سجن الحَرَّاش الجزائري.. جامع رموز بوتفليقة الأغنياء
سجن الحراش شيده الاستعمار الفرنسي منذ 100 سنة، يجمع اليوم أكبر رموز نظام بوتفليقة بتهم فساد.. تعرف على تاريخه وأبرز نزلائه.
لم يسبق أن طفت منطقة جزائرية على واجهة الأحداث كما يحدث مؤخراً مع "سجن الحراش" الذي بات "أُمنية المحتجين الجزائريين لرموز الفساد" في عهد الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة كما يقولون.
- حراك الجزائر.. 5 مطالب تحققت في انتظار انتخاب رئيس
- الجزائر في أسبوع.. "تسونامي" محاربة الفساد يدفع برئيسي وزراء إلى السجن
ورغم إصرارهم على تحقيق مطالبهم منذ أربعة أشهر منذ إطاحة الحراك الشعبي بحكم بوتفليقة الذي دام 20 سنة كاملة، إلا أن الأصداء التي رصدتها "العين الإخبارية" من الجزائريين في عاصمتهم ومدن أخرى تفيد بـ"صدمتهم" من الزج بأسماء ثقيلة في وقت وجيز كانوا إلى وقت قريب "يُمثلون الجزائر ويتحدثون باسمها" على حد رأيهم.
أسماء كانت تمثل عَصب نظام بوتفليقة كما يرى المراقبون من رؤساء وزراء ووزراء سابقين وأغنى رجال أعمال في هذا البلد العربي، برز غالبيتهم في عهد بوتفليقة، إلى درجة تحول معها سجن الحراش إلى "أشهر وأغنى سجن في العالم"، بحسب ما تظهره أرقام ثرواتهم، التي تقدر إجمالياً بنحو "17 مليار دولار" يطالب المتظاهرون في الجزائر بـ"مصادرتها وإعادتها للشعب".
منطقة الحراش
الحَرَّاش هي واحدة من بلديات العاصمة الجزائرية المطلة على البحر المتوسط، ويفوق عدد سكانها 290 ألف نسمة، تشتهر بكونها جزءا من ساحل "متيجة"، وبـ "الوادي" الذي يصل طوله إلى 67 كيلومتراً.
يعود أصل تسمية الحَرَّاش في اللغة العربية إلى كلمة "الأحراش" وهي الأراضي التي تغطيها الأشجار وتنمو فيها أيضا شجيرات متوسطة الطول.
قلعة لثوار الجزائر منذ قرن
من بين ما تشتهر به منطقة الحراش بالجزائر العاصمة، ذلك السجن التاريخي العتيق الذي بقي شاهداً على جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 – 1962)، الذي تبلغ طاقة استيعابه "ألفي سجين".
شيدته سلطات الاستعمار الفرنسي سنة 1915 ليكون واحداً من أكبر السجون لإخماد مقاومة وثورة الجزائريين ضد الاستعمار، التي شيدتها فرنسا بالجزائر من بينها "لومبيز" في محافظة باتنة (شرق الجزائر) و"البرواقية" في العاصمة الجزائرية وسجن وهران غرب البلاد.
مارَسَ الاستعمار الفرنسي بحق ثوار الجزائر أبشع أنواع التعذيب التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً، من بينها كما ذكر بعض قدماء المحاربين لـ"العين الإخبارية" "سلخ جلد المسجون ووضع الملح عليه، إزالة الأظافر، تشويه الوجه والجسد بالسكاكين، وغيرها".
ومن بين أشهر ثوار الثورة التحريرية الجزائرية (1954 – 1962) الذين وضعهم الاستعمار الفرنسي في سجن الحراش توجد جميلة بوحيرد التي توصف بـ"أيقونة الثورة الجزائرية" من 1957 إلى 1962، والعربي بن مهيدي وعبان رمضان سنة 1957، إضافة إلى مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية ومؤلف النشيد الوطني الجزائري سنة 1937.
بعد استقلال الجزائر عام 1962، بقي سجن الحراش في الخدمة، واشتهر بـ"سجن السياسيين"، كان من أبرزهم حسين آيت أحمد مؤسس حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض، عقب قيادته تمرداً عسكرياً سنة 1964.
كما كان السجن مصير أحمد بن بلة أول رئيس في تاريخ الجزائر لمدة 15 سنة، بعد الانقلاب العسكري الذي قاده وزير دفاعه هواري بومدين (ثاني رئيس جزائري من 1965 إلى 1978) في 19 يونيو/حزيران 1965.
سجن لرموز نظام بوتفليقة
لم تعد منطقة الحراش ذلك الحي الشعبي الفقير أو ذلك الفريق القوي الذي ينافس في دوري الجزائر لكرة القدم، بل خطف سجنه الأنظار عن كل ما تشتهر به المنطقة وحتى العاصمة الجزائرية، وأصبح مكاناً لـ"إقامة الاحتفالات" من قبل عشرات الجزائريين لاستقبال "وفد السجن" من رموز نظام بوتفليقة.
وقبل 22 فبراير/شباط الماضي، كان ذلك السجن مخصصاً للمجرمين "من عامة الجزائريين" على مختلف أنواع مخالفاتهم، إلى درجة أن كثيراً منهم لا يحبذ ذكر اسمه ويعتبره "نذير شؤم".
وبعد ذلك التاريخ، أصبح "سجن الحراش" الكلمة الموحدة على لسان الجزائريين في شوارعهم وإعلامهم، ومادة دسمة لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، "يتمنون" أن يكون نهاية "كل مسؤول نافذ في عهد بوتفليقة".
تحققت أمنية المحتجين الجزائريين في محاسبة رموز الفساد، إلى درجة لم تشهد فيها الجزائر عبر تاريخها الحديث متابعات قضائية وأوامر بالسجن بحق كبار المسؤولين ورجال الأعمال بذلك الشكل، عقب تسريع وتيرة مكافحة الفساد من قبل القضاء الجزائري.
وعلى مدار الشهرين الأخيرين فقط، استقبل سجن الحراش "تباعاً" كبار رموز نظام بوتفليقة بتهم فساد، ومن بين السياسيين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال رئيسا الوزراء السابقان، وعمارة بن يونس وزير التجارة الأسبق (2014 – 2017)، في سابقة لم تشهدها الجزائر من قبل.
وتتابع الشخصيات الثلاث بتهم عدة متعلقة بالفساد، تتعلق بـ"منح امتيازات غير مشروعة، وتبديد أموال عمومية، وإساءة استغلال الوظيفة عمداً بغرض منح منافع غير مستحقة للغير على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، واستغلال المنصب، إضافة إلى الكسب غير المشروع واستعمال السلطة".
سجن لأثرياء الجزائر
من بين التعليقات الساخرة التي أطلقها الجزائريون على سجن الحراش عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي رصدتها "العين الإخبارية" نجد "قلعة الفاسدين" و"أغنى سجن في العالم".
ولعل الوصف الأخير قد يكون قريباً إلى الواقع، حيث يقبع في السجن 8 من أغنى رجال الأعمال في الجزائر، الذين يشتركون في ثرائهم وتهم الفساد التي وجهها لهم القضاء الجزائري.
عبد المؤمن خليفة
عبد المؤمن خليفة صاحب "أغرب قصة ثراء في تاريخ الجزائر" كما اصطلح على وصفها الإعلام الجزائري أو كما يوصف بـ"الفتى الذهبي"، الذي بدأ صيدلانياً ثم أغنى رجل في الجزائر وعمره 34 عاماً بثروة قدرت بـ"مليار ونصف مليار دولار"، إلى أول رجل أعمال يحكم عليه بالسجن.
تداول الإعلام العالمي قضيته على نطاق واسع سنة 2015، والتي بدأت سنة 1998 عندما أسس "مجمع الخليفة" الذي ضم "شركة طيران خاصة وبنكاً وقناة تلفزيونية".
كشفت التحقيقات الأمنية في الجزائر عام 2003 بحسب ما ذكره قانونيون لـ"العين الإخبارية" أن "بنك الخليفة" كان مركزاً لنهب أموال الجزائريين الذين أودعوا أموالهم فيه والتي قدرتها السلطات الجزائرية بـ"مليار ونصف مليار دولار"، لتكون "قضية الخليفة" أكبر فضيحة مالية في تاريخ الجزائر، تورط فيها عشرات السياسيين والفنانين.
هرب بعدها رجل الأعمال عبد المؤمن خليفة إلى فرنسا ثم إلى بريطانيا، قبل أن تسلمه الحكومة البريطانية للسلطات القضائية الجزائرية في 2013 بعد أن أصدرت مذكرة توقيف دولية في حقه، وحُكم عليه في 23 يونيو/حزيران 2015 بالسجن 18 سنة نافذة بتهم "تكوين جمعية أشرار والسرقة المقترنة بظروف التعدد والنصب والاحتيال والإفلاس، وتزوير محررات مصرفية"، ولا يزال موجوداً بسحن الحراش.
عبد الرحمن عاشور
عبد الرحمن عاشور واحد من أغنى رجال الأعمال القابعين في سجن الحراش منذ 2013، والذي كوّن ثروته بعد احتيال على بنوك حكومية وزبائنهم، تورط فيها مسؤولون كبار.
قضية رجل الأعمال تفجرت سنة 2005، عندما اكتشف "البنك التجاري والصناعي" الذي أفلس وأُغلق فيما بعد، ثغرة مالية كبيرة قدرت قيمتها بـ3200 مليار دينار جزائري (حوالي 320 مليون دولار) بعد أن أنشأ 24 شركة وهمية رفقة مقربين منه.
وعملت تلك الشركات الوهمية على إصدار شيكات لفائدة بعضها البعض، مع قيام البنك بما يعرف بـ"تخليص البنوك" التي تعني "الدفع الفوري للمعني" بحسب ما ورد في ملف قضيته التي اطلعت "العين الإخبارية" على تفاصيلها.
علي حداد
علي حداد صاحب واحد من أكثر رجال الأعمال إثارة للجدل في الجزائر والقابع بسحن الحراش منذ نهاية مارس/آذار الماضي بتهم فساد، كان يترأس أكبر تكتل لرجال الأعمال في الجزائر المعروف بـ"منتدى رجال الأعمال الجزائريين" (4 آلاف رجل أعمال) الذين تبلغ ثروتهم الإجمالية 40 مليار دولار بحسب الأرقام التي قدمتها الهيئة في 2018.
يعد "أغنى" رجل أعمال في الجزائر بثروة بدأت من 400 مليون دولار من مشاريع أشغال عمومية سنة 1988 إلى نحو "10 مليارات دولار" في 2019 بحسب وسائل الإعلام الجزائرية.
يمتلك شركة ضخمة للإنشاءات والأشغال العمومية مع أشقائه الخمسة، التي فازت سنة 2003 بصفقة إنجاز مشروع "الطريق السيار شرق – غرب" بطول 1720 كيلومتراً، الذي بات فيما بعد من أكبر فضائح الفساد في الجزائر بعد أن انتقلت تكلفة المشروع من 6 مليارات دولار إلى 19 مليار دولار.
يملك رجل الأعمال أيضا مجمعاً إعلامياً (وقت الجزائر) ومهبط طائرات خاصا بمطار "هوراي بومدين" الدولي بالجزائر العاصمة، إضافة إلى أنه صاحب الامتياز الحصري في تسويق سيارات "تويوتا" اليابانية بالجزائر.
يتابع حداد المعروف بقربه من عائلة الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بعدة قضايا فساد التي جرّت أكثر من 100 مسؤول نافذ في عهد بوتفليقة إلى القضاء، تتعلق بالحصول على امتيازات غير مشروعة في عدة قطاعات وتهريب رؤوس أموال إلى الخارج.
يسعد ربراب
يعد ثاني أغنى رجل أعمال في الجزائر والسادس أفريقياً بثروة تقدر بـ"4 مليارات دولار" بحسب ما أوردته مجلة "فوربس الأمريكية" شهر يناير/كانون الثاني الماضي.، في وقت قدرتها وسائل إعلام جزائرية وفرنسية بأكثر من 10 مليارات دولار.
بدأ ربراب مشواره بفتح مكتب محاسبة سنة 1968 قبل أن يتحول إلى واحد من رجال الجزائر النافذين وأكبر المستثمرين خارج الجزائر في عدد من الدول، عبر مجمع "سيفيتال" المختص في الصناعات الغذائية، كما يعتبر الممثل الحصري لشركة "ساموسونج" في الجزائر.
عُرف رجل الأعمال المقرب من رئيس جهاز المخابرات الجزائري الأسبق محمد مدين باحتكاره استيراد السكر والزيت في الجزائر، إضافة إلى قربه من عدد من المسؤولين الجزائريين السابقين والنافذين من رؤساء حكومات ومسؤولين أمنيين.
ومنذ 22 أبريل/نيسان الماضي، يوجد رجل الأعمال يسعد ربراب في سجن الحراش بتهم تتعلق بـ"التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتضخيم الفواتير واستيراد عتاد مُستعمل".
محي الدين طحكوت
تقدر ثروته بنحو "120 مليون دولار"، يُعرف بقربه من رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى، ويملك عدداً كبيراً من المشاريع، أبرزها مصنع تركيب سيارات "سيما موتورز" باعتباره ممثل شركة "هيونداي" الكورية الجنوبية للسيارات في الجزائر، إضافة إلى امتلاكه القناة التلفزيونية "نوميديا"، وشركة لخدمات النقل الجامعي.
"طحكوت" من بين رجال الأعمال الجزائريين الذين برزوا في عهد بوتفليقة، وطالتهم يد العدالة التي أمرت في 10 يونيو/حزيران الماضي بوضعه في السجن المؤقت مع شقيقيه ونجله بشأن قضايا "فساد واستفادته من امتيازات غير مستحقة".
رضا كونيناف
يعد رضا كونيناف وعائلته من بين رجال الأعمال "المجهولين" عند كثير من الجزائريين قبل 22 فبراير/شباط الماضي والذي تقدر ثروته بنحو "800 مليون دولار" بحسب تقارير دولية.
يعرف بكونه من أكثر المقربين من عائلة بوتفليقة ومن أكثرهم نفوذاً في عهده، حيث توسعت إمبراطورتيه المالية سنة 1999.
يملك مشاريع كثيرة في عدة قطاعات، من بينها النفط والكهرباء والغاز وتحويل الطاقة الكهربائية والنقل والموارد المائية، كما يمتلك أكبر شركة جزائرية خاصة في في القطاع الهيدروليكي التي تتجاوز مبيعاتها سنوياً 140 مليون دولار.
في 24 أبريل/نيسان الماضي، أمر القضاء الجزائري بوضع رجل الأعمال رضا كونيناف السجن المؤقت وأشقائه الثلاثة بتهم فساد تتعلق بـ"إبرام صفقات عمومية مع الدولة دون الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية، واستغلال نفوذ الموظفين الحكوميين للحصول على مزايا غير مستحقة وتحويل عقارات وامتيازات عن مقصدها الامتيازي".
مراد عولمي
يعتبر مراد عولمي المقرب من رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبد المالك سلال آخر رجال الأعمال الذين أمر القضاء الجزائري بإيداعهم السجن المؤقت بمنطقة الحراش يوم الأحد برفقة 52 شخصاً آخر، بتهم فساد تتعلق بـ"الحصول على مزايا دون وجه حق وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج والحصول على قروض ضخمة".
دخل "عولمي" الموصوف بـ"الرجل اللغز" عالم الأثرياء في الجزائر من بوابة محل لبيع قطع غيار السيارات إلى نافذ في دواليب الحكم بالجزائر فترة حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
قدرت وسائل إعلام جزائرية ثروة رجل الأعمال مراد عولمي بنحو "400 مليون دولار"، ويملك مجمع "سوفاك" مثل علامة "فولكسفاجن" الألمانية للسيارات بالجزائر، بالإضافة لامتلاكه شركات أخرى في العقارات والديكور وقطاع الغيار.
كمال شيخي
يشتهر إعلامياً باسم "كمال البوشي" نسبة إلى مهنته الأصلية "لحام"، بات من الأسماء الأكثر شهرة وتداولاً في الجزائر، بعد اتهامه من القضاء الجزائري بالوقوف وراء فضيحة "استيراد 701 كيلوجرام من الكوكايين" صيف 2018.
وتسببت تلك القضية في "زلزال من الإقالات والمتابعات القضائية" بحق مسؤولين عسكريين وأمنيين وقضاة وسياسيين، فيما يتابع بتهم "تكوين مجموعة أشرار وتهريب الكوكايين والحصول على امتيازات وتسهيلات غير قانونية"، في انتظار النطق بالحكم النهائي في 19 يونيو/حزيران القادم.
ويملك رجل الأعمال "كمال شيخي" القابع في سجن الحراش منذ آب/أغسطس 2018 شركة لاستيراد اللحوم المجمدة ومشاريع في مجال العقار، في وقت يُجهل فيه الرقم الحقيقي لثروة رجل الأعمال الذي أطاح بعشرات المسؤولين النافذين بالجزائر.
aXA6IDMuMTM3LjE1OS4xNyA=
جزيرة ام اند امز