الملك سلمان زار قصر عابدين التاريخي مساء اليوم السبت خلال ثالث أيام زيارته لمصر
زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مساء اليوم السبت قصر عابدين الرئاسي بوسط القاهرة، في ثالث أيام زيارته التاريخية الحالية للقاهرة.
ويأتي حرص السلطات المصرية على إدراج قصر عابدين ضمن جدول زيارة خادم الحرمين للقاهرة ليعكس أهمية ذلك القصر الذي زاره أغلب ملوك السعودية، بدءا من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود الذي زاره عام 1946 ثم عام 1953، وكان برفقته في كلا الزيارتين وفد ضم عددا من أبنائه، الذين تولى بعضهم الحكم فيما بعد.
وطوال الطريق من مقر إقامة الملك سلمان بأحد فنادق القاهرة المطلة على نهر النيل حتى مدخل القصر، ازدان الطريق بالأعلام المصرية والسعودية ولافتات الترحيب بضيف مصر الكبير.
ويقع القصر التاريخي وسط مساكن حي عابدين المصري الشهير؛ حيث يعد من أهم وأشهر القصور التي شيدتها أسرة محمد علي التي حكمت مصر خلال الفترة بين عامي 1805 حتى ثورة يوليو 1952، وتحول جزء كبير منه الآن إلى متحف أثري يستقبل زائريه بعد أن كان مقرا للحكم في مصر.
ويعتبر قصر عابدين هو البداية الحقيقية لظهور القاهرة الحديثة في القرن الـ19، إذ أمر الخديوي إسماعيل ببنائه فور توليه حكم مصر عام 1863، محل قصر صغير كان مملوكا لضابط كبير في الجيش «عابدين بك» اشتراه الخديوي إسماعيل من أرملته وهدمه ليشيد على أنقاضه ومجموعة من البرك قرر ردمها وضم إليها العديد من الأراضي المحيطة، هذا القصر المنيف على مساحة 9 أفدنة وليصبح مقرا لحكم مصر عقب انتقال الخديوي إسماعيل للإقامة فيه بعد الانتهاء من تشييده عام 1872.
وللقصر عدة مداخل بخلاف المدخل الرئيسي الذي يطل حاليا على ميدان عابدين؛ أهمها مدخل «باب باريس» المطل على شارع مسجد الفتح، وقد أطلق عليه هذا الاسم لأن الباب الخشبي الموجود بالمدخل صنع ونفذ في باريس بكل ما عليه من زخارف ونقوش.
وكان الخديوي إسماعيل يأمل في الانتهاء من إنشاء هذا القصر عام 1869 قبل افتتاح قناة السويس ليستقبل فيه ضيوفه من ملوك وأمراء دول العالم، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب مساحة القصر الكبيرة والاهتمام بتفاصيل بنائه الدقيقة التي كلفت خزانة الدولة وقتها مبلغ 665 ألفا و570 جنيها، وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الزمان، وأبقى الخديوي إسماعيل على اسم القصر "قصر عابدين" على الرغم من أنه بات مقر الحكم، وأدى ذلك إلى إطلاق الاسم ذاته على الحي بأكمله.
وعلى الرغم من أنه بعد ثورة يوليو قررت الحكومة المصرية تغيير اسمه إلى قصر الجمهورية، إلا أن الاسم القديم تغلب على الأمر وبقي إلى يومنا هذا.
وكان بناء هذا القصر بداية إنشاء ما يعرف بالقاهرة الباريسية أو الخديوية، إذ أمر الخديوي إسماعيل بشق العديد من الشوارع حول القصر مثل شارع السلطان العثماني عبدالعزيز إلى يمين المدخل الرئيسي للقصر، ويصل الشارع إلى ميداني العتبة ورمسيس وهو الشارع الذي تحول الآن إلى أكبر سوق لتجارة الهواتف الجوالة والأجهزة الكهربائية في القاهرة، إضافة إلى شارع الإسماعيلية المؤدي إلى الميدان الذي يحمل الاسم ذاته، وتحول اسمه حاليا إلى شارع وميدان التحرير، أكبر ميادين القاهرة حاليا.
وكان يجاور قصر عابدين بك مسجد صغير يعرف باسم مسجد الفتح قرر الخديوي إسماعيل ضمه إلى القصر وتجديده، وجعل له مدخلا من حديقة القصر، وآخر من الشارع المجاور لسور القصر، كما قام ملك مصر الأسبق أحمد فؤاد الأول عند توليه الحكم بتجديد هذا المسجد وعهد به لوزارة الأوقاف لإدارته، وقد أضافت لمساحة المسجد ضعفها لتبلغ 1246 مترا بعد أن كانت 640 مترا، وقد أدى الملك فؤاد الصلاة فيه بعد تجديده يوم الجمعة 26 مارس/آذار 1920.
وبعد قيام ثورة يوليو/تموز 1952 فتحت الدولة القصر أمام الشعب، وهدمت أسواره فتعرض القصر وحدائقه للعديد من الانتهاكات، كما احتلت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي جزءا من القصر، ووزارة الإرشاد القومي (الإعلام) جزءا آخر.
وظل الأمر هكذا طوال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وخلفه أنور السادات الذي استعمل جزءا من القصر لمباشرة مهامه، إلى أن تولى الرئيس حسني مبارك وأمر بإخلاء القصر من هذه الإدارات وتحويل جزء منه الى متحف.
يضم المتحف الذي افتتح عام 1998، المتحف الحربي وقاعة الأسلحة النارية وساحة النافورة ومتحف الأوسمة والنياشيين وقاعة الفضيات وضريح "سيدى بدران"، وهو أحد أولياء الله الصالحين الذي كان موجودا بجوار قصر عابدين بك، وأمر الخديوي إسماعيل بضمه للقصر.
ويرتبط القصر في أذهان المصريين بعدد من الأحداث التاريخية لعل من أهمها المشاهد الأولى "للثورة العرابية" عندما زحفت قوات من الجيش المصري بقيادة الزعيم أحمد عرابي إلى القصر لمطالبة الخديوي إسماعيل بالاستجابة للجيش والأمة.
كما شهد الميدان المواجه للقصر بدايات ثورة 1919 عندما ملأت الجماهير ميدان عابدين مطالبة الملك أحمد فؤاد الأول بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه وعودتهم من المنفى.
وفي فبراير/شباط عام 1942 شهد القصر واحدا من أهم الأحداث المؤثرة في حياة الملك فاروق من خلال زحف القوات الإنجليزية بالدبابات ومحاصرتها لقصر عابدين لإجبار الملك فاروق على تولية مصطفى النحاس باشا الوزارة.
المشهد نفسه تكرر بعدها بعشر سنوات حين حاصرت القصر مرة أخرى الدبابات المصرية بقيادة الجيش عند اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، وخلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011 فرضت قوات الجيش طوقا منيا مشددا على القصر خشية تعرضه لأعمال شغب أو سرقة لمحتوياته التاريخية.
زوار القصر كانوا أغلب رؤساء وملوك العالم على مر السنوات، من أبرزهم بخلاف الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ونائبه آل جور، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
aXA6IDMuMTQyLjE1Ni41OCA= جزيرة ام اند امز