الاحتلال يلجأ لسياسة احتجاز جثماين الشهداء، وفلسطينيون يرون أن ذلك لن يثنيهم، معربين عن قلق مما قيل عن سرقة أعضاء من جثامين الشهداء
" لن يهدأ لنا بال قبل أن نتمكن من استعادة جثامين شهدائنا ومواراتها ثرى فلسطين"، لا تسمع غير تلك الكلمات من ذوي عشرات الشهداء الفلسطينيين الذين تحتجز إسرائيل جثامينهم كإجراء عقابي.
المحامي محمد عليان، تحتجز إسرائيل جثمان ابنه الشهيد "بهاء" منذ الثالث عشر من الشهر الماضي، إثر تنفيذه عملية فدائية أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، وإصابة عدد آخر، ويصمم على استرداد جثمان ابنه مهما كلفه الأمر.
وتهدف سلطات الاحتلال من وراء احتجاز جثماين الشهداء إلى تشكيل رادع لأي فلسطيني يحاول التفكير القيام بأي عمل ضد الاحتلال، لكن "العكس هو الذي يحدث مع الفلسطينيين الثائرين على ظلم الاحتلال"، كما يقول عليان لبوابة "العين" الإخبارية.
ويضيف عليان "لم يفشل احتجاز الجثامين في تحقيق الردع فقط، بل كان دافعًا لعشرات الشبان لتنفيذ عمليات فدائية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين"، وهو ما يؤكده والد الشهيدة أشرقت قطناني المحتجز جثمانها منذ الأحد الماضي، بقوله لـ"بوابة العين"، "استمرار الاحتلال باحتجاز جثمان أشرقت وعشرات الجثامين من الشهداء الأبطال ليست في مصلحته، فتلك الأجساد الطاهرة ملك لآبائهم وأمهاتهم وستشتعل الانتفاضة ما دام الاحتلال يواصل احتجاز الجثامين".
ويعتبر طه قطناني، أن قضية استرداد جثمان "أشرقت" وجثماين كل شهداء شعبنا هي "قضية رمزية"؛ لأن أرواح الشهداء انتقلت من الأرض إلى السماء لكن أمانة المسؤولية عن أبنائنا تقتضي أن نواري أجسادهم ثرى أرضهم التي قدموا روحهم رخيصة من أجل تحريرها.
وتشهد الأراضي الفلسطينية سلسلة فعاليات ميدانية وقانونية وإعلامية بهدف الضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لإرغامها على تسليم جثامين الشهداء المحتجزة لدفنها في مقابر الشهداء.
واتخذ المجلس الإسرائيلي الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت"، قرارًا مع اندلاع الانتفاضة الحالية، بعدم تسليم جثامين منفذي العمليات إلى ذويهم؛ حيث ستقوم بدفنهم فيما يعرف بـ"مقابر الأرقام".
ويصف سالم خلة منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، القرار الإسرائيلي باحتجاز الجثامين، بأنه "سلوك عنصري فاشي" يأتي ضمن سلسلة من القرارات التي يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأجهزته الأمنية أنها ستشكل عامل ردع للشعب الفلسطيني المنتفض في وجه جيشه.
ويشير خلة لـ"العين" إلى أن احتجاز إسرائيل (280) جثمانًا للشهداء في مقابر الأرقام، من بينهم (38) من شهداء انتفاضة الأقصى الحالية، لم يشكل رادعًا للفلسطيني منذ عشرات السنين.
وكانت سلطات الاحتلال قد سلمت قبل شهر جثامين (18) شهيدًا لذويهم، بعد احتجازهم أسابيع في ثلاجات معهد الطب العلي الإسرائيلي "أبو كبير".
ويعبر خلة عن استغرابه من الصمت الدولي إزاء "المس الإسرائيلي بكرامة الأموات"؛ فاتفاقيات جنيف الأولى، والثالثة، والرابعة، والبروتكول الأول الملحق بهذه الاتفاقيات، يمنع احتجاز جثمان الميت، ويؤكد تسلميه لذويه لدفنه وفق معتقداتهم.
ولا يقف الأمر على القوانين الدولية، إنما القانون الإسرائيلي نفسه يمنع احتجاز الميت تحت أي ظرف كان، حسب عليان "القانون الإسرائيلي يمنع احتجاز جثمان المتوفى، ويعتبر احتجازه مسًّا بكرامة الإنسان".
وتدفن سلطات الاحتلال جثامين الشهداء فيما يعرف بـ"مقابر الأرقام"، وهي منطقة عسكرية مغلقة تمنع أحدًا من الاقتراب منها، ولا تعرف آلية دفن الجثامين في تلك المقابر وفق المختصين، لكنهم يشيروا إلى أنها لا تراعي أدنى الأصول المتبعة في الدفن.
سرقة أعضاء
لكن ما يزيد من قلق الفلسطينيين، حجم المعلومات المتداولة حول سرقة سلطات الاحتلال أعضاء من جثامين الشهداء، ويشير خلة إلى أن شكوكًا تحوم حول سرقة الاحتلال لأعضاء الشهداء، وتابع: "هذا الموضوع يحتاج إلى بحث معمق وتوثيق ومتابعة لمحاسبة الاحتلال في المحافل الدولية".
وكانت المحاضرة في علم الانثروبولوجيا البروفسورة الإسرائيلية "مئيرا فايس"، كشفت قبل أشهر، عن قيام السلطات الإسرائيلية بموجب أمر عسكري بسرقة أعضاء بشرية من جثامين شهداء فلسطينيين قتلوا خلال الانتفاضتين السابقتين (1987، 2000).
وأوضحت أن هذه العملية تتم في "معهد الطب الشرعي" الإسرائيلي المعروف بـ"أبو كبير"، وهو ما أكده مدير المعهد السابق عام 2010، ويزيد على ذلك بقوله: "لقد أشرفت على انتزاع أعضاء من شهداء فلسطينيين محتجزين".
ولا يستبعد عليان أي شيء على الإسرائيليين "الذي يقتل الأطفال والنساء والكبار دون ذنب.. هل تراه سيخشى بعد ذلك من سرقة أعضاء الشهيد؟"، ويتابع: "في إسرائيل القضاء يصمت عندما يقرر الأمن خرق القانون".
خطوات فلسطينية
ويواجه الفلسطينيون إجراءات الاحتلال، بعدد من الوسائل القانونية والإعلامية والسياسية، وإن كانوا غير راضين عن مستوى التحرك الرسمي الفلسطيني، ويأمل قطناني بـ"تحرك شعبي ورسمي أوسع لاستعادة جثامين الشهداء".
وينتقد عليان ضعف التحرك الرسمي الفلسطيني "قرار الاحتجاز الإسرائيلي للجثامين سياسي، لذلك يتطلب من الفلسطينيين تحركًا سياسيًّا رسميًّا"، مشيرًا إلى أن أهالي الشهداء تحركوا من تلقاء أنفسهم نحو المؤسسات الدولية والحقوقية "وجهنا رسائل للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وللمؤسسات الدولية المختلفة للضغط على الاحتلال".
ويؤكد خلة ضرورة بذل المزيد من الجهود الرسمية السياسية، لضم ملف جثامين الشهداء المحتجزة إلى ملف الأسرى الأحياء وتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية الذي تتحدى به إسرائيل القانون الدولي.
يجزم الفلسطينيون أن توحيد الجهود الرسمية والشعبية وتكثيفها سيرغم إسرائيل على تسليم جثامين الشهداء لذويهم، وسيرغمها كذلك على وقف العمل بالإجراء العقابي.
aXA6IDE4LjIyNi4yMjYuMTU4IA== جزيرة ام اند امز