موقف القيادة الأمريكية تجاه هذه القضية المصيرية كان وسيبقى مملوءاً بالثغرات وبعيداً عن العدالة
إبان زيارته المرتقبة إلى اليابان وإلى هيروشيما تحديداً، من المستبعد أن يعتذر الرئيس الأمريكي أوباما إلى اليابانيين عن استخدام القنبلة الذرية ضد بلادهم، ولسوف يستبدل ذلك بالسعي إلى تكتيل الجهود العالمية ضد انتشار السلاح النووي، وإلى التأكيد على أهمية الاتفاق الذي عقدته إدارته مع إيران حول هذه المسألة. ولا ريب أن تعبئة الطاقات والإمكانات من أجل منع انتشار السلاح النووي هو هدف سام وأنه جدير بأن يثير الحماس والالتفاف حول الدولة والقيادة التي تتبناه وتعمل من أجله، ولكن هل يستطيع أوباما أن يعمل من أجل تحقيق هذا الهدف؟ هل لمن يخلف أوباما في الرئاسة أن يكرس بعض جهوده ــ هذا إذا افترضنا أنه راغب في ذلك ــ لتحقيق هذه الغاية؟
إن موقف القيادة الأمريكية تجاه هذه القضية المصيرية كان وسيبقى مملوءاً بالثغرات وبعيداً عن العدالة ما دامت واشنطن تتستر على القنبلة النووية «الإسرائيلية». ولقد بدا هذا الموقف واضحاً صريحاً في انحيازه إلى جانب «إسرائيل» إلى درجة أن نتنياهو، الذي لم يكتم في وقت من الأوقات خصومته للرئيس الأمريكي أوباما بادر إلى الاتصال بجون كيري، وزير الخارجية الأمريكية، خلال شهر مايو/أيار من العام الفائت «لكي يبلغ الرئيس الأمريكي وكيري تقديره». جاءت تلك المبادرة، كما قال مسؤول «إسرائيلي» كبير، رداً على «التزام الولايات المتحدة بما تعهدت به بخصوص منع صدور قرار شرق أوسطي يدين «إسرائيل» بصورة حصرية على امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل ويتجاهل حاجاتها الأمنية والتهديدات الموجهة إليها في شرق أوسط تتصاعد فيه موجات العنف والإرهاب»، كما جاء في صحيفة «الغارديان» البريطانية (23/05/2015). فأي قرار يتحدث عنه ذلك المسؤول الإسرائيلي؟
لقد جاء هذا القرار الذي يتحدث عنه أوباما نتيجة مبادرة مصرية أيدتها الدول العربية وأيدتها أكثرية ساحقة من أعضاء الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة. وقد طلب، بموجب هذه المبادرة من بان كي مون بوصفه أميناً عاماً للأمم المتحدة تنظيم مؤتمر إقليمي خلال مهلة لا تتجاوز 180 يوماً لمراجعة حال انتشار أسلحة الدمار الشامل، على أن يستمر التحضير للمؤتمر حتى ولو حاولت «إسرائيل» التهرب من حضوره أو حاولت الاعتراض على جدول أعماله.
لقد جاء هذا القرار حصيلة عمل متواصل من قبل مجموعة عدم الانحياز وأكثرية أعضاء المنظمة الدولية الذين يعارضون انتشار أسلحة الدمار الشامل. وتزامن هذا القرار مع الحملة القوية التي نظمتها الولايات المتحدة والتي انضم إليها عدد كبير من الدول ضد البرنامج النووي الإيراني. وبلغت الحملة ذروتها خلال الأشهر الأخيرة من العام الفائت. ومن المآسي السياسية أن تتزامن دعوة أوباما إلى العالم للتطلع إلى مستقبل خال من السلاح النووي التي يعتزم إطلاقها من هيروشيما في نفس الوقت الذي حدده المطالبون بعقد المؤتمر الأممي للتحقيق في أوضاع انتشار الأسلحة النووية. هذا التزامن يسلط الأنظار بصورة مأساوية على ازدواجية المنطق والمعايير التي تطبقها الإدارات الأمريكية في التعامل مع قضية امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
تقول روز غوتيمويلر، مساعدة وزير الطاقة الأمريكي لشؤون منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، إن موقف الولايات المتحدة تجاه مسألة امتلاك «إسرائيل» لأسلحة الدمار الشامل اتسم بالحياد تاركاً لدول المنطقة نفسها لكي تعالج هذه القضية الإقليمية. وإنه انطلاقاً من هذا الموقف عارضت الإدارة الأمريكية الدعوة إلى عقد مؤتمر أممي يبحث هذه القضية لأنه كانت هناك فجوة كبيرة بين الموقفين المصري من جهة و«الإسرائيلي» من جهة أخرى. فمصر كانت تقول إن اعتراف «إسرائيل» بامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل وإعلان استعدادها للتخلي عنها سوف يعني تقدماً على طريق السلام في الشرق الأوسط. بالمقابل اعتبرت «إسرائيل» أن توقيع اتفاقيات السلام بين سائر الدول العربية و«إسرائيل» وبسط السلام الشامل في المنطقة سوف يفتح الباب أمام بحث قضية أسلحة الدمار الشامل. ولقد اعتبر الأمريكيون أنه لا مجال لعقد مؤتمر لبحث قضية امتلاك «إسرائيل» لأسلحة الدمار الشامل بدون التوصل إلى اتفاق بين مصر و«إسرائيل» على هذه النقطة.
يبين هذا الموقف الان
حياز الأمريكي إلى جانب «إسرائيل». فواشنطن لم تعتبر امتلاك أي بلد عربي أو إيران لأسلحة الدمار الشامل كشأن إقليمي تتركه لدول المنطقة لكي تعالجه ولكي تتوصل إلى حلول إقليمية له، بل تعتبر أن امتلاك أية دولة عربية لهذه الأسلحة خطراً يهدد الأمن الدولي والأمن الأمريكي. انطلاقاً من هذا الموقف غزت الولايات المتحدة العراق وغيرت نظامه بالقوة. وانطلاقاً من هذا الموقف نظمت واشنطن حملة قوية شملت العقوبات والتلويح باستخدام القوة ضد إيران إذا استمرت في برنامجها النووي.
ورغم أن «إسرائيل» ترفض الاعتراف بامتلاكها للسلاح النووي، فإن الولايات المتحدة ترفض الضغط عليها لكي تكشف حقيقة الأمر. ولقد نشر موردخاي فانونو الذي كان يعمل في مفاعل ديمونا الذري في «إسرائيل» وثائق تدل بصورة حاسمة على امتلاكها للسلاح الذري، ولكن الإدارة الأمريكية لم تقم بأية مبادرة للتحقيق في هذا الأمر، تاركة لـ«إسرائيل» أن تخطف فانونو من الأراضي الإيطالية وأن تحكم عليه بالسجن وبالعزلة الكاملة عن الإعلام وعن العالم حتى لا تتجدد الحملة ضد السلاح النووي.
إن هذه الوقائع سوف تجعل كلام الرئيس الأمريكي عن السلاح النووي غير مقنع وغير مؤثر، وستبقى قضية أسلحة الدمار الشامل «الإسرائيلي» سلاحاً يهدد الملايين من العرب بمصير يشبه مصائر سكان هيروشيما وناغازاكي، مادام الموقف الأمريكي محابياً بصورة غير أخلاقية لـ«إسرائيل».
نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة