة النشأة وسبب الوجود
لم يختفِ تنظيم "داعش" الإرهابي رغم مرور 4 سنوات على سقوط دولته المزعومة، في آخر ما تبقى له من أرض بسوريا وهو ما أرجعه محللون إلى قصر مواجهة الغرب للإرهاب على التنظيم دون الإخوان التي تعد مصدر الأفكار التي شكلت القاعدة وداعش.
ورغم إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سقوط التنظيم في مارس/آذار 2019، لا يزال "داعش" قادرًا على تنفيذ العمليات النوعية، فوفق المرصد السوري، نجح التنظيم في تنفيذ 23 عملية في شهر مارس/آذار الماضي وأكثر من 40 عملية منذ بداية العام الحالي.
يبني مراقبون نشأة التنظيم ببناء مملكته الزائلة التي أعلن عن قيامها في 29 يونيو/حزيران من عام 2014، حيث سيطر على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية والسورية ونجح في الاحتفاظ بهذه الأراضي 5 سنوات كاملة، وعندما تم الإعلان عن سقوط "داعش" قبل 4 سنوات من الآن ما زال التنظيم يطل برأسه من خلال عمليات نوعية ما زالت تستهدف المناطق العربية التي سبق واحتلها.
السطور التالية تطرح سؤالًا يتعلق بسقوط التنظيم من عدمه بعد مرور هذه السنوات، كما أنها تبحث عما تبقى من التنظيم والخطر الذي يمثله على المجتمع الدولي بعد أن تحول التنظيم إلى ذئاب منفردة ومتفردة.
كما نناقش العلاقة الجدلية بين الإخوان وداعش؛ فهل أثر سقوط تنظيم الإخوان في عدد من الدول العربية على سقوط دولة داعش؟ أم أن سقوط داعش كان له انعكاس على معدل انهيار الإخوان في أغلب العواصم العربية التي صعدوا فيها إلى السلطة.
هل انتهى تنظيم داعش فعليًا؟
في 23 مارس/آذار من العام 2019، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية سقوط دولة داعش وسبقها في 2017، إعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي تحرير كامل الأراضي العراقية وتحديدًا مدينة الموصل؛ ورغم هذين الإعلانين إلا أن التنظيم نجح في تنفيذ مئات العمليات داخل مدينة الموصل وفي بغداد العاصمة وكذلك البادية السورية.
لم يكن الأمر إلا بمثابة الإعلان عن انتهاء التنظيم مكانيًا أو جغرافيًا لكنه ما زال موجودًا بعملياته، ربما تغير وضع التنظيم بحيث بات أقرب إلى الذئاب المنفردة بعدما عاش في كيان أشبه بالدولة 5 سنوات كاملة، وهنا بدت خطورة التنظيم الذي بدأ يتحرك في شكل خلايا نشطة ومنفردة ومتفردة في نفس الوقت.
كان للتنظيم مكان جغرافي يُسيطر عليه وتوجد فيه عناصره، وبالتالي كان من السهل استهداف قياداته سواء عبر العمليات البرية التي قامت بها قوات الأمن العراقية أو عبر الاستهداف الجوي للتحالف الدولي، أما بعد تحرير الرقة والموصل تحول التنظيم إلى ذئاب منفردة بعضها نفذ عددا من العمليات ضد دول أوروبية والبعض الآخر كثف من تنفيذ عملياته ضد أهداف في المناطق التي سبق واحتلها من قبل.
وحسب التقديرات الأمنية، فوضع التنظيم بات أخطر مما كان عليه، فالخلايا المنفردة للتنظيم صعب التقاطها وربما تحتاج إلى معلومات استخباراتية تتيح له تفكيك هذه الخلايا التي باتت توجد وسط النّاس، وهنا يحتاج الأمر لمعاملة مختلفة، خاصة أن هذه الخلايا دائمة الاختباء وسط الأهالي، وهو ما يُصعب من فكرة المواجهة.
"داعش" تنظيم عابر للحدود والقارات، نجح في إقناع عدد من التنظيمات المحلية والإقليمية في عدد من العواصم الأفريقية بمبايعته، وبالتالي مواجهته تستلزم دورا أكبر خاصة أن للتنظيم فروعا كثيرة بخلاف مقر قيادته في الرقة والموصول، وهنا لابد للمواجهة أن تكون موزعة بين قيادة التنظيم وفروعه المنتشرة في عدد من الدول.
العلاقة الجدلية بين الإخوان وداعش
تعود نشأة داعش قديمًا لجماعة الإخوان الإرهابية، فهذا التنظيم نشأ من رحم الإخوان التي سبق وشاركت في نشأة تنظيم القاعدة، ومن القاعدة خرج داعش الذي دافع عن مصالح الإخوان وبرر بعض عملياته بأنها دفاعًا عن الإخوان.
ولعل ذلك كان ظاهرًا في القاهرة، حيث أعلن "داعش" عبر التسجيلات المرئية أن الهدف من عملياته هو الرد على السلطة السياسية في مصر والتي استجابت لمطالب المصريين في ثورة 30 يونيو/حزيران 2013، كما أنه أعلن أن هذه العمليات مهداة لأسر الإخوان الذين قتلوا في المواجهات المسلحة مع أجهزة الأمن المصرية.
علاقة الإخوان بداعش لم تكن قديمة فقط، ولكنها تطورت فيما بعد، بينما دافع داعش عن الإخوان، دافع الأخير عن التنظيم ووجوده، للحد الذي تغزل فيه يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي للإخوان في أبو بكر البغدادي، الملقب بخليفة التنظيم، حيث قال عبر تسجيل صوتي: "إن أبو بكر البغدادي أخ من الإخوان المسلمين".
العلاقة المتشابكة بين داعش والإخوان ربما أعطت ماء الحياة للتنظيم الأكثر تطرفًا، واستفادت جماعة الإخوان الإرهابية من دفاع داعش بكل تأكيد حتى باتت المصلحة بين التنظيم والجماعة هي سبب وجود كل منهما، ولذلك سقوط داعش ترك أثرًا على وجود الإخوان في بعض الدول، ولعل سقوط الإخوان ترك أثرُا على تنظيم داعش، فكل أثر في الآخر.
من الأخطاء التي وقعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية أنها أنشأت تحالفًا دوليًا لمواجهة داعش في العام 2014، ولم يكن للتحالف أي دور لمواجهة خطر الإخوان المسلمين، وبالتالي لم ينته خطر "داعش" ربما بسبب المواجهة التي استثنت "الإخوان" رغم أنهم لا يقلون خطرًا، بل يمثلون امتدادًا للتنظيم، والأخطر أنهم يمثلون نواة النشأة وسبب الوجود.
مواجهة داعش لا بد أن تبدأ من الإخوان، فلا يمكن مواجهة فرع التنظيم دون مواجهة التنظيم ذاته، والإخوان هم مصدر الأفكار التي شكلت القاعدة وداعش، وبالتالي لا بد أن تبدأ خطة المواجهة من الإخوان، وأن يُشارك المجتمع الدولي فيها، فوضع التنظيم على قوائم الإرهاب هو بداية الطريق لمواجهة داعش والقضاء عليه.
الإخوان وتخليق داعش
دافعت جماعة الإخوان عن داعش وما زالت تُدافع عنه، بل وتسعى إلى إعادة تخليقه من جديد؛ فأغلب عناصر داعش كانوا ينتمون للإخوان في مراحل عمرية سابقة، وهنا بات الإخوان مجرد جسر لداعش، صحيح هناك اختلاف في آليات العمل بين التنظيم والجماعة، ولكن الإخوان هم نواة التنظيم ومصدر عناصره.
هناك أهداف مشتركة بينهما، فعلى قدر ما يرى داعش نفسه أنه نواة ما يُطلق عليه "الدولة الإسلامية"، تسعى جماعة الإخوان الإرهابية لنفس الهدف، وهنا يمكن القول: إن مساحات الاتفاق بينهما كبيرة تبدأ بالأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الدولة الإسلامية فالخلافة، وهي ضمن الأهداف المشتركة التي تجمعهما.
قام الإخوان عبر وسطائهم في تصدير العناصر لتنظيم داعش والتنظيمات المتطرفة مثل القاعدة وجبهة النصر من خلال بعض الجمعيات التي ادعى أصحابها أنها متخصصة في العمل الإنساني وأهمها جمعية سند والتي يُديرها القيادي بالجماعة الإسلامية محمد الصغير مع نجله عبد الرحيم المقيم بالخارج والذي قام باستقطاب المجموعات المتطرفة بتنسيق مع رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية المسلحة رفاعي طه، والمسؤول العسكري السابق بالتنظيم.
"الصغير" محسوب بصورة أكبر على الجماعة الإسلامية المسلحة وكان أحد قادتها ومرشحها في الانتخابات البرلمانية في العام 2012، ولكنه في نفس الوقت يعمل لصالح الإخوان وبتنسيق معهم، وهو عضو الأمانة العام لاتحاد علماء المسلمين.
كما أنه يعد عرّاب الإرهاب والتطرف وهمزة الوصل بين جماعة الإخوان والتنظيمات الأكثر تطرفًا مثل "داعش" و"القاعدة"، وهنا دور "الصغير" في نقل المجموعات من داخل "الإخوان للتنظيمات الأكثر تطرفًا، سواء عبر الفتوى أو من خلال المنصات الإعلامية التي تشرف عليها أجهزة استخبارات عالمية من مصلحتها أن تتواجد هذه التنظيمات وأن تعمل على أرض الواقع.
وهنا يمكن القول: إن جماعة الإخوان الإرهابية لم تمل بعد من محاولة إعادة تخليق "داعش" في الذكرى الرابعة لسقوط دولته، هذه المحاولات تنذر بالخطر وتتطلب تدحلًا عربيًا لمواجهته وتنسيقا أمنيا رفيع المستوى بين الدول التي يتحرك فيها الإخوان لتخليق هذا الجنين مرة ثانية.
aXA6IDMuMTQ1LjE5Ni4xNTAg جزيرة ام اند امز