طانا الفلسطينية.. خربة تواصل الصمود وتتحدي عمليات التدمير
قرية طانا الفلسطينية في نابلس تتعرض منازل سكانها للتدمير على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي
يجلس المواطن الفلسطيني عرفات إبراهيم على عتبات بيته الخارجية ويتأمل منزله بوجهه الشاحب وعينيه الحزينتين، عقب استلامه قرارًا إسرائيليًّا جديدًا لهدم بيته، ليستحضر تجربة مرة عاشها عندما دمرت 3 منازل سابقًا له.
المواطن إبراهيم (55 عامًا) لم يكن الوحيد الذي يتعرض للإخطار بالهدم أو التدمير، بل طال الأمر كل سكان خربة طانا، إلى الشرق من نابلس شمال الضفة الغربية، الذين أصبح التجريف والاجتياح.. الخيمة والعراء واقعهم المرير الذي يتجسد يوميًّا في ظل وقوعهم تحت سيطرة محتل لا يرحم بشرًا ولا حجرًا ولا حتى حيوان.
وقال إبراهيم لـ"العين": "لن نرحل إذا دمروا سنعيد البيوت، سنفترش الأرض ونلتحف السماء ولن نتخلى عن أرضنا".
تدمير حظائر المواشي
المواطنة نادية حنني لم يكن وضعها أحسن حالًا من إبراهيم، فبينما كانت في حظيرة الأغنام الملاصقة للكهف الذي تسكن فيه مع زوجها وأطفالها تهادى لأسماعها من قبل الجيران دخول الاحتلال للمنطقة والبدء بالتدمير فيها، فكان لحظيرة أغنامها النصيب من التدمير.
وقالت حنني لبوابة "العين": "دخلت الجرافة إلى حظيرة الخراف، ناشدتهم بأعلى صوتي الخروج لوجود الخراف لكنهم لم يستجيبوا لنداءاتي وبعد أن دمروا حظيرة الخراف بالكامل انتقلوا إلى حظيرة الأغنام الأخرى ودمروها.
وتابعت بمرارة "لم تكن هذه المرة الأولى التي يهدمون فيها حوش المنزل ، تم هدمها قبل شهرين أيضا".
تنظر حنني إلى ما حل بحوش بيتها بعين المرأة الفلسطينية وتتساءل "ماذا نحن فاعلون ، هل كل ذلك لأننا نأبى الخنوع للمحتل ونرفض الرحيل من أرضنا؟!
تُردد حنني "مهما هدمتم أوخربتم لن أرحل عن وطني وأرض أجدادي التي ترعرت فيها وتزوجت فيها بالرغم من خبث المحتل الذي لا يقوم بالتدمير إلا في الأوقات العصيبة كالمنخفضات الجوية وعند ارتفاع درجات الحرارة".
تدمير الخربة 4 مرات في شهرين
ويؤكد عبد الله أبو رحمة، الخبير في شؤون الاستيطان، والذي يتولى متابعة ملفات الهدم في المنطقة، أن قوات الاحتلال دمرت الخربة 4 مرات خلال الشهرين الماضيين، كان آخرهم خلال الشهر الحالي (أبريل).
وقال أبو رحمة لبوابة "العين"، إن الاحتلال يسعى إلى تهجير أهالي القرية من أجل السيطرة على الأراضي لصالح مستوطنة "ميخوراة" المقامة على أراض قريبة كان يملكها أجداد سكان طانا.
وأشار إلى أن المنطقة تصنف كمطقة ريفية تتبع بيت فوريك، وبيوتها من الصفيح وأخرى من الخيام، وقليل منها من الباطون فيما يوجد بها بركسات للأغنام والطيور، تقدم قوات الاحتلال على تدميرها، فيما يوجد بها العديد من الكهوف التي يتخذها المواطنون كمأوى لهم لم تسلم هي الأخرى من التدمير.
ويسكن في "طانا" الواقعة على بعد 14 كم إلى الشرق من مدينة نابلس حوالي 30 عائلة قوامها 300 فرد، وتبلغ مساحة الأراضي التابعة لها ما يقارب 18 ألف دونم، ويزرع أهاليها ما يقارب 4 آلاف دونم بالمحاصيل، والباقي عبارة عن مراعٍ للمواشي والأغنام، يبلغ عددها بالخربة نحو 6 آلاف رأس.
توسع اسيطاني
وتستمر محاولات الاحتلال الجشعة في سلب الفلسطينيين أراضيهم لتوسعة مستوطناتهم ، فصادر 18 ألف دونم من أراضي القرية عام 1972، وأقام عليها معسكرًا للجيش، ثم "كيبوتس" للمستوطنين، وأخيراً أقيمت عليها مستوطنة "ميخوارة" الواقعة على بعد أكثر من كيلو متر واحد من القرية، وهي مستوطنة زراعية يستغل المستوطنون فيها الأراضي المصادرة بالزراعة.
ويشير أبو رحمة إلى أن استهداف أراضي القرية والمناطق المحيطة يأتي ضمن خطة وزير الجيش الإسرائيلي الأسبق، إيجال ألون، عام 1968، والمعروفة باسم "خطة ألون الاستيطانية"، التي تقوم على فكرة تحديد الحدود الشرقية لإسرائيل بنهر الأردن وخط يقطع البحر الميت من منتصفه تمامًا والسيطرة عليها خصوصًا الأغوار لحيوية هذه المناطق، وإقامة مجموعة من المستوطنات والتجمعات الزراعية والعسكرية والمدنية فيها بأسرع ما يمكن، بحيث تلتقي مع ضواح ومستوطنات سكنية يهودية في القدس الشرقية.
ويؤكد أبو رحمة أن الاستعدادات تجري لإعادة إعمار الخربة من جديد خلال الأيام القادمة، في رسالة تحدٍ إضافية للاحتلال بأن الناس باقون ولن يرحلوا.
تسميم المواشي
لم يكن المواطنون الهدف الوحيد للاحتلال حيث إن الماشية وهي مصدر رزقهم الوحيد لم تسلم من رصاصات المحتل وفي هذا ضغط عليهم للرحيل عن الأرض، يقول عرفات إبراهيم: "كثيرًا ما يتم استهداف مواشينا من قبل الاحتلال، وأوقات أخرى يقوم بمصادرتها ولا يردها إلا بدفع عشرة دنانير عن كل رأس".
وأضاف "الاحتلال لا يكتفي بذلك بل ينثر السموم على العشب لقتل الماشية".
وبالرغم من استمرارية عمليات الهدم التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق خربة "طانا" وأهاليها، إلا أنها ما زالت قائمة بسكانها وخيامها وكهوفها، فرابط الإصرار والعزيمة والثبات هو ما يجمع بين ساكنيها، رغم الأضرار الفادحة التي تلحق بهم وبمواشيهم لتكرار الهدم والتخريب للخربة التي تجاوزت الأربع مرات.
aXA6IDMuMTQ0LjQ3LjExNSA= جزيرة ام اند امز