تنطوي القمة الخليجية - المغربية المنعقدة أخيراً بالرياض على أهمية استراتيجية بالنظر إلى الظرفية الإقليمية الراهنة وما تطرحه من تحديات
تنطوي القمة الخليجية - المغربية المنعقدة أخيراً بالرياض على أهمية استراتيجية بالنظر إلى الظرفية الإقليمية الراهنة وما تطرحه من تحديات وإشكالات كبرى أمام دول المنطقة برمتها على عدة مستويات وواجهات.
فتحولات الحراك اتخذت أبعاداً سياسية وأمنية خطيرة في عدد من الدول، بعدما دخلت على الخطّ قوى إقليمية ودولية عقدت الأوضاع أكثر وسحبت زمام الأمور من الفاعل المحلي، وجعلت التوافقات الداخلية مستحيلة أو غير كافية لبلورة حلول توقف القتال وتدعم التداول السلمي على السلطة وتعزز الاستقرار، فيما تصاعدت حدة الإرهاب والتطرف في المنطقة بصورة غير مسبوقة، بعدما استثمرت الجماعات المسلحة أجواء الارتباك والصراع في عدد من دول المنطقة لتتمدد وتتقوى أكثر، وتنفذ عمليات إرهابية في مناطق مختلفة من العالم، حيث طالت عمق التراب الأوروبي.. مقدمة بذلك الذرائع والمبررات لعدد من الدول الغربية لإعمال ضغوط وتدخلات أخرى في المنطقة.
ومما يزيد من حجم التحديات تدهور النظام الإقليمي العربي الذي تجسده جامعة الدول العربية، التي لم تعد قادرة على اتخاذ مواقف ومبادرات في مستوى تحديات المرحلة، بسبب انشغال العديد من دول المنطقة بمشاكلها الداخلية من جهة أولى، وتباين مواقف دولها بصدد الكثير من القضايا العربية والدولية.. من جهة ثانية، واستئثار عدد من القوى الإقليمية والدولية بلعب أدوار ملتبسة ومنحرفة في المنطقة العربية من جهة ثالثة.. بما يحقق أغراضاً ضيقة بأساليب مقيتة، وصلت إلى حد إذكاء نار الطائفية وتشجيع الانقسام والتجزئة وتهديد سيادة الدول في منطقة غنية بمكوناتها الثقافية والاجتماعية.
وتزداد هذه التحديات، مع سعي إيران إلى توظيف المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة لصالحها، على مستوى تعزيز برنامجها النووي الذي توج أخيراً بعقد اتفاق حول الموضوع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسعيها الحثيث للعب أدوار مختلفة في عدد من الصراعات الداخلية والإقليمية بالمنطقة.
تأتي القمة كتتويج لعلاقات تاريخية متينة بين الجانبين، وهي تعكس استيعاب الأطراف المجتمعة للمتغيرات الدولية الراهنة، والوعي بالمخاطر الكبرى التي تلفّ المنطقة برمتها، وما يقتضيه الأمر من تعاون اقتصادي وتنسيق للمواقف وحشد للجهود في عالم متغير يفرض التكتل والتعاون لمواجهة مختلف التحديات الداخلية التي يفرضها المحيطان الإقليمي والدولي.
تجد العلاقات المغربية - الخليجية أساسها في عدد من المقومات الاستراتيجية، التي يعكسها تماهي وتناغم المواقف إزاء عدد من القضايا الدولية والإقليمية، وتطور العلاقات الاقتصادية بين الجانبين رغم عائق البعد الجغرافي وهو ما يتجسد في دعم عدد من المشاريع التنموية والاجتماعية، وتطور حجم الاستثمارات الخليجية بالمغرب.. وانخراط المغرب في عدد من المبادرات الأمنية الداعمة لاستقرار المنطقة من جهة، والدعم الكبير الذي تحظى به قضية الصحراء المغربية من قبل الدول الخليجية. كما أن التهديدات التي أفرزتها تحولات الحراك مع اختلال الموازين في منطقة الشرق الأوسط تصاعد الدور الإيراني في المنطقة من جهة، وتزايد التحديات التي أصبحت تواجه قضية الصحراء المغربية، كلها عوامل فرضت توخّي اليقظة والحذر، وفرضت التنسيق والتعاون وبلورة تحالفات جديدة، قادرة على حفظ المصالح ودعم الأمن القومي والإقليمي لدول المنطقة.
