6 مسؤولين بعهد بوتفليقة فروا من العدالة
منذ الإطاحة بنظام بوتفليقة، تمكن مسؤولون نافذون في عهده من الفرار خارج البلاد، بينهم جنرالان وصديق طفولته.
منذ الإطاحة بحكم الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي، وإعلان السلطات الجزائرية "الحرب على الفساد"، تمكنت شخصيات بارزة ونافذة في عهده من الفرار خارج البلاد.
- بينهم رئيسا وزراء.. 16 نافذا كتبوا نهاية نظام بوتفليقة بالسجن
- سجن الحَرَّاش الجزائري.. جامع رموز بوتفليقة الأغنياء
شخصيات بات يصطلح على تسميتها في الجزائر بـ"الفارين من منجل العدالة"، كان آخرهم النائب البرلماني المثير للجدل بهاء الدين طليبة، الذي تضاربت الأنباء حول مكان وجوده، وإن تمكن فعلاً من مغادرة التراب الجزائري.
وسبق للأجهزة الأمنية الجزائرية أن تمكنت من إعادة شخصيات أخرى "في آخر لحظة" بعد محاولاتها الهروب عبر المعابر الحدودية أو المطارات مثل رجل الأعمال الجزئري علي حداد في مارس/آذار الماضي، وزوجة رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبدالمالك سلال، شهر أغسطس/آب الماضي؛ حيث تم توقيفهما في المعبر "أم الطبول" الحدودي مع تونس.
ويوجد بسجني الحراش المدني والبليدة العسكري أكثر من 30 شخصية بارزة في عهد بوتفليقة، بتهم فساد والتآمر على سلطتي الدولة والجيش.
أبرز هذه الشخصيات: شقيقه ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة، ورئيسا جهاز المخابرات السابقان محمد مدين وبشير طرطاق اللذان صدرت في حقهما أحكام بالسجن 15 سنة مع رئيسة حزب العمال لويزة حنون، بالإضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال و11 وزيراً سابقاً و10 رجال أعمال وعشرات الموظفين السامين في عدة وزارات.
"العين الإخبارية" تستعرض أبرز 6 شخصيات نافذة في عهد بوتفليقة تمكنت من الهروب خارج الجزائر من الملاحقات القضائية، بعد أن تأكدت بحسب المراقبين أن مصيرها سيكون واحداً في أشهر سجنين بالجزائر وهما "الحراش والبليدة".
خالد نزار وزير الدفاع الأسبق
في 16 أغسطس/آب الماضي، أصدرت الجزائر مذكرة توقيف دولية ضد وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار ونجله لطفي ورجل الأعمال ووكيل أعمالهما فريد بن حمدين الذي يوصف بـ"رجل الأعمال الغامض"، على خلفية تصريحات وتغريدات لخالد نزار، دعا فيها صراحة إلى "الانقلاب على قيادة الجيش".
وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، أدانت محكمة البليدة العسكرية وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار ونجله ووكيل أعمالهما بـ20 سنة سجناً غيابياً.
وغادر نزار الجزائر في يوليو/تموز الماضي متوجهاً إلى إسبانيا؛ حيث ذكرت وسائل إعلام فرنسية أنه "استغل رحلة العلاج إلى إسبانيا للفرار من ملاحقة قضائية في بلاده"، وتوقعت عدم عودته إلى الجزائر.
وجاء ذلك بعد أن مثُل "نزار" في 13 مايو/أيار الماضي أمام المحكمة العسكرية بمحافظة البليدة؛ حيث قدم شهادته عن التصريحات التي تحدث فيها عن ما دار بينه وبين السعيد بوتفليقة شقيق ومستشار الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
وذكر فيها أن "السعيد بوتفليقة كان يُحضر لقمع الحراك الشعبي وإعلان حالة الطوارئ وإدخال البلاد في نفق مجهول، وإنهاء مهام قائد أركان الجيش، وتهديده بالاستيلاء على ختم الرئاسة".
