في اليوم العالمي للطفل .. أطفال فلسطين بلا حقوق
الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتقال الأطفال الفلسطينيين
إسرائيل تضرب ببنود اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عرض الحائط.
"فور وصولي لمقابلة مخابرات الاحتلال في مركز مستوطنة غوش عتصيون، دخل عشرات المستوطنين إلى غرفة حجزت فيها، وانهالوا عليَّ بالضرب طوال 14 ساعة كنت خلال معصوب العينين ومقيد اليدين" .. لم ينتهِ الحدث مع الطفل مالك أبو ماريا، ولا تزال هناك تفاصيل كثيرة في رحلة اعتقاله على أيدي قوات الاحتلال قبل ثلاثة أسابيع.
بعد جولة الضرب المبرح، نقلت بجيب عسكري إلى سجن "عوفر" الواقع غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية "في السجن خلع جنود الاحتلال ملابسي وأخضعوني للتفتيش العاري، ثم ألبسوني "الشاباص" (زي الأسرى)، ووضعوني في غرفة رقم (3) بالسجن" هنا قابل مالك شقيقه الأكبر محمد.
لم يعتقل مالك (11 عامًا) لوحده في السادس والعشرين من الشهر الماضي، على أيدي قوات الاحتلال من داخل منزل عائلته ببلدة بيت أمر شمال مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، إنما اعتقل إلى جانبه شقيقيه محمد (17 عامًا) ومؤيد (15) عامًا.
يسخر والد الأطفال عايش أبو ماريا (48 عامًا) من الحصانة التي توفرها المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الأطفال: "لم يخلوا سبيل مؤيد إلا بعد دفع غرامة مالية، وكذلك أخلت المحكمة سبيل مالك بكفالة مالية قدرها 1500 شيقل (380 دولار)، وطفلي محمد الطالب في الفصل الثاني عشر لا يزال رهن الاعتقال إلى اليوم".
يستشيط عايش غضبًا عندما تسأله عن التهم الموجهة لأطفاله، ويقول لـ"بوابة العين"، أمس الخميس حضرت جلسة محاكمة محمد الأولى منذ اعتقاله، فإذا بمخابرات الاحتلال توجه له لائحة اتهام من ثلاثة بنود: "الأول رشق جنود الاحتلال والمستوطنين بالحجارة أكثر من مرة العام الماضي (2014)، ورشق جنود الاحتلال قبل شهر، والتهمة الثالثة إصابة جندي إسرائيلي بحجر". فيما اتهم مالك بإلقاء الحجارة على جدار مستوطنة كرمي تسيور شمال الخليل.
أطفال أبو ماريا ليسوا استثناءً بين أقرانهم، فعلى بعد مئات الأمتار تكرر الحدث ذاته مع الطفل عبادة علامي (13 عامًا)، عندما لاحقه جنود الاحتلال عصر اليوم الجمعة، واعتقلوه من داخل منزل عمه لثلاث ساعات قبل أن يخلوا سبيله، ويطلبونه لمقابلة المخابرات يوم الأحد المقبل.
ويقول عبادة لـ"بوابة العين": خرجت من باب بيتنا، فلاحظني جنود الاحتلال ولاحقوني، فهربت إلى بيت عمي المجاور، فاقتحموه عنوةً، وأقتادوني إلى خارج البيت، وسألوني عن هوية راشقي الحجارة على سيارات للمستوطنين كانت تمر بالشارع .. فلم أجب".
اليوم العالمي لانتهاك حقوق الطفل الفلسطيني
بعد ثلاث ساعات من الاحتجاز، نجحت محاولات أقرباء عبادة في تخليصه من جنود الاحتلال، الذين سلموه أمر استدعاء له ولوالده لمقابلة المخابرات يوم الأحد المقبل الواقع في مستوطنة غوش عتصيون "هذا احتفال يليق بالطفل الفلسطيني في يوم الطفل العالمي" كما يقول سمير علامي لـ"بوابة العين".
ويحذر مدير نادي الأسير في محافظة الخليل أمجد النجار، من خطورة ظاهرة الاستدعاءات من قبل مخابرات الاحتلال للأطفال ومطالبة ذويهم بجلبهم إلى مراكز التوقيف والتحقيق أو بعض المعتقلات للتحقيق معهم ومِن ثَمَّ اعتقالهم.
