الانتخابات الرئاسية والتجاذبات السياسية في الجزائر
في إطار التجاذبات، وحالة الانقسام التي تشهدها الجزائر، يتواصل الحراك الشعبي الرافض للشخصيات التي أبدت نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية.
حالة من الترقب تعيشها الجزائر، منذ أن أعلن الرئيس المؤقت للبلاد، عبدالقادر بن صالح، في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل؛ وهي الحالة التي تأتي كمناخ عام لما تُعاني منه الجزائر في المرحلة الراهنة، من تجاذبات سياسية احتدمت بين داعمي خيار إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، وبين معارضيه، وهو وضع مُرشح للاستمرار إلى يوم الانتخابات.
فمنذ تحديد موعد الانتخابات، وبدء العد التنازلي للاقتراع الرئاسي، دخلت البلاد في جدال، أدى إلى انقسامات وصراعات سياسية، بين من يرون أن تنصيب رئيس للجزائر عبر صناديق الاقتراع، هو المخرج الدستوري والقانوني للأزمة؛ وبين من يرونه حلاً متسرعاً قد يساهم في تعميق الأزمة، في ظل عدم توافر الظروف الملائمة لإجرائه.
الملاحظة الأهم في سياق هذا الجدال المحتدم في البلاد، هي تواصل الحراك الشعبي، على مدى 33 أسبوعاً مضت، منذ أن بدأ في 22 فبراير/شباط الماضي؛ هذا الحراك الذي يتبنى عدداً من المطالب تكاد تكون ثابتة، وهي ضرورة القطيعة مع العهد السابق وممارساته، مع التأكيد على ضرورة رحيل كافة رموزه.
انقسامات سياسية حادة
منذ استقالة الرئيس السابق، عبدالعزيز بوتفليقة، في 2 أبريل/ نيسان الماضي، تحت ضغط الحراك الشعبي الذي انطلق رفضاً لترشحه لـ"عهدة" خامسة؛ وبعد فشل انتخاب خليفة لبوتفليقة في اقتراع 4 يوليو/تموز الماضي، بسبب عزوف الشارع والسياسيين عنه؛ دخلت الساحة السياسية الجزائرية في أزمة تزايدت حدتها بعد الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية المُقبلة، والموقف منها.
تبدى بوضوح أن تيارين يتقاسمان حالة التجاذبات السياسية؛ أولهما، التيار الذي تمثله المؤسسة العسكرية والشخصيات المحافظة وجانب من الحراك الشعبي، ويعد الأكبر في البلاد، ويعتبر أن الانتخابات الرئاسية هي الحل الأسلم للخروج من الأزمة؛ حيث يُلخص حل الأزمة في كلمتين "الانتخابات واحترام الدستور".
في مقابل ذلك، هناك التيار الذي تقوده أحزاب ومنظمات أغلبها علمانية ويسارية، تنضوي تحت ما يُسمى تحالف "قوى البديل الديمقراطي"، وينتقد خيار تنظيم الانتخابات بدعوى أنها سوف تساهم في إعادة إنتاج النظام السابق، ويتداخل مع هذا التيار، الجزء الأكبر من الحراك الشعبي الذي تتصادم مواقفه مع مواقف المؤسسة العسكرية، ومن إصراره على استبعاد كافة رموز النظام.
وفيما بين هؤلاء وأولئك، تدعو بعض الأطراف إلى حل وسط لتجاوز الاحتقان السياسي الحاصل في البلاد، مثل رحيل حكومة نور الدين بدوي، وإطلاق سراح نشطاء تم اعتقالهم خلال الحراك الشعبي، كأسلوب لتهيئة الأجواء للانتخابات.
والملاحظ أن حالة الاحتقان هذه، تأتي رغم أن الجزائر قد غيرت نظامها الانتخابي بالكامل؛ إذ نزعت كافة صلاحيات تنظيم الانتخابات من الإدارات العمومية، أي وزارات الداخلية والعدل والخارجية، ومنحتها للسلطة المستقلة للانتخابات، البالغ عدد أعضائها 50 عضواً، والتي كان نواب المجلس الشعبي الوطني الجزائري قد أقروا قانونها، في جلسة علنية.
مرشحو السباق الرئاسي
في غضون ذلك، أعلن عدد من الشخصيات السياسية عن نيتها في الترشح للانتخابات الرئاسية، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية؛ إلا أن عددا ليس بالقليل منهم، حسب رأي الكثيرين ممن ينضوون في إطار الحراك الشعبي، يُعتبرون من رموز النظام السابق، ما أثار لدى شباب الحراك مخاوف من إمكانية صعود هذه الرموز إلى السلطة عبر الانتخابات.
وبينما تتواصل عملية سحب استمارات الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، أعلن عدة شخصيات عن رغبتها في خوض هذا الاستحقاق الانتخابي؛ الذي يتطلب الحصول على توقيع 50 ألف شخص من محافظات مختلفة.
ضمن هذه الشخصيات، عبدالمجيد تبون، رئيس الحكومة السابق؛ فضلاً عن علي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، ورئيس الحكومة الأسبق؛ وعبدالعزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل؛ وكذلك عبدالقادر بن قرينة وزير السياحة الأسبق، الذي كان ضمن قيادات حركة مجتمع السلم قبل أن ينشق عنها، ويُشكل حركة البناء الوطني.
هذا، بالإضافة إلى عز الدين ميهوبي، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وهو الحزب الذي كان ثاني قوة سياسية في الائتلاف الحاكم أثناء فترة رئاسة عبدالعزيز بوتفليقة للبلاد، والملاحظ أن ميهوبي الذي شغل منصب وزير الثقافة في الحكومة التي شكلها بوتفليقة بين عامي 2017 – 2019، ينضم إلى كل من رئيسي الحكومة السابقين، علي بن فليس وعبد المجيد تبون، في قائمة "الأسماء ذات الثقل" في الانتخابات الرئاسية المُقبلة.
أما عن تيار الإخوان، الذي عجز حتى اللحظة عن طرح مرشح توافقي للسباق الرئاسي، فيبدو أن ثمة خلافات بين هذا التيار حالت دون تكتله في جبهة واحدة؛ وذلك بالرغم من توقيع عدد منها وثيقة اندماج.
فقد حاولت هذه الحركات والأحزاب الإخوانية، قبل انتخابات مايو/ أيار 2017، الدخول في تكتلات وتحالفات فيما بينها، ودخول الانتخابات بقوائم مشتركة، في محاولة منها لتغيير الخريطة الانتخابية، إذ أعلنت حركة مجتمع السلم، وجبهة التغيير، الاندماج في حزب واحد؛ أيضاً وقعت كل من حركة النهضة، وجبهة العدالة والتنمية، وحركة البناء الوطني، على وثيقة التحالف الاستراتيجي "الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء"، ورغم ذلك لم تحقق هذه التكتلات الأهداف المرجوة منها، بل جاءت النتائج على عكس التوقعات.
وبعد أكثر من عامين ونصف العام، يبدو بوضوح أن التشتت في الأصوات هو ما يطغى على هذه الحركات الإخوانية؛ لاسيما أنها فقدت نسبة كبرى من قاعدتها الشعبية، بسبب دعمها النظام السابق، ومشاركته في الحكم، بحسب رأي الكثيرين، ولعل الخوف من انتكاسة جديدة، بخصوص الانتخابات الرئاسية المُقبلة، هو ما دفع بعضها إلى عدم تقديم مرشح لهذه الانتخابات؛ منها، حركة مجتمع السلم "حمس"، المقربة من حركة الإخوان، والتي كانت قد شاركت في السلطة على مدى عشر سنوات، في إطار التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة، قبل أن تنسحب في عام 2012.
دوافع الحراك الشعبي
في إطار هذه التجاذبات السياسية، وحالة الانقسام التي تشهدها الجزائر، يتواصل الحراك الشعبي الرافض للشخصيات التي أبدت نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية، خصوصاً تلك التي تعتبر من رموز النظام السابق. ولعل واقع هذا الحراك، وإن كان يعبر عن مطالبة هذه الرموز بالرحيل؛ إلا أنه في الوقت نفسه يأتي نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة في البلاد، التي تزايدت بشكل سريع خلال الأشهر الأخيرة. ويكفي أن نشير، في هذا المجال، إلى أن نسبة البطالة تقدر بين الشباب المتعلم بما يقارب 12 %، في الوقت الحالي هذا فضلًا عن أن نسبة تقارب 10% من الشعب الجزائري، تبعًا لتقديرات البنك الدولي، تعاني من الفقر بسبب ارتفاع معدل التضخم، الذي بلغ 5.5 بالمائة مع بدايات العام الماضي 2018.
فإذا أضفنا إلى ذلك، تقلب أسعار النفط العالمية، لنا أن نلاحظ مدى تأثير ذلك على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة أصلًا في البلاد؛ لنا أن نلاحظ أيضًا كيف تراجع الاحتياطي النقدي الجزائري، من 170 بليون دولار في نهاية عقد الثمانينيات، إلى حوالي 70 بليونًا في نهاية العام الماضي.. وهذه كلها أمور تُخل بتدفقات الإيرادات الحكومية، وتُهدد المشروعات الممولة من القطاع العام، مثل تطوير البنية التحتية وتوفير الرعاية الصحية؛ ناهيك عن تراجع إمكانية توفير فرص عمل للشباب.
ولعل هذا ما يوضح، لماذا كان الشباب هم المحرك الأساسي في الحراك الشعبي على الساحة الجزائرية؛ فمن أصل 42 مليونًا من الجزائريين، هم عدد السكان، يُمثل الشباب نسبة تقارب 50 %، ما بين العشرين والخامسة والعشرين،؛ وتزيد النسبة إلى الثلثين ما دون سن الثلاثين.
في هذا السياق، لنا أن نتصور الإشكاليات التي سوف يواجهها الرئيس الجديد، إذ إن من سيتولى الرئاسة سيواجه وضعًا اقتصاديًا صعبًا، مليئًا بالتحديات والتهديدات المستمرة الناشئة عن الشبكات الإرهابية في ليبيا ومالي؛ هذا فضلًا عن حالة الاستياء الاجتماعي بين الشباب الغاضب والعاطل عن العمل.
وهنا، تتبدى حقيقة مفترق الطرق الذي تقف في مواجهته الجزائر؛ إنها أسابيع حاسمة وامتحان تاريخي، ينتظرها الشعب والنظام، لا تتوقف نتائجها على مجرد إنجاز الاستحقاق الرئاسي؛ ولكن، وهذا هو الأهم، على الرئيس الجديد الذي سوف يختاره الجزائريون.. وهو بالقطع "اختيار صعب".