حالة من الحراك الداخلي تشهدها إثيوبيا بصورة متطورة ووتيرة متسارعة كان لها أهداف أخرى.
فالخلاف نشب حول إلغاء ما يطلق عليها القوات الخاصة للأقاليم، وهي قوات متعددة أنشئت من قبل الحكومات الإقليمية المختلفة وجرى تسليحها بصورة متطورة، كانت الحكومة والقوات المسلحة الإثيوبية استفادت منها إبان الحرب التي اندلعت في إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا، بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي.
إلا أنه مع مرور الوقت شعرت الحكومة الإثيوبية أن هذه القوات قد تشكل خطرا على أمن واستقرار البلاد، وخاصة وأنه كان لها دور في تأجيج صراعات نشبت بين بعض الأقاليم وبعضها بسبب خلافات خاصة بالحدود والأراضي، بينها ما حدث بين إقليمي أوروميا والصومال الإثيوبي "أوغادين"، بسبب بعض المناطق المتاخمة أو المتنازع عليها بين الإقليمين، والاشتباكات التي وقعت بين إقليمي العفر والصومال الإثيوبي، حول أحقية مناطق متنازع عليها.
وخلال تطور الخلاف بين إقليم أمهرا وتيغراي، وأمهرا وبني شنقول حول مناطق يرى الجميع أن له أحقية في ملكيتها، ظلت القوات الخاصة للأقاليم التي تم تطويرها وتأهيلها بصورة كبيرة، تضاهي القوات المسلحة الإثيوبية، مما دفع الحكومات الإقليمية في إثيوبيا إلى الاعتماد عليها بصورة كبيرة، في العديد من المهام وتأمين حدود الأقاليم متجاهلة أن هنالك قوات فيدرالية هي المنوط بها تامين كافة أركان الدولة .
وخلال الحرب في إقليم تيغراي التي اندلعت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان هناك تبادل للتهم حول أدوار قامت بها تلك القوات الخاصة بدعم من مليشيات مسلحة مختلفة، وتعديات حتى علي الجيش الإثيوبي نفسه، مما أكد خطورة تلك القوات مستقبلا على أمن البلاد.
ذلك الوضع دفع الحكومة الإثيوبية إلى دراسة معالجة أدوار ومهام تلك القوات التي تم إنشاؤها خارج الأطر الدستورية، فصدر القرار الأخير لمعالجة أوضاع القوات الخاصة في الأقاليم، ودمجها مع القوات الفيدرالية، أو الشرطة الفيدرالية أو شرطة الإقليم وتوفيق أوضاع غير الراغبين للمواصلة .
هذه الخطوات بدأتها الحكومة من إقليم أمهرا بشمال إثيوبيا؛ فواجهت تحديا كبيرا متمثلا في التمسك بالقوات الخاصة في الإقليم، وتناسي دور القوات الفيدرالية من الجيش والأمن والشرطة، وهي التحركات التي توضح أن القوات الخاصة بات لها مكانة كبيرة وسط المواطنين في الأقاليم متخطية دور الجيش الإثيوبي .
وتمتلك قوات بعض الأقاليم أسلحة متطورة، حصلت عليها بدعم من الحكومة وبتمويل من الأقاليم، إبان حرب تيغراي، مما بات يشكل خطرا على الدولة الإثيوبية، كونها قد تكون مستقبلا اليد التي قد تقف أمام أي قرارات رسمية للحكومة .
وتنص المادة 51 من الدستور الإثيوبي، على أن الحكومة الفيدرالية هي المسؤولة عن إنشاء جيش قومي وشرطة وأمن لحماية وتأمين الوطن والمواطنين، وفي حال واجهت الأقاليم تحديًا كبيرًا فيما يخص أمن وسلامة الإقليم وفقا لقدرة شرطة الإقليم، تطلب العون من الحكومة الفدرالية، لتقوم بمد يد العون لتأمين الإقليم.
وفي المادة 52 من الدستور الإثيوبي، تقوم الحكومات الإقليمية، بإنشاء شرطة خاصة لفرض الأمن في الإقليم، وتسيير أمور إقليمها وإدارة شؤون الإقليم من قبل الإدارة .
وظلت الحكومات الإقليمية في إثيوبيا تعمل على تطوير قواتها الخاصة، متناسية أمر الدستور الذي لا يعطي الحق لإنشاء قوات أخرى موازية للجيش الوطني، مستفيدة من الصراعات الداخلية التي نشبت بين مختلف المكونات الإثيوبية في الداخل وانشغال الحكومة بعدة حروب مع جبهة تحرير تيغراي، وجيش تحرير أورومو المعروف بـ"أونق شيني".
وتظل تحركات الحكومة لمعالجة تعددية القوات في الأقاليم، هدفا رئيسيا لخلق حالة من الاستقرار وفرض الأمن في البلاد والتحكم في السلام المنتشر بكثرة منذ الحرب الأخيرة، الشيء الذي تعتبره بعض الأقاليم أنه محدد لوجودها في حال تم تسريح قواتها الخاصة ودمجها، ما قد يعرضها لأي هجوم مستقبلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة