أعلن وزير الدفاع في الحكومة الفيدرالية الصومالية، عبدالقادر محمد نور "جامع"، في النصف الثاني من مارس/ آذار الماضي، أن المرحلة الأولى من عمليات الجيش لمكافحة الإرهاب أسفرت عن مقتل 3000 إرهابي وإصابة 3700 عنصر من حركة "الشباب" التابعة للقاعدة. وتمّت العمليا
ودفعت تلك الخسائر حركة "الشباب" الإرهابية إلى التوسّع، رغم أنه في الواقع لا يعدو كونه هروباً من الهزائم نحو كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، لكن أياً من هذه الدول لن تسمح لها بالتواجد على أراضيها.
وفي الأسبوع الأخير من مارس/ آذار الماضي، أفادت تقارير بأن حركة "الشباب" الإرهابية قد اشتبكت مع "داعش" في منطقة جبلية في منطقة بري في بونتلاند، شمال شرق الصومال، مما أسفر عن مقتل حوالي 40 إرهابياً بين الجانبين. وبالنظر إلى هذه المعطيات، تبرز احتمالية توجّه حركة "الشباب"، التي تنشط تقليدياً في جنوب ووسط الصومال، شمالاً وطرد "داعش" من معقلها في بونتلاند.
وبالإضافة إلى هروب حركة "الشباب" إلى الشمال، سيكون من المنطقي أيضاً أن تسعى الجماعة، التي تلقت ضربات موجعة في مصادر تمويلها، للسيطرة على الأراضي والموارد للتحكم في طرق التجارة والتهريب.
وعلى الرغم من أن حركة الشباب تعتزم التوسّع في بونتلاند، إلا أن قوات هذه المنطقة لن تجعل تلك المهمة سهلة أبداً. ولم تتردد محكمة بونتلاند العسكرية في الحكم بالإعدام على 10 إرهابيين من حركة "الشباب" في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي. وفي مطلع شهر أبريل/ نيسان الجاري، أصدرت المحكمة بالفعل حكماً بالإعدام على 19 عضواً آخر من المجموعة الإرهابية، بعد إدانتهم بالقتل.
وقدّرت بعض التقارير عدد مقاتلي حركة "الشباب" بما يتراوح بين 7000 و9000 عنصر في الصومال وحدها، على الرغم من وجودها المحدود أيضاً في كينيا وأوغندا. ومما لا شك فيه أن ما كشف عنه الوزير بشأن مقتل ثلاثة آلاف إرهابي، حتى لو كان تقريبياً، فهو سبب كافٍ للتنظيم الإرهابي للبحث عن منطقة جديدة يستطيع التمركز فيها.
التأثير الآخر الذي أحدثته الخسائر البشرية الكبيرة بين الإرهابيين هو التأثير النفسي والمعنوي. واعتاد الإرهابيون على ارتكاب الجرائم دون صعوبات، والآن يرون أنهم فقدوا 30٪ من عناصرهم إضافة إلى خسارة القادة في القتال، وتجفيف مصادر تمويلهم. هذه بالتأكيد ضربة معنوية قوية للتنظيم الإرهابي في الصومال وتحذير للقاعدة المركزية من العواقب، وهي نتائج يتم حصادها عندما تحارب الحكومة الإرهابيين بعزم.
وفي مطلع فبراير/ شباط الماضي، عُقدت قمة رؤساء الدول في مقديشو، حضرها رئيسا جيبوتي وكينيا ورئيس وزراء إثيوبيا، برئاسة الرئيس الصومالي. وأشاد القادة بالجهود التي تبذلها الحكومة الصومالية في محاربة حركة الشباب، وأعربوا عن استعدادهم للعمل مع الصومال لاجتثاث الإرهابيين من خلال التخطيط المشترك لاستراتيجية عملياتية حاسمة ضد حركة "الشباب".
وفي الآونة الأخيرة، ارتفع عدد القتلى المدنيين بشكل حاد في الصومال حيث أدى يأس حركة "الشباب" الإرهابية إلى شن هجمات خلّفت إصابات بين المدنيين باستخدام العبوات الناسفة في المناطق المزدحمة. هجمات مثل الهجوم على فندق في كيسمايو وآخر في مقديشو، ووزارة التربية والتعليم، ومكتب مفوض المنطقة ومركز الشرطة المحلي في ماكساس، ومبنى الإدارة الإقليمية لبنادير في مقديشو، وإطلاق قذائف الهاون باتجاه مطار عدن آدي الدولي، وكذا استهداف قافلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة. كل ذلك يدل على يأس الحركة الإرهابية.
وفي خضم ذلك، ظل تنظيم "داعش" بعيداً عن الأنظار، لكنه نفّذ ثلاث هجمات. في إحداها قتل مسؤول رفيع المستوى من منطقة مقديشو بعبوة ناسفة في سيارته، والثانية هي مواجهة مسلحة بين "داعش" في الصومال وجنود بوساسو في بونتلاند، والثالثة في 4 أبريل/ نيسان الجاري ضد شاحنة بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال بالعاصمة مقديشو.
لقد استغرق الصومال ثمانية أشهر فقط لإظهار فعالية خططه لمكافحة الإرهاب والضغط على إرهابيي حركة "الشباب"، مما يشير إلى أنه مع تقدّم عام 2023، ستأتي تغييرات كبيرة فيما يتعلق بالمنظمة الإرهابية. ومع فقدان المتمردين للسيطرة على وسط الصومال ومعرفة أنهم لا يستطيعون الاقتراب من حدود كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، قد يؤدي ذلك إلى مسرح عمليات جديد يبدأ الآن في بونتلاند في شمال الصومال.
إن الحرب ضد حركة "الشباب" الإرهابية في الصومال ليست حرباً عسكرية فحسب، بل ترافقها إجراءات فكرية واقتصادية. الأموال التي أتت للإرهابيين من أجل الابتزاز اختفت عملياً وتم إغلاق أكثر من 250 حساباً مصرفياً، مما زاد من خسارة الأراضي التي يمكنهم الحصول على التمويل منها، وكل ذلك يدل على أن الحكومة الصومالية الجديدة تعرف كيف تحارب الإرهابيين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة