أسبوع الجزائر.. الجيش يتعهد بعدم "صناعة الرئيس"
تعهد الجيش بعدم تزكية أي مرشح في انتخابات الرئاسة، وفرار نائب برلماني، وإقرار أول موازنة بعد عهد بوتفليقة.. أبرز أحداث أسبوع الجزائر
انتهى أسبوع الجزائر بارتفاع قياسي في عدد المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة التي ستجرى في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، واختلفت نوعيتهم بين معارض سابق لنظامه ومعارض لأحد رموزه وداعم له.
- أسبوع الجزائر.. مصرع أطفال حرقا و"نهاية" رموز نظام بوتفليقة سجنا
- أسبوع الجزائر.. عودة لمسار الانتخابات وقلق من العنف و"الهجرة السرية"
وشكل فرار النائب البرلماني بهاء الدين طليبة حدثا استثنائيا خلال الأسبوع الماضي، أياما فقط بعد رفع حصانته البرلمانية، وسط استمرار الغموض وتضارب الأنباء حول مكان وجوده.
في مقابل ذلك، تستعد الحكومة الجزائرية لإقرار أول موازنة بعد رحيل بوتفليقة، تخفي بين مؤشراتها، بحسب الخبراء الاقتصاديين، تركة ثقيلة تركها النظام السابق من فساد مستشرٍ وتردد المستثمرين الأجانب، متوقعة تراجع مداخيل الدولة بنحو 7.7% في 2020.
مرشحون بدون دعم الجيش.. للمرة الأولى
خرج قائد أركان الجيش الجزائري، الأحد الماضي، ليضع حدا للجدل الحاصل في البلاد والشكوك التي راودت الرافضين إجراء الانتخابات الرئاسية.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال البلاد، أعلن مسؤول عسكري رفيع "نهاية عهد صناعة الرؤساء"، وتعهد قايد صالح بـ"عدم تزكية الجيش لأي مرشح في الانتخابات المقبلة".
واتهم رموز نظام بوتفليقة أو من أسماها بـ"أذناب العصابة" بالوقوف وراء "الترويج بأن الجيش يزكي مرشحا للرئاسيات، هدفها التشويش على الاستحقاق الرئاسي المقبل".
تصريح قائد الجيش الجزائري جاء بعد أيام فقط، من تأكيد وزارة الدفاع الجزائرية أن "عهد صناعة الرؤساء والإملاءات انتهى بدون رجعة"، وهو ما يعني أن الرئيس التاسع للجزائر لن يكون "صنيعة مخابر السلطة".
وجاء موقف الجيش الجزائري بعد إعلان شخصيات محسوبة على نظام بوتفليقة نيتها الترشح لانتخابات الرئاسة خاصة علي بن فليس الذي كان مدير أول حملة انتخابية في عهد بوتفليقة سنة 1999.
واستذكر الجزائريون السيناريو الذي تلى حدوث الطلاق السياسي بين بن فليس وبوتفليقة، إذ دعمه قائد أركان الجيش السابق الفريق محمد عماري عندما بات خصما لبوتفليقة في انتخابات 2004، ثم مدعوما من قبل رئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين في رئاسيات 2014.
أزمة ثقة
بالإضافة إلى عبدالمجيد تبون رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق الذي تردد اسمه قبيل انتخابات 4 يوليو/تموز الملغاة، وتحدث حينها معارضون على أنه "سيكون مرشح الجيش".
بروز بن فليس وتبون في ساحة الانتخابات وفي وقت واحد، غذى بحسب معارضين فرضية "تعدد مرشحي السلطة للتمويه"، غير أن تصريح قائد أركان الجيش الجزائري "أخلط أوراق الرجلين قبل المشككين في مخرجات انتخابات 12 ديسمبر المقبل".
وذكر محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية" أن الجيش الجزائري "لا يمكنه المجازفة بتزكية أسماء محسوبة على نظام بوتفليقة أو تريد الانتقام منه"، خاصة أنه اعترف بوجود أزمة أكبر من الحالية وهي "أزمة ثقة بين الشعب والسياسيين".
ولم يستبعد محللون تكرار سيناريو تونس في انتخابات الجزائر، مع ارتفاع عدد المرشحين المحتملين إلى 108 مرشحين محتملين، بينهم أسماء يتم تداولها عبر مواقع التواصل على أن "سجلها خالٍ من الفساد أو دعم لنظام بوتفليقة، ومرصع بشهادات عليا بإمكانها إخراج الجزائر من عنق الزجاجة" وفق ما جاء في منشوراتهم.
وبين كل ذلك، أكد الأسبوع المنتهي مرة أخرى أن مصير انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل لن يكون كسابقتيها الملغاة (18 أبريل/نيسان و4 يوليو/تموز)، خاصة بعد إعلان الجيش وضع مخطط أمني لتأمين الانتخابات، وتسليم الحكومة صلاحياتها السابقة كافة في تنظيم الانتخابات إلى السلطة المستقلة للانتخابات.
حالة استنفار بعد فرار نائب برلماني
وشهد أسبوع الجزائر المنصرم حادثة غير متوقعة أسالت الكثير من الحبر، بعد تردد أنباء عن هروب النائب البرلماني بهاء الدين طليبة أياما فقط قبل مثوله أمام القضاء للتحقيق معه في قضايا فساد، وبعد نحو أسبوع من رفع حصانته البرلمانية.
ورغم تأكد خبر فراره، فإن وجهة النائب "طليبة" بقيت مجهولة، وتضاربت الأنباء بين بقائه في الجزائر وأخرى تحدثت عن تمكنه من دخول الأراضي التونسية.
ويعد كثير من المتابعين أن النائب البرلماني الهارب بمثابة "العلبة السوداء" لقضايا فساد متشعبة مع شخصيات نافذة وسابقة في حكم بوتفليقة، ويرون أن "سقوطه في سجن العدالة" سيجر أسماء كبيرة، بعضها كان ينوي الترشح لانتخابات الرئاسة، وسيشكل توقيفه "غنيمة كبيرة للعدالة الجزائرية للاختراق دولة الفساد العميقة التي تشكلت في العقود الثلاثة الأخيرة"، خاصة بعد تأكد صلاته بشخصيات من "الدولة العميقة" مقيمة بين باريس ولندن.
وذكرت مصادر أمنية جزائرية لـ"العين الإخبارية" أن الأمن الجزائري داهم ممتلكات النائب بهاء طليبة في محافظتي عنابة ووادي سوف، دون أن يجد له أي أثر.
كما أقام حواجز أمنية على مداخل ومخارج المحافظة، وعلى المعابر الحدودية البرية مع تونس الممتدة من محافظة وادي سوف (جنوب شرق) إلى محافظة الطّارف (شرق).
ومن بين شبهات الفساد التي تلاحق النائب "طليبة" الممثل لمحافظة عنابة (شرق) "إبرام صفقات مشبوهة، والابتزاز، والتمويل الخفي لحملة بوتفليقة الانتخابية وتمويل حزب سياسي بطرق غير قانونية"، في إشارة إلى فرض شخصيات على قوائم المرشحين في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الانتخابات البرلمانية والمحلية التي جرت في 2017 برفقة نجل أمينه العام السابق جمال ولد عباس المتواجدين في سجن الحراش بتهم فساد.
موازنة على أنقاض سياسات بوتفليقة
صادقت الحكومة الجزائرية على مشروع تمهيدي لقانون المالية لعام 2020 (الموازنة العامة) في انتظار مناقشتها والمصادقة عليها خلال الأسبوع المقبل، من قبل غرفتي البرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة).
وأقرت أول موازنة عامة بعد انهيار نظام بوتفليقة خفضا في الإنفاق العام وصل إلى 9.2% مع توقعات بتراجع مداخيلها إلى 7.7% وعجز بـ7.2% من الناتج الداخلي الخام.
وأشار خبراء اقتصاديون لـ"العين الإخبارية" إلى أن مشروع الموازنة العامة في صيغته الحالية يؤكد أن "الوضع الاقتصادي للجزائر يتجه نحو المزيد من التأزم، وأنه سيعاني من جملة تراكمات سياسات اقتصادية خطرة"، أبرزها التمويل غير التقليدي الذي أقرته حكومة أحمد أويحيى في أكتوبر/تشرين الأول 2017 والإبقاء على هيمنة قطاع المحروقات على مداخيل البلاد رغم الوفرة المالية التي حققتها الجزائر قبل 2014.
ورجح الخبراء أن تكون 2020 سنة صعبة على الجزائريين، واختبارا كبيرا للرئيس القادم الذي سيجد نفسه أمام تركة ثقيلة من الفساد المستشري، وإعادة جاذبية السوق المحلية أمام المستثمرين الأجانب.
كما أشار بعض منهم إلى أن إقرار الحكومة الجزائرية موازنة تقشفية، يعني فشلها في استعادة الأموال المنهوبة من رموز نظام بوتفليقة القابعين في السجون من رجال أعمال ورؤساء حكومات ووزراء سابقين.
متوقعين في السياق ذاته، نقل الملف إلى طاولة الرئيس المقبل الذي سيجد نفسه أمام رهان استعادة الأموال المنهوبة "المتناثرة بين دول عدة"، على حد وصف الخبراء الاقتصاديين.
ولم يستبعد الخبراء أن تلجأ إدارة الرئيس الجزائري القادم إلى إحداث تغييرات على موازنة 2020 رغم إقرارهم بأنها "ضبطت بالحد الأدنى نفقات الدولة"، وهو ما يؤكد بحسبهم أن أزمة الجزائر الاقتصادية الحقيقية "ليست في حجم مداخيلها، بل في المبالغ المرصودة للقطاعات في الموازنة العامة التي لا تخضع لمتطلبات كلا منها واقتصاد البلاد".