داعش يرحل عن مركز قيادته مضطرًا
بعد الضربات الموجعة التى يتلقاها، داعش يعيد حساباته لا سيما أن الخناق أخذ يضيق عليه فى مناطق نفوذه المعروفة وبدأ ترك مركز قيادته
إنها البداية التى ستستغرق زمنًا طويلًا فى مسعى القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وإن كان لا يمكن التنبؤ بتوقيت الوصول إلى نقطة النهاية، لكن استقراء الوقائع والأحداث لما يدور على الأرض والتجارب السابقة المشابهة، كما فى تنظيم القاعدة، تكشف أن من أطلقوا على أنفسهم "تنظيم الدولة الإسلامية" بدؤوا فى الانزلاق نحو النهاية.
لقد استقر عزم المجتمع الدولى بعد أن تمدد نشاط هذه الجماعة الإرهابية خارج إقليم الشرق الأوسط وبدأ يهدد أمن ومصالح الغرب على أهمية التخلص من هذه الظاهرة التى طرأت على الواقع الإقليمى بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، واستفحلت مع دخول سوريا فى نفق الحرب الأهلية، ومن اللافت أن الغرب بدأ فى التصدى واقعيًا وعمليًّا بجدية لتنظيم داعش بعد أن طاله الحريق.
بعد الضربات الموجعة التى يتلقاها التنظيم أخيرًا فالذى لاشك فيه أنه بدأ يعيد حساباته لاسيما أن الخناق أخذ يضيق عليه فى مناطق نفوذه المعروفة جغرافيًّا ببادية الشام وبعد التمدد على نطاق واسع وبسط سيطرة كاملة على الأرض بدأ التنظيم يتقلص ويفقد سيطرته على مساحات كبيرة ومواقع إستراتيجية من الأراضي التي استولى عليها.
هكذا يصبح داعش فى حاجة إلى قاعدة عمليات جديدة ومركز قيادة خارج نطاق مواقع النفوذ الرئيسية التي تتداعى، وهذه هي أبجديات التفكير في الإستراتيجية العسكرية، وهنا يجب أن يأخذ فى الاعتبار أن التنظيم يضم بين صفوفه قادة عسكريين من فلول جيش صدام حسين ذوي تأهيل علمي متقدم في مجال العلوم العسكرية ويمتلكون خبرات من معارك حربي الخليج الأولى والثانية نتيجة مغامرات صدام.
ولأن تنظيمات ما يطلق عليه "جماعات الإسلام السياسى المسلح" عابرة للدولة القومية وتنتشر أذرعها في كثير من الدول مع تطور وسائل الاتصال وتضاعفها عبر شبكات التواصل في الفضاء الإلكترونى لذلك تستدعى السيطرة على هذه الأذرع أو تقديم الدعم المادي واللوجيستي لها والتدريب والإمداد بالسلاح تأمين مركز قيادة قادر على تنفيذ هذه المهام.
لا يمكن لمراكز القيادة أن تنشأ أو تتواجد حتى في مجال حرب العصابات بدون وجود بيئة حاضنة أو بمعنى أدق منطقة من الأرض صغرت أو كبرت تقع تحت السيطرة الكاملة والمباشرة وتدرك قيادات داعش أنها سوف تضطر في المدى الزمني المتوسط على أقصى تقدير إلى إخلاء مراكز قيادتها بما فيها المركز الرئيسي التي تقع كلها في منطقة حاضنة في بادية الشام تخسر مواقعها فيها الواحد تلو الآخر.
والتنظيم الإرهابي يحتاج إلى تدبير مركز قيادة جديد عندما يفقد القدرة على الاستمرار في المنطقة الحالية الموزعة بين العراق وسوريا، ومعنى هذا أن الاختيار القادم لداعش يجب أن يحقق بالطبع من وجهة نظر التنظيم قدرة على الاستمرار والسيطرة على عناصره والتنسيق مع التنظيمات المسلحة الأخرى التى تؤيد داعش أو تنضوى تحت جناحه.
الشرط الجوهري للمكان الجديد الذي سوف تنتقل له القيادة الرئيسية للتنظيم هو البيئة الحاضنة تسمح بالسيطرة على مساحة كافية من الأرض لتوفير عنصر الأمان، وحتى لا تكون هذه القيادة فى مهب الريح ومعرضة للاستئصال مما يعني انفراط عقد التنظيم حتى ولو في ظل وجود قيادات ميدانية متناثرة في بلدان أو مواقع متعددة.
أما عن الشروط التى تحقق البيئة الحاضنة التي يمكن أن توفر ملاذًا آمنًا تنتقل إليه القيادة الهاربة من بادية الشام فهي تتمثل في الآتي:
أولًا: وجود نسبة كبيرة من السكان المحليين تعتنق الفكر المتطرف.
ثانيًا: وجود تنظيم إسلام مسلح مارق يتصف بالتماسك خارج على شرعية السلطة الوطنية يؤيد هذا التنظيم داعش أو يتوافق مع فكرها.
ثالثًا: الدولة التى سوف تنتقل إليها قيادة تنظيم داعش يجب أن تكون دولة فاشلة أو لاتسمح قدراتها العسكرية والأمنية بالسيطرة القوية المحكمة على كامل ترابها الوطنى حتى تتمكن قيادة التنظيم من إرسال مقدمات من عناصرها فى البداية تجهز مسرح التواجد عسكريًّا وعندما تصل القيادات لا تجد نفسها متورطة فى مواجهة مع قوات تتصدى لها، وهذا لن يحدث فى الغالب لأن الدولة التى تم اختيارها فاشلة مشغولة بأعباء داخلية خارج نطاق السيطرة وإن لم تكن فاشلة، فإن قواتها المسلحة أو الشرطية هزيلة ذات طابع تشريفى.
أين سيتم هذا وكيف فهذه قراءة أخرى وتحليل آخر نعرضه فيما بعد.
aXA6IDE4LjIyMy40My4xMDYg جزيرة ام اند امز