النزاع المفاجئ الذي نشب بين الجيش السوداني بقيادة الركن عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان الشهير بـ"حميدتي" يثير القلق حول استقرار وأمان الشعب بل وتماسك مؤسسات الدولة السودانية.
الوضع في السودان تدهور بصورة لم تكن متوقعة وبمعدل متسارع لم يسمح للكثيرين بتفسير أو فهم ما يجري بشكل دقيق. فمن جانب لم تتضح حتى الآن الأسباب التي تقف وراء هذه التطورات المفاجئة والتصاعد السريع في وتيرة الموقف وأدت لأن يتحول الموقف من أزمة سياسية أو خلاف بين شركاء الحكم إلى مواجهات مسلحة.
التصريحات والبيانات الرسمية، فضلاً عن التطورات الميدانية المتصاعدة، تشيران إلى أن الفجوة بين الطرفين واسعة والخلاف قفز سريعاً إلى استخدام أقصى درجات العنف واستخدام كل ما هو متاح من القوة المسلحة. ويؤكد عملياً، أن التئام القوات المسلحة السودانية تحت مظلة واحدة لم يكن يعني انسجاماً كاملاً أو اتساقاً في المواقف.
وفي التقييم المبدئي لهذا النزاع فإن هناك خطرين أساسيين؛ هما الخطر الأول: وهو الأكبر وأيضاً المباشر ويثير المخاوف بالفعل، هو تعريض المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب السوداني للخطر. وبلا شك فإن صورة المسافرين في مطار الخرطوم وهم منبطحون أرضاً وفي حالة رعب وفزع، تشير إلى ما قد يصيب السودانيين جميعاً إذا تفاقم النزاع أو اتسع نطاق المواجهات العسكرية أو طال أمدها ولو قليلاً.
فالقاعدة المعروفة في جميع تجارب التاريخ، أن الخاسر الوحيد دائماً من أي مواجهات مسلحة سواءً بين الدول أو في الداخل، هو الشعوب والمواطنون المدنيون الذين ليس لهم من الأمر شيء ولا يعود عليهم سوى بخسائر في الأرواح والممتلكات. وهو ما بدا يلوح سريعاً في الأفق السوداني، حيث وقع عدد من القتلى المدنيين على وقع الاشتباكات والقصف المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع في أنحاء العاصمة الخرطوم.
أما الخطر الثاني: هو غير المباشر ولكنه الكارثة التي ندعو الله ألا تقع، وهي تحول هذا الخلاف القائم بين كيانين قويين من الكيانات النظامية المعنية بالدفاع عن السودان وحفظ أمنه واستقراره، إلى انقسام للمؤسسة العسكرية السودانية على نفسها. وهو ما يعني حال حدوثه لا سمح الله، سقوطاً وانهياراً للحائط القوي الحامي للسودان أرضاً ودولة وشعباً.
بل إن استمرار المواجهات المسلحة الدائرة وربما توسعها إلى مستوى الانقسام المؤسسي والميداني أمنياً وعسكرياً، يعني تداعيات أمنية خطيرة ليس فقط على الداخل السوداني، لكن خارجه أيضاً فهناك متربصون من الداخل والخارج. وتكفي الإشارة هنا إلى واحد فقط من تلك التداعيات المحتملة، وهو أن يتحول السودان بفعل التفكك الأمني إلى ساحة مفتوحة لعناصر وجماعات ومليشيات إرهابية لن تقصر نشاطها في تلك الحالة على أرض السودان. ولا بد أن يثير ذلك الشبح قلق وانتباه كل دول المنطقة، فالتطورات المحتملة وتداعياتها لن يمكن لجمها وقد لا تبقى سودانية فقط!!
هذا السيناريو المخيف يدعو إلى ضرورة مراجعة كل الأطراف والقوى السودانية نفسها، وليس طرفي الخلاف في المؤسسة العسكرية وحدهما، بل كل القوى السياسية السودانية بما فيها القوى المدنية التي كانت طرفاً مشاكساً منذ سقوط نظام البشير في عام 2019 وطوال الفترة الانتقالية الحالية. فقد تشتت جهود المؤسسة العسكرية خلال تلك الفترة بمهام وأعباء كثيرة ومتعارضة أحياناً. إذ كانت مطالبة بالتزام العمل على المسارات السياسية والبحث عن حلول وترضيات للقوى المدنية، وتحمل أعباء إدارة الدولة وتوفير الموارد للمواطنين. وكل ذلك بالتوازي مع الحفاظ على مقتضيات الأمن والاستقرار في ربوع البلاد وحماية أراضيها داخلياً وحدودها خارجياً.
وفي هذه اللحظات الحرجة من تاريخ السودان، بات واجبا على الدول العربية تجاه الشعب السوداني الشقيق قبل أي طرف آخر، وهو العمل سريعاً على تطويق الأزمة وتحجيم تفاعلاتها التي تتلاحق وتتصاعد على نحو مقلق.
الحفاظ على وحدة السودان وسلامته وحماية شعبه، يتطلب بالضرورة الحفاظ على مؤسسته العسكرية والحيلولة دون تضررها أو تعرضها إلى أي تهديد. ففي أي ضرر ينال من المؤسسة العسكرية سواءً في السودان أو في أي دولة عربية شقيقة، خطر كبير ومباشر على الأمن والاستقرار ليس فقط في هذه الدولة أو تلك، وإنما أيضاً على الدول في جوارها المباشر، وفي المحيط العربي ككل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة