المصالحة مع رموز مبارك: مكسب اقتصادي وجدل قانوني وترقب سياسي
المصالحة الاقتصادية مع رموز نظام مبارك خرجت من مرحلة الحديث على استحياء ودخلت مرحلة الإجهار بالقول والفعل مع بدء إعلان أرقام المبالغ
المصالحة الاقتصادية مع رموز نظام مبارك خرجت من مرحلة الحديث على استحياء ودخلت مرحلة الإجهار بالقول والفعل مع بدء إعلان أرقام المبالغ التي يجري التفاوض بشأنها.
وأعلنت السلطات المصرية عن بدء إجراءات التصالح واسترداد الأموال من 35 شخصية من رموز نظام مبارك، يفتح الطريق أمام التصالح السياسي مع أركان النظام الذي أطاحت به "ثورة 25 يناير".
ورغم إقرار العديد من المراقبين بأن المصالحة الاقتصادية مع رموز نظام مبارك بات لا مفر منها، إلا أن باب الجدل القانوني بشأنها ما زال مفتوحا، فالبعض يراها خطوة تأتي في إطار ميزان العدالة الاجتماعية ودفع قاطرة الاقتصاد، فيما يراها آخرون تفتح الباب للفساد.
وأعلن وزير العدل، المستشار حسام عبدالرحيم، أن جهاز الكسب غير المشروع يتفاوض حاليًا في 35 قضية للتصالح مع عدد من رجال الأعمال من رموز مبارك، والانتهاء من 3 قضايا للتصالح، وسداد أصحابها المبالغ للكسب غير المشروع، على الرغم من تجميد ذلك التصالح على مدى الأعوام الماضية التي تلت ثورتي" 25 يناير" و"30 يونيو"، بعد حالة من الجدل حول اتجاه الحكومة للتصالح مع رموز نظام مبارك.
مصالحة مع 35 من رموز مبارك
جهاز الكسب غير المشروع، أعلن خلال الفترة الماضية عن البدء في إنهاء إجراءات التصالح مع رموز نظام مبارك، لتقديمهم إقرارات التصالح، وفقًا للتعديلات على مشروع قانون أحكام القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع والصادر في نوفمبر 2014.
وشملت القائمة 35 شخصية كان أبرزها منير ثابت شقيق سوزان مبارك، وصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى الأسبق، ورشيد محمد رشيد، وزير التجارة الأسبق، ويوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق، وعدد من رموز نظام مبارك.
وجاء تفاصيل الإعلان عن التصالح مع رجل الاعمال الهارب حسين سالم كنقطة البداية التي بدأت معها الحكومة التصالح مع عدد من رجال مبارك خلال الفترة القلية القادمة.
مصالحة حسين سالم بـ 5 مليارات جنيه
في البداية قال الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق ومحامي رجل الأعمال الهارب حسين سالم لبوابة "العين" الإخبارية، إن الحكومة وافقت على التصالح مع حسين سالم مقابل دفع ما يزيد عن 5 مليارات جنيه تشمل أموالا وعقارات وشركات مملوكة له بما يعادل أكثر من ثلاثة أرباع ثروته.
وعلى الرغم من أن حسين سالم كان يواجه الكثير من التهم التي تتضمن الاستيلاء على المال العام وإفساد الحياة الاقتصادية بالبلاد، وتصدير الغاز لإسرائيل، فقد أعلن محاميه انتهاء جهاز الكسب غير المشروع برئاسة المستشار عادل السعيد، من إجراءات التصالح مع موكله، وذلك بالتنازل عن ٧٨٪ من قيمة ثروته السائلة والعقارية والمنقولة، والتي تقدر بـ٥ مليارات و٦٠٠ مليون جنيه، مشيرًا إلى أنه يستطيع العودة إلى مصر في أي وقت ولا توجد إجراءات قانونية تلاحقه لكنه لا يرغب في الوقت الحالي بسبب ظروفه الصحية الحرجة.
وأوضح كبيش في لـ"العين"، أن "تصالح موكله مع الحكومة لا يعني إقراره بالتهم التي كانت موجهه ضده لكنها حبًّا في مصر ومن أجل دعم الاقتصاد المصري الذي شهد أزمات عدة خلال الفترة الماضية".
وحسب محامي حسين سالم، فإن الممتلكات التي تنازل عنها للدولة تتمثل في أسهم ٤ شركات كان يمتلكها داخل مصر وهي شركة مياه الشرب والصرف الصحى بجنوب سيناء، وشركة نعمة للجولف والاستثمار السياحى، وفيكتوريا المتحدة للفنادق، والتمساح للمشروعات السياحية.
كما تشمل تلك الممتلكات ١٨٥ مليون جنيه مصري، وطائرته المتحفظ عليها داخل مصر، منذ هروبه في أعقاب ثورة 25 يناير ٢٠١١، إضافة إلى فلتين اثنتين ملكا لحسين سالم.
زكريا عزمي ينتظر الإجراءات
الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان من الشخصيات المتوقع أن يشملها إجراءات التصالح مع رموز نظام مبارك، حسب ما أعلنه المستشار جميل سعيد، محامي زكريا عزمي.
وكانت تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع قد كشفت عن تربح عزمي 42 مليونا و598 ألف جنيه من استغلال نفوذه كرئيس لديوان رئيس الجمهورية وعضوية مجلس الشعب، علاوة على تقلده مناصب قيادية داخل الحزب الوطني المنحل.
وأكد محامي زكريا عزمي في تصريحات صحفية، أن قيمة التصالح تتضمن مبلغا قدره مليونا و819 ألف جنيه، وهي مصروفات غير معلومة المصدر التي قررها خبراء الكسب غير المشروع، فضلًا عن سداد مثل المبلغ كغرامة وفقًا لقانون الكسب غير المشروع، في مقابل انقضاء الدعوى الجنائية والاتهام بالحصول على كسب غير مشروع، ليصبح إجمالي المبلغ 3 ملايين و638 ألف جنيه.
وأشار محامي عزمي إلى أن موكله في انتظار عرض طلب التصالح على المستشار عادل السعيد رئيس جهاز الكسب غير المشروع وموافقته عليه لبدء إجراءات التصالح مع الدولة.
تضارب بشأن بطرس غالي
وفي أعقاب التصالح مع رجل الأعمال حسين سالم، أعلنت مصادر قضائية عن تقدم الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق، بطلب إلى جهاز الكسب غير المشروع، يطلب فيه التصالح مع الدولة وتسوية أوضاعه فى قضايا استغلال النفوذ والحصول على كسب بطريق غير مشروع، مقابل دفع مبلغ 4 ملايين و600 ألف جنيه قيمة ما حصل عليه.
وفي تضارب جديد للتصريحات نفى محامي يوسف بطرس غالي، عبد الرءوف المهدي التقدم بطلب لجهاز الكسب غير المشروع لتصالح موكله مع الدولة في قضايا الفساد والتربح.
وأكد "المهدي" في بيان صحفي، أن موكله الدكتور يوسف بطرس غالي لم يطلب منه حتى الآن التقدم بطلب للتصالح مع جهاز الكسب غير المشرع.
وبالنظر إلى قضية الدكتور يوسف بطرس غالي فقد صدر ضده حكم غيابي بالسجن 30 عامًا في قضايا تتعلق بالفساد المالي، وإلزامه برد 35 مليون جنيه وغرامة مماثلة في واقعتي اتهامه بتخصيص 6 سيارات فارهة لنفسه من أصل 102 سيارة متحفظ عليها بمصلحة الجمارك، وقيامه بتوزيع الباقي على أصدقائه من الوزراء، مما أضر بالمال العام في مبالغ قدرت بأكثر من 35 مليون جنيه، وقيامه بنقل أجهزة الحاسب الآلي والطابعات والعاملين عليها بوزارة المالية من الوزارة إلى مقره الانتخابي بمنطقة شبرا.
"ضريبة باسم المصالحة"
وفي أعقاب إعلان التصالح مع عدد من رموز مبارك، قال الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام رئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن قانون العقوبات المصري أقر بالتصالح في إطار قانوني لاستعادة الأموال التي نهبت خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وتابع: "يمكن تفسير تلك التوجهات بأنها جاءت من منطلق إعادة التوازن الذي أصابه الخلل في ميزان المدفوعات ومحاولة مواجهة الظروف الاقتصادية السيئة".
وأوضح مهران في تصريحات لـ"العين"، أن "للمتصالح مطلق الحرية في ممارسة أعماله ومصالحة المالية والتحرك في الشارع دون توجيه أي سؤال له، لكونه قام بسداد المبالغ المطلوبة للدولة، وكأنه قام بدفع ضريبة كانت عليه، وهو ما يأتي تحت اسم المصالحة".
واعتبر رئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن رجل الأعمال حسين سالم قد تربح من خلال علاقاته ومنصبه خلال فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك أضعاف المبلغ المتصالح عليه خلال الفترة الحالية، مرجحًا أن تأخر التصالح خلال الأربعة سنوات الماضية على الرغم من أنه كان فكرة مطروحة يرجع إلى رفض الرأي العام لذلك بشدة، وهو ما حمل رجال الأعمال الراغبين بالتصالح في تأجيل إجراءات عقدها خوفا من فشلها.
وأشار مهران إلى أن التصالح مع رجال مبارك من شأنه تشجيع رجال أعمال داخل الدولة أو شخصيات عامة قد تلجأ للفساد واختلاس الأموال، ثم تعود للتصالح مع الدولة من جديد ويتم إعفاؤهم من المسئولية، في حين أنه يتم سجن من لا يملك وهو ما يكرس لمبدأ الاختلال في ميزان العدالة الاجتماعية.
"لا فرار من المحاسبة"
في المقابل يقول المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن "المبالغ التي سيتم تحصيلها من رموز مبارك تم كسبها بطرق غير شرعية ويجب المحاسبة والمحاكمة لمن ارتكب هذا الجرم بحق الدولة".
ويرى الجمل في تصريحات لـ"العين"، أنه "لا يجوز التصالح مع من نهب أموال الشعب، فضلا عن إقرار الشريعة الإسلامية مبدأ عقاب السارق.
وأوضح أنه لا يجوز التصالح مع الدولة في القضايا الجنائية، وحدوث ذلك يمثل فوضى ويفتح أبواب الفساد في المجتمع"، مؤكدًا أنه "يجب إحالة الأمر إلى القضاء، لإقرار البراءة أو الإدانة".
وعن مصير أموال رجال أعمال مبارك بعد التصالح، قال رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن أموال التصالح تدخل إلى خزانة الدولة عن طريق وزارة المالية ليتم استخدامها فى سد عجز ميزان المدفوعات أو الموازنة العامة.
وشدد على أن هذه الأموال، باعتبارها مالًا عامًّا، تخضع لرقابة وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات.
aXA6IDMuMTQ3LjY4LjIwMSA= جزيرة ام اند امز