وتولى نزار البالغ من العمر 81 سنة منصب وزير الدفاع لمدة أربع سنوات من 1999 إلى 1994 وكان يوصف حينها بـ"جنرال الجزائر القوي"، وارتبط اسمه بما عرف بـ"العشرية السوداء"؛ حيث يتهمه خصومه بالوقوف وراء "مأساة التسعينيات" مع "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة والمصنفة "تنظيماً إرهابياً".
وذكرت شهادات مسؤولين جزائريين سابقين، أن "نزار" أجبر في يناير/كانون الثاني 1992 الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد على الاستقالة، الأمر الذي أدى – بحسبهم – إلى دخول البلاد في "حرب أهلية"، خاصة أن رحيل "بن جديد" كان "مطلباً ملحاً لقادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
كما كشف خالد نزار في مذكراته التي أصدرها العام الماضي، بأنه كان "واحداً من مهندسي إعادة بوتفليقة إلى السلطة" عشية انتخابات الرئاسة التي جرت في أبريل/نيسان 1999 تحت مسمى "مرشح الإجماع".
وبعد ملاحقة القضاء السويسري، وزير الدفاع الجزائري الأسبق، بتهمتي "التعذيب وارتكاب جرائم حرب" رفعها جزائريون مقيمون في سويسرا عام 2010، أمر بوتفليقة بتوكيل محامين لخالد نزار، في وقت ما زالت قضيته مفتوحة أمام المحكمة الفيدرالية السويسرية.
اللواء حبيب شنتوف
يعد اللواء حبيب شنتوف من أبرز القيادات العسكرية السابقة في الجيش الجزائري حتى أغسطس/آب 2018، حينما أقاله الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة من منصبه قائداً للناحية العسكرية الأولى بمحافظة البليدة (وسط).
وتزامنت إقالة اللواء شنتوف مع ما سمي بـ"زلزال فضيحة حجز 701 كيلوجرام من الكوكايين" في سواحل محافظة وهران (غرب)، الذي أطاح بمسؤولين عسكريين كبار.
وفي أكتوبر/تشرين الأول أمر القضاء العسكري الجزائري بوضع اللواء حبيب شنتوف مع 4 قادة عسكريين آخرين رهن الحبس المؤقت في سابقة هي الأولى من نوعها بتهم "فساد وسوء استغلال المنصب".
وبعد أقل من شهر، أصدرت الرئاسة الجزائرية قراراً مفاجئاً بإطلاق سراح "الجنرالات الخمسة" بينهم اللواء شنتوف، قبل أن يعود القضاء العسكري ليصدر في أبريل/نيسان الماضي، قراراً بإعادة سجن اللواء أحمد باي، وأصدر مذكرة توقيف دولية ضد اللواء حبيب شنتوف.
وكشفت وسائل إعلام فرنسية وجزائرية، أن اللواء شنتوف كان من القادة العسكريين المقربين من السعيد بوتفليقة، وتمكن في أبريل/نيسان الماضي من الفرار مع عائلته نحو فرنسا ثم إلى جهة مجهولة "يعتقد أنها بلجيكا"، بحسب مصادر إعلامية فرنسية، رغم صدور قرار سابق بمنعه من السفر.
ووجّه القضاء العسكري في بيان أصدره في 21 أبريل/نيسان الماضي، تهماً للواء شنتوف واللواء أحمد باي، تتعلق بـ"تبديد أسلحة وذخيرة حربية ومخالفة التعليمات العامة العسكرية".
العميد غالي بلقصير قائد الدرك الأسبق
في 24 يوليو/تموز الماضي، أقال الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح بشكل مفاجئ قائد الدرك العميد غالي بلقصير، الذي عينه بوتفليقة بالمنصب نفسه في يوليو/تموز 2018.
في ذلك الوقت، لم يكن اسم العميد بلقصير بارزاً أو مسجلاً في ملفات الفساد أو أي قضايا مثيرة أخرى، قبل أن يخرج الإعلام الجزائري بعد إقالته بتقارير صحفية تحدثت عن "تواطؤه في فرار اللواء حبيب شنتوف القائد السابق للناحية العسكرية الأولى بمحافظة البليدة".