ويقول النجار لـ"بوابة العين": الاحتلال يهدف من وراء ذلك إلى تغيير صورة الأب و الأم لدى الطفل الذي يعتبرهم مصدر الأمان له، وهو ما يُشكل انتهاكًا خطيرًا لحق الطفل في توفر الأمن والحماية الأسرية له.
وشهدت اعتداءات قوات الاحتلال تصعيدًا غير مسبوق ضد الفلسطينيين، خصوصًا ضد الأطفال، وبالتحديد في اليوم العالمي لحقوق الطفل، الذي تبنت فيه الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل وعرضتها للتوقيع والانضمام كيوم عالمي لحقوق الطفل، يحتفى به العالم بأطفاله.
وصدقت إسرائيل على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، عام 1991، وأعربت لجنة حقوق الطفل التي تراقب تنفيذ الاتفاقية، خلال مراجعتها الأولية للتقارير الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، عن قلقها الشديد إزاء "الشكاوى من الممارسات اللاإنسانية أو المهينة والتعذيب وسوء معاملة الأطفال الفلسطينيين" أثناء الاعتقال والاستجواب والاحتجاز.
400 معتقل
وتعتقل قوات الاحتلال نحو 400 طفل وقاصر فلسطيني، تتراوح أعمارهم بين (11-17) عامًا، بينهم أطفال وقاصرين أُصدرت بحقهم أحكام وآخرين ما زالوا موقفين، بحسب بيان لنادي الأسير.
ويؤكد عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطيني، أن 95% من الأطفال الأسرى انتزعت منهم اعترافات بالقوة وتحت التهديد والضغط النفسي والجسدي، وأجبروا على الاعتراف في معتقلات الاحتلال.
وقال قراقع: إن حكومة الاحتلال تنتهك اتفاقيات جنيف والاتفاقية العالمية لحقوق الأطفال، في تعريضها الأطفال الأسرى لانتهاكات تعسفية، واستخدام التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم، وفرض أحكام جائرة عليهم في محاكمها العسكرية.
ويحذر المسؤول الفلسطيني من أن ما يجري للأطفال الذين تعرض غالبيتهم للضرب خلال الاعتقال، يترك آثارًا صحية ونفسية خطيرة على مستقبلهم وحياتهم.
لا تقتصر الانتهاكات الإسرائيلية ضد الأطفال على الاعتقال فقط، بل تتعدى ذلك إلى القتل، والقتل العمد وفق التقارير الرسمية والحقوقية، علاوةً على مختلف أشكال العنف التي يمارسها الاحتلال والمستوطنين ضد الأطفال.
القتل العمد
وتوثق وزارة الصحة الفلسطينية قتل قوات الاحتلال (18) طفلًا، منذ اندلاع انتفاضة القدس بداية شهر أكتوبر الماضي، بينما كانت حصيلة الجرحى (10395).
واعتبر مدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين خالد قزمار، أن استمرار الصمت الدولي على انتهاكات الاحتلال لحقوق الطفل الفلسطيني مؤشر واضح على وجود ضوء أخضر للاحتلال للاستمرار بهذه الجرائم والانتهاكات، وهو ما يجعل المجتمع الدولي شريكًا بهذه الجرائم.
وأشار قزمار، إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يتحمَّل جزءًا من المسؤولية عن الانتهاكات ضد الأطفال؛ لإعطائه موافقة ضمنية لجيش الاحتلال للاستمرار في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال الفلسطينيين، لعدم إدراجه جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل عدة أشهر، في لائحة "العار" التي تضم المجموعات التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال.
ووفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 1612 الصادر عام 2005، يقدم الأمين العام للأمم المتحدة بشكل سنوي تقريرًا يتعلق بوضع الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة إلى مجلس الأمن، يتم فيه إدراج القوات والمجموعات المسلحة التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال في لائحة خاصة تُسمى "لائحة العار".
وأشار التقرير السنوي الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بالأطفال والنزاعات المسلحة، إلى أن (557) طفلًا فلسطينيًّا قتلوا عام 2014، وهو ثالث أعلى رقم بعد أفغانستان (710)، والعراق (679).
وأكد قزمار لـ"بوابة العين" أن استهداف الاحتلال للأطفال الفلسطينيين هو "سياسة ممنهجة"، طالت منظومة حقوق الطفل بالكامل، خلال الأعوام الماضية.
وشدد على أن هذه السياسة رافقها إمعان في تكريس "ثقافة الإفلات من العقاب وعدم المساءلة" ما ينعكس بشكل خطير على واقع حقوق الطفل الفلسطيني اليوم.