استحواذ رجال أعمال على مجمعات إعلامية يثير حفيظة الحكومة الجزائرية
عقب الاستحواذ على "مجمعات الخبر"
الحكومة الجزائرية تتخوف من احتكار رجال أعمال كبار للصحف، بعد عدة صفقات شهدها السوق الجزائري مؤخرا
أثارت صفقة استحواذ رجل أعمال جزائري على مجمع " الخبر"؛ أكبر مجمع إعلامي بالبلاد، قلق السلطات الجزائرية من سيطرة رأس المال على الإعلام، في وقت أصبحت فيه جميع الصحف الجزائرية تعاني من متاعب مالية جراء ضعف سوق النشر وتوزيعه بطريقة غير عادلة.
وقال وزير الإعلام الجزائري حميد قرين، الاثنين، إن وزارته تدرس مدى قانونية الصفقة التي تم بموجبها بيع مجمع "الخبر" الإعلامي إلى رجل الأعمال يسعد ربراب.
وجاءت تصريحات قرين كأول رد فعل رسمي على عملية البيع التي أثارت جدلا واسعا بالبلاد، نظرا لرمزية هذه المؤسسة التي ظهرت مع بداية التعددية الإعلامية في الجزائر سنة 1990.
وتأتي تلك التصريحات أيضًا في وقت تفرض فيه المادة 17 من القانون العضوي للإعلام "على أي مالك جديد لمؤسسة إعلامية الحصول على طلب اعتماد جديد من الوزارة".
لكن السلطات الجزائرية لم تخف توجسها من محاولات احتكار قطاع الإعلام، وعبر عن ذلك مدير الديوان الرئاسي أحمد أويحيى، حين قال إن "هناك أشخاصًا يحاولون احتكار قطاع الإعلام، لديهم ملفات ثقيلة لا نريد أن نفتحها".
وتم فهم تصريح "أويحيى" على أنه عدم رضا من السلطات الجزائرية على صفقة شراء الخبر، وما صاحبها من أخبار عن سعي رجل الأعمال يسعد ربراب للاستحواذ على مجمع الشروق أيضا.
كما يمتلك يسعد ربراب ومنذ سنوات جريدة "ليبرتي" الناطقة بالفرنسية، وشركة إنتاج إعلامية في مجال السمعي البصري.
وبشرائه مجمع الخبر الذي قدرت قيمته بنحو 50 مليون دولار، حقق رجل "ربراب،" المعروف بعلاقاته المتوترة مع السلطات الجزائرية، خبطة كبيرة نظرا لثقل المجمع وتأثيره في الرأي العام، وصار بحسب مراقبين يمتلك جريدة "الخبر" وقناة "كي بي سي" و4 مطابع منتشرة في كل جهات الجزائر.
وتعاني غالبية الصحف الجزائرية من أزمات مالية ما جعلها فريسة سهلة لرجال الأعمال بعد نقص عوائد الإشهار الذي تتحكم به السلطات الجزائرية، إلى جانب ضعف المبيعات نتيجة الاستعمال الكثيف للوسائط الحديثة للإعلام كالمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
مخاطر هيمنة المال على الإعلام
وقال المحاضر بكلية العلوم السياسية والإعلام، زهير بوعمامة، إن الوضع المالي الصعب لمعظم المؤسسات الإعلامية جعلتها أمام خيارات صعبة ومرة، فإما أن تتنازل عما حققته من استقلالية نسبية خاصة في علاقتها بالحكومات، لتضمن استمرار تدفق الإشهار العمومي المشروط والمسيس، وإما أن تقبل بإنقاذها وإنقاذ مناصب عمل موظفيها من خلال فتح الباب أمام رجال الأعمال القادرين على ضخ إمكانات مالية كبيرة".
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"بوابة العين" الإخبارية، أن امتلاك هذه المؤسسات من قبل رجال الأعمال قد يغير مساراتها وتوجهاتها الإعلامية ويجعلها وسيلة في يد مالكيها الجدد، خاصة أن أولئك الذين لا علاقة لهم بالإعلام، بل مهمتهم قد تكون الدفاع عن أجنداتهم وخدمة مصالحهم بعيدا عن مستلزمات الخدمة الإعلامية العمومية وبعيدا عن احترام أخلاقيات المهنة ومراعاة آراء متتبعيها.
وأبدى بوعمامة تخوفه من "استحواذ كل من هب ودب" ممن يملك شيئا من المال على وسائل الإعلام ما يعمق الفوضى التي يعرفها هذا القطاع، مطالبًا بضرورة إقامة هيئات ضبط ورقابة مستقلة صارمة وذات مصداقية تحرص على وضع قواعد عمل تلزم الجميع وتحد من نزوع المالكين للتصرف بما لا يتناسب مع القواعد المهنية والأخلاقية للممارسة الإعلامية".
التوجه للإعلام البديل
على صعيد متصل، وفي ظل الواقع الحالي لقطاع الإعلام بالجزائر، اتجه عدد من الصحفيين والمهتمين إلى تأسيس مواقع إلكترونية إخبارية لتكلفتها البسيطة التي لا تعتمد على تعقيدات المطابع إضافة إلى سرعة انتشارها وسهولة الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال مدير موقع سبق برس الجزائري، حديث النشأة، محمد رابح: إن الإعلام البديل المتمثل في وسائط التواصل والمواقع الإلكترونية جاء نتيجة هيمنة التكنولوجيا على حياة غالبية المواطنين في كل البلدان ومنها الجزائر، التي عرفت طفرة تفوق للشاشة الصغيرة في السنوات الأخيرة، سواء كان حاسوبا أو هاتفا نقالا على حساب الصحف الورقية التي تقلص جمهورها بشكل واسع.
وأضاف، رابح، لـ"بوابة العين" الإخبارية، أن "ما كان يجري من تغذية الصحف بالإشهار العمومي في غياب الضوابط كان حالة غير طبيعية وكانت نتيجته ظهور مئات الصحف بطريقة هشة، حيث تساقط الكثير منها أمام المستجدات الحالية، وبغض النظر عن خلفيات قرارات بعينها فإن المبرر الاقتصادي هو لصالح الاستثمار ودعم وسائل الإعلام البديل".
وأوضح أن هناك "ثمة استشرافات تقول إن الإشهار الإلكتروني سيحوز على الحصة الكاملة في كل دول العالم في غضون 2020، وهو تفسير تجاري لسقوط محتوم لإمبراطوريات الورق".