وكشفت الصحف الجزائرية بأن "بلقصير" خضع لتحقيق معمق قبل إقالته في حادثة مساعدة اللواء شنتوف على الهرب إلى إسبانيا، بعد أن اعترف عقيد في الدرك بأنه "تلقى أوامر من رئيسه العميد بلقصير بمساعدة اللواء على الهروب".
وفي أغسطس/آب الماضي، نشر جزائريون صوراً لقائد الدرك المقال برفقة زوجته القاضية بأحد مطارات الجزائر، وهو "يحاول تغطية وجهه، بينما ارتدت زوجته الحجاب للتمويه"، ليتمكن بعدها من الفرار إلى مكان مجهول.
ولم تعلق السلطات الجزائرية على فرار العميد بلقصير وزوجته التي كانت تعمل رئيسة لمجلس قضاء محافظة تيبازة (شرق العاصمة)، ولم تصدر أي أمر دولي للقبض عليهما.
بينما كشفت مصادر أمنية جزائرية لـ"العين الإخبارية" أن "فرارهما سرّع من إجراءات محاكمة وزير العدل الأسبق الطيب لوح ووضعه في السجن المؤقت"، مشيرة إلى أن "الشخصيات الثلاث كانت تمثل جناحاً قوياً في نظام بوتفليقة، وتمكنوا في ظرف قصير وبفضل مناصبهم الرفيعة من تشكيل شبكة قوية من العلاقات المالية المشبوهة خاصة في محافظة تلمسان (غرب) التي ينحدرون منها".
شكيب خليل.. وزير الطاقة الأسبق
يعرف شكيب خليل، وزير الطاقة الجزائري الأسبق، بأنه "الوزير اللغز"، فهو صديق طفولة للرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وصاحب الجنسية المزدوجة "الجزائرية والأمريكية".
عند تولي بوتفليقة الحكم سنة 1999، عينه مستشاراً خاصاً ثم مديراً لعملاق النفط الجزائري "سوناطراك" من 2001 إلى 2003، ووزيراً للطاقة والمناجم من 2001 إلى 2010.
ومع استقالة الرئيس الجزائري السابق، أعاد القضاء فتح ملف قضيتي "سوناطراك 1 و2" إلى الواجهة، وأعلنت المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية) فتح "ملف فساد" في شركة سوناطراك النفطية تورط فيها شكيب خليل عندما كان وزيراً للطاقة، التي تعرف بقضيتي "سوناطراك 1و2".
ووجهت المحكمة تهماً لوزير الطاقة الأسبق و"من معه" دون أن تذكر أسماءهم، تتعلق بـ"بمخالفة القانون الخاص بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وإبرام صفقتين لشركة سوناطراك بكيفية مخالفة للقانون مع شركتين أجنبيتين"، في إشارة إلى شركتي "إيني" و"سايبام" الإيطاليتين.
وعقب صدور قرار المحكمة العليا، اختفى شكيب خليل عن الأنظار، وظهر أوائل سبتمبر/أيلول الماضي موجوداً بالولايات المتحدة، في وقت لم تُصدر السلطات الجزائرية لحد الآن أي أمر دولي لاعتقاله.
وسبق لوزير العدل الجزائري الحالي بلقاسم زغماتي أن أصدر عام 2013 مذكرة توقيف دولية ضد شكيب خليل حينما كان نائباً عاماً لمجلس قضاء الجزائر العاصمة.
وكشف فاروق قسنطيني، الحقوقي ومحامي رئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين، في تصريح صحفي، الأحد الماضي، أن الجنرال مدين اعترف له في وقت بأن "اتهام شكيب خليل بقضايا فساد هو الذي فجّر الخلاف مع الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، التي انتهت بإحالة الجنرال إلى التقاعد في سبتمبر/أيلول 2015".
عبدالسلام بوشوارب.. وزير التجارة الأسبق
في أبريل/نيسان 2016، بات عبدالسلام بوشوارب أشهر وزراء بوتفليقة بعد شكيب خليل، عندما كان وزيراً للتجارة، وذلك عقب ورود اسمه في قضايا فساد التي فجرتها وثائق بنما.
ينتمي بوشوارب صاحب الجنسية المزدوجة "الجزائرية والفرنسية" إلى حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي كان يقوده رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الموجود في سجن الحراش بتهم فساد، وتولى حقيبة التجارة في حكومة عبدالمالك سلال من 2014 إلى 2017.
وبعد استقالة بوتفليقة، تمكن وزير التجارة الأسبق من الفرار إلى لبنان ثم إلى فرنسا برفقة عائلته، قبل أن تكشف وسائل إعلام جزائرية وفرنسية هروبه مرة إلى البرازيل لتفادي أي أمر بالاعتقال الدولي.
وفي 27 مايو/أيار الماضي، أحالت المحكمة العليا ملف بوشوارب مع مسؤولين آخرين إلى التحقيق الابتدائي، لتصدر بعدها مذكرة توقيف دولية ضده.
ويواجه الوزير الهارب تهماً بالفساد تتعلق بمنحه "امتيازات غير مشروعة وتسهيلات لمصانع تركيب السيارات خاصة لرجلي الأعمال محيي الدين طحكوت وحسان عرباوي، وتبديد المال العام، وتهريب الأموال إلى سويسرا وبنما، والقيام بأعمال تجارية خارج البلاد".
وفي 1 أغسطس/آب الماضي، فاجأ محامي الوزير الأسبق عبدالسلام بوشوارب بتقديمه شهادة طبية لمحكمة سيدي أمحمد بالعاصمة، قال إنها "تثبت بأن موكله مصاب باضطراب عقلي"، وهي الشهادة المقدمة – وفق تصريحاته – من طبيب فرنسي مختص في الأمراض العقلية بفرنسا.
بهاء الدين طليبة
من أقدم النواب في البرلمان الجزائري وأكثرهم إثارة للجدل، حيث تمكن من الفوز بأربع عهدات نيابية في الانتخابات التشريعية التي جرت في 2002 و2007 و2012 و2017.
يملك النائب البرلماني إمبراطورية عقارية بمحافظات عنابة (شرق) وورقلة ووادي سوف (جنوب) وبفرنسا ومصنعاً للأجهزة الكهرومنزلية.
وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، صوّت أغلبية نواب البرلمان الجزائري بحسب الحصانة عن النائب "طليبة" بطلب من وزارة العدل تمهيداً للتحقيق معه في قضايا فساد، بعد أن رفض التنازل عنها طواعية.
وتلاحق النائب تهم بالفساد تتعلق بـ"إبرام صفقات مشبوهة، والابتزاز، والتمويل الخفي لحملة بوتفليقة الانتخابية وتمويل حزب سياسي بطرق غير قانونية"، في إشارة إلى فرض شخصيات على قوائم المرشحين في الانتخابات البرلمانية والمحلية التي جرت في 2017.
لم ينتظر "طليبة" كثيراً، وقرر التواري عن الأنظار أياماً فقط بعد رفع حصانته البرلمانية التي جعلت منه بحسب المتابعين "نائباً فوق العادة" في عهد الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
وتضاربت الأنباء حول مكان وجود "النائب الهارب"، بين لقائه في الجزائر أو فراره نحو تونس ومن ثمة إلى وجهة أخرى في أوروبا.
غير أن المؤكد، هو إعلان السلطات الأمنية الجزائرية حالة الاستنفار في محافظتي عنابة ووادي سوف، وقامت بمداهمة عقاراته ومحاصرة منزله القديم بمنطقة الحجار التابعة لمحافظة عنابة والقريبة من تونس.
وكان النائب السابق في البرلمان الجزائري أول سياسي جزائري "ينطق" بـ"دعم ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة"، وأسس مع مجموعة من نواب الحزب الحاكم في يناير/كانون الثاني 2018 ما سمي بـ"تنسيقية دعم ومساندة ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة".
للإشارة، فإن النائب البرلماني بهاء الدين طليبة البالغ من العمر 40 سنة، كان أول مسؤول سياسي جزائري يعلن دعمه لترشح بوتفليقة لولاية خامسة في يناير/كانون الثاني 2018، وأسس مع أمين عام الحزب الحاكم محمد جميعي الموجود في سجن الحراش بتهم فساد ما عرف بـ"تنسيقية دعم ومساندة ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة".