حراك الجزائر.. 5 مطالب تحققت في انتظار انتخاب رئيس
"العين الإخبارية" تستعرض أبرز المكاسب التي حققها الحراك الشعبي بالجزائر منذ انطلاقه، والمطالب التي لا يزال المتظاهرون يصرون على تحقيقها
عاشت الجزائر منذ 19 فبراير/شباط الماضي أضخم مظاهرات شعبية في تاريخها، كان فيها عبدالعزيز بوتفليقة أول رئيس جزائري يطالب شعبه بتنحيته.
محافظة خنشلة الواقعة شرق الجزائر بدأت نهاية نظام حكم الجزائر 20 سنة كاملة، بدأت بـ"تمزيق" صورة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، في مشهد لم يتعود العالم على رؤيته في هذا البلد العربي والأفريقي.
- بوتفليقة.. أطول رؤساء الجزائر حكما يترشح لولاية خامسة
- بوتفليقة.. 20 عاما في رئاسة الجزائر تنتهي باستقالة مثيرة
وعلى مدار 17 جمعة كاملة و16 أسبوعاً، خرجت سيول بشرية في جميع محافظات الجزائر، قدرتها وسائل إعلام جزائرية ووكالات دولية بنحو 20 مليون متظاهر، أجمعوا على جملة من المطالب، بعد أكثر من عشريتين من "العزوف السياسي".
مطالب يُجمع المراقبون على أنها كانت في "خانة المستحيل التفكير بها أو تحقيقها" عند الجزائريين، خاصة بعد أن تمكن بوتفليقة طوال فترة حكمه من تغيير موازين القوى في هرم السلطة الجزائرية، مكنته من البقاء في كرسي "المرادية" (قصر الرئاسة الجزائرية) أربع ولايات متتالية، بعد 3 تعديلات للدستور استحوذ فيها على 95 صلاحية.
وبعد غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي منذ 2013 بسبب وضعه الصحي، "تشعبت" سلطة القرار بالجزائر، ودخل "المال على السياسة" كما ذكر محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية".
وكما وصفها قائد أركان الجيش الجزائري بـ"القوى غير الدستورية"، لتتصدر معها الجزائر مؤشرات الفساد العالمي (المركز 105 عالمياً في 2019)، ويتراجع اقتصادها بفعل تهاوي أسعار النفط.
عوامل أخرى دفعت الجزائريين بحسب المتابعين إلى الخروج في مظاهرات عارمة "رفضاً لبقاء نظام بوتفليقة" الذي تباينت الروايات بين "ترشحه" أو "ترشيحه" لرئاسيات 18 أبريل/نيسان الملغاة، لكن النتيجة كانت واحدة، انهيار نظام بوتفليقة، ونجاح الحراك الشعبي بالجزائر في تحقيق جملة من المطالب.
وفي هذا التقرير، تستعرض "العين الإخبارية" أبرز المطالب التي تمكن المتظاهرون الجزائريون من تحقيقها على مدار 16 أسبوعاً كاملاً، كان فيها الجمعة اليوم الأبرز من كل أسبوع، يقول الجزائريون إنها "ثورة سلمية بنفس طويل".
استقالة بوتفليقة
في 18 يناير/كانون الثاني، أعلنت الرئاسة الجزائرية تحديد تاريخ 18 أبريل/نيسان موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، ليُعلن الرئيس الجزائري (المستقيل) عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه لها في 10 فبراير/شباط الماضي رغم وضعه الصحي، متعهداً بإجراء تعديل دستوري جديد حال إعادة انتخابه كما ذكر في رسالته، إضافة إلى "ندوة وطنية شاملة".
بدأ الاحتقان في الشارع الجزائري عقب ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وخلال تجمع شعبي للمرشح الرئاسي السابق والمعارض المثير للجدل رشيد نكاز في 19 فبراير/شباط الثاني، أزال مئات "المحتجين الغاضبين" صورة عملاقة لبوتفليقة كانت معلقة على مقر بلدية خنشلة (شرق الجزائر) وقاموا بتمزيقها.
انتقلت شرارة الرفض الشعبي لولاية بوتفليقة الخامسة من محافظة إلى أخرى، إلى أن عمّت جميع محافظات البلاد، رافعين لافتات ومرددين هتافات "لا للعهدة الخامسة".
وبعد عودته من رحلة علاجية في جنيف استغرقت 15 يوماً، وتحت الضغط الشعبي، أعلن بوتفليقة في 11 مارس/آذار الماضي "تراجعه" عن الترشح لولاية خامسة، ليكون "أول مطلب يحققه الحراك الشعبي" في الجزائر، بعد 3 جمعات من التظاهر.
كما أعلن بوتفليقة عن تأجيل الانتخابات الرئاسية، واستقالت حكومة أحمد أويحيى، ليخلفه فيها وزير داخلية بوتفليقة نور الدين بدوي الذي "لا يزال المتظاهرون" يطالبون برحيله.
اعتبر المتظاهرون أن عدم تحديد تاريخ للانتخابات الرئاسية وتأجيل السابقة بمثابة "التمديد" لولاية بوتفليقة الرابعة، لتتواصل معها المظاهرات "الرافضة للتمديد" أسبوعين آخرين.
في 2 أبريل/نيسان عقدت قيادات المؤسسة العسكرية بالجزائر أكبر اجتماع "استثنائي" لها منذ نحو ربع قرن، دعت خلاله في "موقف مفاجئ" إلى التفعيل "الفوري" لمواد دستورية تقضي بشغور منصب رئيس البلاد.
وفي كلمة له أمام الاجتماع، هاجم قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح البيان الرئاسي الصادر في 1 أبريل/نيسان الذي "أعلن إقالته من منصبه"، ووصفه بـ"غير الدستوري" وبأنه صادر عن جهات دستورية وعصابة تحكم البلاد.
بعد ساعة عن صدور بيان وزارة الدفاع الجزائرية، أصدرت الرئاسة الجزائرية بياناً (في 2 أبريل/نيسان) أعلنت "استقالة" بوتفليقة رسمياً، ليتحقق "المطلب الثاني" للمتظاهرين و"الأكبر" منذ انطلاقه.
في 9 أبريل/نيسان، تسلم رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح رئاسة الجزائر مؤقتاً بموجب المادة 102 من الدستور الجزائري لمدة 90 يوماً، لتستمر معها المظاهرات في الجزائر المطالبة برحيل ما عرف بـ"الباءات الأربع" المتمثلة في رئيس الجزائر المؤقت ورؤساء الحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري.
أسبوعان من المظاهرات أسقطت رئيس المجلس الدستوري الجزائري الطيب بلعيز في 16 أبريل/نيسان الماضي، ليخلفه عضو المجلس كمال فنيش، ويتحقق معها "المطلب الثالث" للحراك الشعبي بالجزائر.
سجن "رؤوس الفساد"
وفي خضم المظاهرات الشعبية المطالبة بـ"التغيير الجذري" ورحيل جميع رموز نظام بوتفليقة، "تعهدت" قيادة الجيش الجزائري بـ "الوقوف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة، ومرافقة جميع الحلول السياسية"، كما أعلنت "حرباً على الفساد"، بعد أن دعت العدالة الجزائرية إلى فتح جميع ملفاته.
وفي تلك المظاهرات، طالب الجزائريون بمحاسبة رموز نظام بوتفليقة و"استرجاع الأموال المنهوبة" في عهده، معتبرين أنهم "السبب وراء الوضع الذي وصلت إليه بلادهم".
ومنذ 31 مارس/أذار الماضي، تحرك القضاء الجزائري المدني والعسكري لمتابعة وسجن كبار رموز نظام بوتفليقة من رجال أعمال وسياسيين ومسؤولين أمنيين ووزراء سابقين بتهم "فساد والتآمر على سلطتي الدولة والجيش"، كانت بدايتها مع علي حداد رجل الأعمال المثير للجدل والمقرب من عائلة بوتفليقة.
واللافت، أن "غالبية" المسؤولين الذين حمل المتظاهرون الجزائريون صورهم تمت متابعتهم قضائياً ووضعوا في السجن المؤقت، أبرزهم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المستقيل، والجنرال المتقاعد محمد مدين والجنرال بشير طرطاق رئيسا جهاز المخابرات الأسبق، ورئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، وعمارة بن يونس.
أسماء ثقيلة نجح الحراك الشعبي في الجزائر بحسب المراقبين في "جرّهم" إلى السجن، ويتحقق معها "المكسب الرابع" للمتظاهرين الجزائريين.
إلغاء ثاني انتخابات رئاسية
لم يهدأ الشارع الجزائري رغم ما حققه من مطالب كبيرة، تحولت معها الجزائر إلى "محكمة كبيرة لمحاسبة كبار رموز بوتفليقة"، وبقي "الرفض" سيد مواقف المتظاهرين لبقاء "الباءات الثلاث".
وبعد إعلان الرئاسة الجزائرية في 10 أبريل/نيسان عن تحديد تاريخ 4 يوليو/تموز موعداً جديداً لإجراء الانتخابات الرئاسية، جدد المتظاهرون رفضهم "تنظيمها بإشراف رموز نظام بوتفليقة".
رفض شعبي دفع غالبية أحزاب الموالاة والمعارضة إلى "مقاطعة" الترشح للرئاسيات، ولم يجد المجلس الدستوري إلا "ملفي مرشحين اثنين فقط" مع انتهاء آجال الترشيحات في سابقة لم تشهدها الجزائر من قبل.
وفي 2 يونيو/حزيران الماضي، أعلن المجلس الدستوري الجزائري "استحالة" إجراء الانتخابات الرئاسية وإلغاءها رسمياً، ليكون ذلك "خامس مكسب" يحققه المتظاهرون في الجزائر.
مطالب أخرى لحراك الجزائريين
رغم تراجع زخم الحراك الشعبي بالجزائر عن بدايته فإن مطالب المتظاهرين "تزداد" مع كل تطور جديد في البلاد بحسب ما ذكره محللون سياسيون لـ"العين الإخبارية".
وأظهرت المظاهرات الأخرى "التباين" الكبير في المطالب التي يرفعها المحتجون الجزائريون من منطقة إلى أخرى، خاصة فيما يتعلق بـ "أولويات المرحلة" بين من يطالب بـ "مرحلة انتقالية تقودها شخصيات تحظى بموافقة الحراك"، ومطالب بـ "مجلس تأسيسي" يعيد صياغة "خارطة القوانين وطرق تسيير الحكم".
ومع ذلك، التقت مطالب الجزائريين في مظاهراتهم الأخيرة في 5 نقاط، تتمثل في "رحيل الباءات الثلاث" ورفض أي حوار معها، وتشكيل حكومة توافقية، وشخصية وطنية على رأس الدولة لقيادة المرحلة الانتقالية، وتشكيل اللجنة العليا المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، تُفرز "رئيساً شرعياً".
وبين كل ذلك، يبقى مستقبل الأزمة السياسية غامضاً بحسب المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، رغم ما يعتبرونه "بصيص الأمل" في إصرار الجيش الجزائري على الحوار "كحل وحيد للأزمة" والتحضير لإنشاء لجنة مستقلة للانتخابات تنزع صلاحيات مراقبتها وتنظيمها من وزراتي الداخلية والعدل، واستمرار الحرب على الفساد وإبعاد كبار رموز نظام بوتفليقة عن "أي تسوية مستقبلية"، والتي يراها كثير من الجزائريين بمثابة "الضمانات المهمة التي تضمن التغيير الجذري" الذي يطالبون به.