حتى ولو لم يتحول الرئيس الأمريكي إلى «بطة عرجاء»، كما هي حال كل رئيس أمريكي في السنة النهائية من عمره الرئاسي
حتى ولو لم يتحول الرئيس الأمريكي إلى «بطة عرجاء»، كما هي حال كل رئيس أمريكي في السنة النهائية من عمره الرئاسي، وبالرغم من شعبيته المتزايدة التي تجاوزت الخمسين في المئة من المستفتين كما جاء في الاستطلاعات والاستفتاءات التي تزوده بمشروعية رئاسية استثنائية، وحتى إذا بقي يتمتع بكامل نفوذه وسلطته في البيت الأبيض، ومن ثم في المحافل الدولية، فإنه لن يكون سهلاً على باراك أوباما أن يؤكد عزم الولايات المتحدة على الالتزام بالضمانات التي تقدمها لحلفائها التاريخيين في المنطقة العربية. إن الالتزام بهذه الضمانات يتطلب تغييراً جدياً في مقاربات أربعة أطراف (على الأقل) تجاه الأوضاع السائدة في المنطقة.
التغيير الأول المطلوب هو في الولايات المتحدة نفسها. يعتقد البعض أن التغيير المطلوب هو تراجع واشنطن عن سياسة الانعطاف والتركيز على جنوب شرق آسيا، والعودة إلى إعطاء الأولوية إلى الأمن والاستقرار في المتوسط. على عكس هذا الاعتقاد فإن انشغال واشنطن بشرق آسيا هو لمصلحة العرب، حيث إنه يخفف من وطأة التدخل الأمريكي لصالح «إسرائيل» وحلفائها الإقليميين، أما التغيير الحقيقي فهو يتطلب الإقلاع عن السعي إلى الهيمنة على النظام الدولي، واستطراداً على المنطقة العربية.
في هذا السياق تستمر الإدارة الأمريكية في رعاية المشاريع والمبادرات التي تهدد الوحدة الترابية لدول عربية عديدة مثل العراق وسوريا والسودان، كما تدفع باتجاه التفكيك والقضاء التدريجي على النظام الإقليمي العربي من خلال إغراقه بالمشاريع الأوسطية والمتوسطية.
في هذا السياق أيضاً تلج الإدارة الأمريكية باب المفاوضات والتفاهمات الإقليمية التي تؤثر تأثيراً كبيراً في أوضاع الإقليم العربي وعلى بعض أجزائه بصورة خاصة مثل منطقة الخليج، دون إفساح المجال أمام الدول العربية لكي تساهم، بصورة جماعية، في صياغة مشاريع التفاهم بحيث تحتوي على ضمانات أكيدة ضد أي تهديد لأمنها واستقرارها.
التغيير الثاني المطلوب هو في توازن القوى العربي- «الإسرائيلي».
فهذا «التوازن» مستمر ما دامت دول الغرب متمسكة بدعم «إسرائيل» عسكرياً-بالمعنى الشمولي لهذا الدعم - حتى تتفوق على سائر الدول العربية مجتمعة أو متفرقة. فخلال الأعوام المنصرمة وصلت المساعدات الأمريكية وحدها إلى «إسرائيل» ما يوازي ربع ميزانية الأخيرة العسكرية.
إن مواقف الغرب في هذا المضمار تشجع «إسرائيل» على المضي في سياسة بعيدة المدى ترمي إلى الهيمنة على المشرق العربي. في إطار هذه السياسة تمكنت ««إسرائيل»» من تحييد عدد من أهم دول المنطقة (مصر والعراق)، ومن تدمير عدد من الجيوش العربية.
وفي هذا السياق أيضاً يأتي اتباع سياسة الإمعان المتعمد في انتهاك الحقوق الوطنية للدول العربية عبر التوسع في مشاريع الاستيطان، وأسرلة المسجد الأقصى وشن الحروب على المجتمعات العربية المجاورة.
ويمثل الإعلان عن بقاء الجولان إلى الأبد نموذجاً على هذه السياسة التي لا تلقى إلا الانتقادات الخافتة والمتلعثمة من قبل الإدارة الأطلسية، في حين أنها تنزل العقوبات الصارمة بمن يكافح التوسعية «الإسرائيلية»، حتى عبر الأساليب الديمقراطية المشروعة مثل المقاطعة الاقتصادية.
التغيير الثالث المطلوب هو في إيران. فلدى طهران أيضاً مشروع للهيمنة على المشرق العربي. ويبدأ هذا المشروع، كما تبدأ مشاريع بديلة ومعادية كثيرة، بتجاهل النظام الإقليمي العربي، بل حتى وتجاهل «منظمة التعاون الاقتصادي» التي تأسست عام 1964، والتي اتخذت من طهران عاصمة لها.
تتجاهل الأولى لأنها تضم الدول العربية وحدها، وإيران تتطلع إلى السيطرة على بعض الدول العربية خاصة العراق وسوريا ومنطقة الخليج.
أما الثانية، فإن إيران تتجاهلها لأنها تضم قوى إقليمية مثل تركيا والباكستان التي لا تترك مجالاً لإيران لكي تبسط نفوذها عليها. مقابل الواقع الذي تمثله المنظمتان فإن الأقلمة التي تسعى إليها طهران تطمح إلى بناء فضاء إيراني/فارسي، كما أخبرنا علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني روحاني في تصريحه الشهير حول الإمبراطورية الإيرانية التي تتخذ من بغداد عاصمة لها، وكما أخبرنا محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، في مشروعه إلى قيام «منتدى الحوار الإقليمي» يكون مدخلاً إلى بناء «حلف وارسو» تحتل فيه طهران مكانة موسكو، والدول العربية المشرقية دور دول أوروبا الشرقية.
إن الضمانة الحقيقية ضد هذه التحديات والأخطار هي داخل المنطقة العربية، ما عدا ذلك فإن التطمينات التي تتلقاها دول المنطقة من هذه الدولة أو تلك لن تكون لها أية قيمة حقيقية في سوق الصرف الدولية، وعندما تأتي ساعة الحساب. هذا لا يلغي مغزى وأهمية المحاولات التي يقوم بها حكام وقادة دوليون مثل أوباما لتحسين علاقات بلاده بدول المنطقة العربية، ولا يمنع على الإطلاق من الاهتمام بها ولكن شرط عدم المبالغة في تقدير أهميتها والتعويل عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة