نستكمل في هذا المقال تحليلنا التفصيلي لأداء إعلام جماعة الإخوان، التقليدي أو منصاتهم الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، سواء قام به أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بهم من تيارات أخرى.
وزاوية التحليل هذه المرة تتعلق بالمجال الجغرافي الذي يراه إعلام الإخوان فيما يبثه أو ينشره من دعاية سوداء واختلاق وترويج لأخبار لم تحدث أصلاً، والإلحاح عليها في محاولات لا تتوقف من أجل أن يقتنع المشاهد أو المتصفح بصحتها. والمقصود هنا بالمجال الجغرافي، هو الدول أو الشعوب التي يركز عليها إعلام الإخوان وتتعلق بها دعايته، وتدور حولها أكاذيبه.
ويبدو منطقياً بالطبع أن تكون مصر هي البلد الأول والرئيسي الذي تتركز حوله الدعاية الإخوانية عبر وسائل إعلام الجماعة، فقد أنشئت هذه الوسائل عقب إسقاط حكم الإخوان في مصر بثورة شعبها العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013، في محاولات لم تتوقف لنحو عشر سنوات لتحقيق المستحيل المتوهم، وهو إسقاط الحكم في مصر وعودة الجماعة المطرودة منه بثورة شعبها إليه مرة أخرى.
وبالتالي فإن سيطرة الشئون المصرية على إعلام الإخوان كهدف رئيسي بنسب تصل في بعض الأحيان إلى مئة في المئة منه، يبدو منطقياً مع الهدف السياسي للجماعة وحلفائها من الملتحقة بها.
وإلى جانب الشئون المصرية تظهر دولتان شقيقتان تستأثران بنسبة كبيرة من الدعاية الإخوانية السوداء وهما دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وينقسم هجوم إعلام الإخوان ودعايتهم المسمومة تجاه الدولتين الشقيقتين إلى نوعين: الأول هو الهجوم الموجه إلى الحكم في كل منهما فيما يخص سياسات كل منهما وقراراته الداخلية أو الخارجية، والثاني هو الهجوم المتعلق بعلاقات كل منهما بالحكم في مصر في شتى مجالات ومحاور العلاقات الثنائية.
وإلى جانب هاتين الدولتين الشقيقتين اللتان تحظيان بالتركيز الرئيسي لإعلام الإخوان – وبالطبع مصر في المقدمة – تظهر الشقيقة تونس من وقت لآخر، وهي تحظى لدى التعرض لها بهجوم ساحق مرير من هذا الإعلام موجها بصفة خاصة إلى سياسات وقرارات رئيسها القوية والحاسمة تجاه فرع جماعة الإخوان السياسي بها. أما فلسطين التي يزعم الإخوان أنها قضية العرب والمسلمين المركزية، فهي غير موجودة في إعلامهم الموجه سوى في لحظات التصعيد الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وبنذر يسير من التغطية، التي يتفوق عليهم فيها كل الإعلام العربي وأحياناً كثير من الإعلام الأجنبي.
وبالعودة لتناول إعلام جماعة الإخوان للدولتين الشقيتين، الإمارات والسعودية، يتضح أن هجومه المسموم على الحكم في كل منهما من زاوية أوضاعهما الداخلية، يمثل الجزء الأقل من الهجوم عليهما، ويدور في مساحة من الأكاذيب اليائسة لهز هذا الحكم داخلياً. أما القسم الأكبر من هذا الهجوم الإعلامي الإخواني على الدولتين الشقيقتين، فيتركز في علاقات كل منهما مع مصر. ويستخدم إعلام الإخوان كل ما هو معروف في ترسانات الاختلاق والأكاذيب ليصلوا إلى الهدف الوحيد لهم من هذا الهجوم، وهو تدمير أو على الأقل إفساد العلاقات المصرية مع كل من الدولتين.
وهنا يظهر السؤال المنطقي: لماذا يفعل الإخوان وإعلامهم هذا؟.. والحقيقة أن للسؤال معنيان ولكل معنى منهما إجابة. فأما المعنى الأول فيتعلق بالهدف من محاولات التدمير والإفساد تلك، وإجابته واضحة جلية، وهي سعيهم المحموم الواهم خلال السنوات العشر الماضية لحصار الحكم في مصر وإسقاطه، واستكمال محاولات خلخلته داخلياً بتخريب علاقاته الخارجية وخصوصاً مع أقرب أصدقائه وحلفائه. وهنا يظهر المعنى الثاني للسؤال والإجابة وهو أن ما يدفع الإخوان لمحاولاتهم اليائسة لتخريب العلاقات المصرية مع الدولتين الشقيقتين، لاشك في أنه هو مواقفهم الصلبة والمتكاتفة في مواجهة انفراد الجماعة بحكم مصر عامي 2012 و2013، حتى أسقطها شعب مصر بثورة يونيو/حزيران 2013، ووقوف الدولتين الشقيقتين بكل طاقتهما وراء قرار الشعب المصري ودعمهما دولته من الانهيار الذي كان هدف الإخوان وسعيهم المحموم.
والخلاصة البسيطة هنا هي أن إعلام جماعة الإخوان الموجه والدعائي لا يستهدف تغطيات إعلامية طبيعية تشمل جغرافياً على الأقل كل دول العام العربي، بحسب ما تشهده كل منها تطورات وأحداث، بل هو لا يرى من دوله الاثنتين والعشرين سوى خمس دول فقط، وتغيب الباقيات عنه غياباً تاماً. فهذا العالم خارج هذه الدول الخمس غير موجود أصلاً لدى إعلام جماعة الإخوان، لأنه ببساطة ليس إعلاماً، بل هو أداة الدعاية السوداء والمسمومة لتحقيق أهداف الجماعة السياسية وأوهامها المستحيلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة