شوارع بروكسل لم تشهد التدفق العارم لمشاعر الوطنية على ما جرى في باريس ونيويورك بعد اعتداءات، لان بلجيكا نفسها نشأت بشكل مصطنع.
بدت الظواهر الوطنية والتلويح بالأعلام البلجيكية نادرة في البلاد بعد اعتداءات هذا الأسبوع في بروكسل، وهي الهجمات الأسوأ في البلد المنقسم الذي يشكل قلب الاتحاد الأوروبي.
ففيما دعت فرنسا والولايات المتحدة إلى وحدة مواطنيهما بعد هجمات كبرى، بالحديث عن الهوية الوطنية والتعهد بالانتقام، حض المسؤولون البلجيكيون رعاياهم على التسامح والتفهم.
والنبرة المختلفة في بلجيكا للرد على اعتداءات الثلاثاء الانتحارية التي قتلت 31 شخصا، ناجمة عن انقسام البلد الذي يسكنه 11 مليون نسمة بين مجموعتيه ناطقتين بالفرنسية والفلمنكية.
وفي بلد لم تبد فيه مظاهر وحدة في السنوات الاخيرة إلا حول نجاحات منتخب "الشياطين الحمر" البلجيكي لكرة القدم، أثارت الاعتداءات مشاعر تعاضد عارمة في مختلف المناطق.
وقال داميان بيلتيريست (48 عاما) من الناطقين بالفرنسية "نشعر بنوع من التعاطف، يمكننا تبادل الذكريات، لدينا أمر مشترك في النهاية يعيش الجميع التجربة نفسها بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو الأصول".
بلجيكا أنشئت بشكل مصطنع
جرت الاعتداءات في مناطق كل من المجموعتين، في مطار زافنتم في المنطقة الفلمنكية ومدينة بروكسل التي تشكل جيبا ناطقا بالفرنسية بغالبيته وسط منطقة فلمنكية.
الخميس، أكد رئيس الوزراء البلجيكي الناطق بالفرنسية شارل ميشيل مخاطبا النواب أن "الحرية وحكم القانون والتسامح هي أكثر من أي وقت مضى نقاط مرجعية لنا للمضي قدما سوية".
وفي موقف معاكس أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بعد عشرة أيام على هجمات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني أن بلاده في حالة حرب مع تنظيم داعش الإرهابي الذي تبنى اعتداءات باريس وبروكسل.
ولم تشهد شوارع بروكسل التدفق العارم لمشاعر الوطنية على ما جرى في باريس ونيويورك بعد اعتداءات.
فقد انتشرت أعلام أجنبية كثيرة، جنوب أفريقيا وإسرائيل وكوبا، إلى جانب أعلام بلجيكا بالأسود والأصفر والأحمر، فيما انتشرت الزهور والشموع ورسائل الحداد المكتوبة في ساحة البورصة التي تحولت مقصدا للمتضامنين.
وأوضح ريجيس داندوا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لوفان، أن البلجيكيين يشعرون بالانتماء إلى مجموعتهم اللغوية يفوق الانتماء إلى الوطن، ويعود ذلك إلى كيفية تأسيس البلد.
ويقول داندوا: "انشئت بلجيكا بشكل مصطنع، ولو أن هذا حدث في إطار ثورة على المحتل الهولندي".
وتابع: "لم يكن هناك شعب بلجيكي. فحتى كلمتا (بلجيكا وبلجيكي) تم اختراعهما بعد قيام البلاد عام 1830".
لا جدوى إذن من اعتماد القومية وسيلة لتوحيد السكان أو مواساتهم، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة لوفان، مارك هوغ.
وقال هوغ إن "التلويح بالأعلام والرد العسكري من مقومات خطاب لا نملكه".
سابق الآوان
تشارك بلجيكا في التحالف الدولي بقيادة أمريكية لمكافحة تنظيم داعش وتبحث منذ فترة مشاركة طائراتها المقاتلة (إف-16) في غارات مشابهة في سوريا بعد قيامها بذلك في العراق.
لكن لم يبدر عن السياسيين البلجيكيين في أعقاب الاعتداءات أي حديث عن تصعيد عسكري محتمل.
ويقول هوغ إن "دور الدولة هنا مختلف عما هو في دول أوروبية كبيرة لديها جيوش قوية ما يوحي بأن المواطن في حماية الجيش والرئيس والجمهورية".
وتابع: "في بلد صغير لا يملك هذه القوة، لا نؤمن بأن بلجيكا ستحمينا. فأي جيش كبير قادر على هزمنا بسهولة"، مضيفا "إننا نعتمد على بعضنا البعض".
لكن مسلمي البلاد الذين يشكلون حوالى 6% من السكان قد لا يلقون ترحيبا في هذه الوحدة، لكن من السابق لأوانه الجزم إن كانت الاعتداءات ستثير مشاعر معادية للمسلمين كما حدث في بلاد أخرى بينها فرنسا.
ويقول داندو إن "العنصرية واقع سيؤدي إلى توسيع الشرخ ومضاعفة صعوبات اندماج المسلمين في بروكسل".
وبلجيكا حاليا البلد الأوروبي الذي يصدر أكبر نسبة من المقاتلين الاجانب المتجهين إلى العراق وسوريا مقارنة بعدد سكانها، بحسب خبراء قدروا أعدادهم بين 300 و400.
وفي أعقاب الفوضى والبلبلة بسبب الاعتداءات بدأ التشكيك في استمرارية أسلوب بلجيكا في التعامل مع هذا الملف.
وصرح غي بلومير (38 عاما) محدقا إلى نصب تكريمي في ساحة البورصة "قد يتخذ سياسيون قرارات نرفضها. وربما سيبدأون التصرف كالأمريكيين أو الفرنسيين"، متابعا: "ربما الأمر أيضا سابق لأوانه، ونحن غارقون" في المأساة.