شكلت القمة مناسبة لتداول مختلف القضايا البينية والإقليمية والدولية، وبلورة مواقف على قدر من التفاهم والتناغم بشأنها، والدفع بعجلة التنسيق والتعاون الاقتصادي بين الجانبين.
وقف قادة الدول المجتمعة على مجموعة من القضايا والاهتمامات المشتركة، ففي الوقت الذي أشار فيه العاهل المغربي للتهديدات الحقيقية التي تواجه سيادة الدول في المنطقة والسعي لتشريد شعوبها واستغلال ثرواتها وخيراتها بذرائع مختلفة، وما تواجهه قضية الوحدة الترابية للمغرب من مناورات في هذا الشأن، وخصوصاً بعد التصريحات المعادية للأمين العام الأممي بان كي مون، أكد قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربي على تأييد مشروع الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب كحل لقضية الصحراء، مع رفض أي مساس بمصالح المغرب في هذا الصدد، وبخاصة بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت تصريحات الأمين العام الأممي المسيئة لوحدة المغرب.
ظل هاجس التعاون الاقتصادي وتعزيز الشراكة بين الجانبين، حاضراً أيضاً ضمن أولويات القمة، فبعد الإشارة إلى التقدم الحاصل على مستوى العمل المشترك لتحقيق الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، تم التأكيد أيضا على ضرورة تطوير هذه العلاقات والسعي لتعزيز المبادلات التجارية وتطوير حجم الاستثمارات، خصوصاً وأن هذه العلاقات وإن شهدت بعض التطور فهي بحاجة إلى تمتين أكثر، حيث تشير التقارير الى أن حجم المبادلات التجارية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي تطورت إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار خلال عام 2014، بنسبة 4.9 في المئة من مجمل المعاملات التجارية الخارجية للمغرب، بعدما ظلت محصورة في حدود 3.6 في المئة خلال عام 2000، فيما وصلت واردات المغرب من دول المجلس زهاء 2.7 مليار دولار عام 2014، بنسبة 6.9 في المئة من حجم الواردات المغربية، بعدما كانت في حدود 5.3 في المئة خلال عام 2000.
وجاء في البيان الختامي للقمة أن الطرفين يشكلان تكتلاً استراتيجياً موحداً، يدعم الدفاع المشترك، في مواجهة التهديدات والتدخلات التي من شأنها المس بوحدة وسيادة أراضيهما، مع الرفض المطلق لكل محاولة أو توجه يستهدفان زعزعة الاستقرار أو تشجيع الانفصال داخل الدول، بما يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي.
لم يخل البيان المشترك أيضاً من إدانة واضحة للإرهاب والتطرف، مع التأكيد على رفض ربطهما بدين أو حضارة معينة.. والدعوة إلى بلورة جهود بناءة لمحاصرة الظاهرة ومنع تطورها وتمددها عبر مختلف السبل، كما تمت الدعوة إلى مواجهة الطائفية وما تنطوي عليه من تداعيات ومخاطر مقيتة تدعم التدخل في سيادة وشؤون الدول وتهدد وحدتها ومقوماتها.
وتم التنبيه إلى المخاطر والإشكالات التي تثيرها الأوضاع المتردية في عدد من دول المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة للعراق وسوريا واليمن وليبيا.. مع الدعوة إلى تضافر الجهود للحد من هذه الأزمات التي لا تخفى تداعياتها الداخلية والإقليمية والدولية.
*- نقلا عن موقع صحيفة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة