لم يعد الدور الذي تلعبه إيران بقواتها و «حرسها» سراً في دعم النظام السوري. لذلك كان مفاجئاً ومصدراً لكثير من التأويل والتحليل
لم يعد الدور الذي تلعبه إيران بقواتها و «حرسها» سراً في دعم النظام السوري. لذلك كان مفاجئاً ومصدراً لكثير من التأويل والتحليل هذا الجدل القائم بين قائد الجيش الإيراني اللواء عطاءالله صالحي وعدد آخر من ضباطه، من بينهم قائد القوات البرية، حول إرسال قوات إيرانية إلى سورية ومن المسؤول عن اتخاذ هذا القرار.
قائد الجيش نفى المسؤولية وحاول أن يفصل بين دور الجيش ودور ما سماها «أجهزة خاصة»، متجنباً الإشارة بالاسم إلى «الحرس الثوري»، المعروف بتلقي أوامره مباشرة من المرشد علي خامنئي، مثلما هو معروف الدور المهم الذي يلعبه قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني إلى جانب النظام السوري وأجهزته الأمنية.
في دولة أخرى وفي نظام سياسي آخر، كان يمكن أن يشكل إعلان قائد الجيش عدم معرفته بالجهة التي ترسل عناصر من قواته للقتال في بلد آخر، فضيحةً مدويّة، إذ إن المتعارف عليه هو أن الصلاحية الأخيرة لقرار كهذا يفترض أن تعود إلى قائد تلك القوات. غير أن الأمر ليس كذلك في إيران، ففي هذه الدولة المثقلة بكل أنواع المؤسسات، الأمنية والسياسية والاستخبارية، لم يعد هناك مجال للجدل حول هوية صاحب القرار الأخير.
ما يدعو إلى الاستغراب أن يكون قائد الجيش الإيراني اللواء عطاءالله صالحي يجهل هذه الحقيقة. وإلا لما كان خرج بتصريحه المثير، بعد الإعلان عن مقتل عدد من ضباط هذه القوات من أصحاب «القبعات الخضر» التابعين للواء 65، على جبهات القتال هناك. وأشار صالحي إلى أن تلك القوات «متطوعة» وهو لا يتحمل مسؤولية إرسالها. لكنه لم يستبعد أن يكون «جهاز خاص» هو الذي يقوم بإرسال الضباط إلى سورية بصفة «مستشارين».
ثم جاء تأكيد قائد القوات البرية في الجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، بأن الجيش لم يرسل قوات بل «مستشارين بطلب من دمشق». لكن الأغرب كان تفسير بوردستان للسبب الذي دفع الجيش الإيراني إلى عدم إرسال وحدات مقاتلة إلى سورية، إذ قال: «لم نرسل وحدات إلى سورية لأن داعش ليس عدونا الأساسي».
في نظر متابعين للشأن الإيراني، أن هناك 3 أسباب وراء تنصل اللواء صالحي من المسؤولية عن إرسال عناصر جيشه إلى سورية: الأول هو ردة الفعل الشعبية السلبية حيال مقتل هؤلاء في المعارك، وانعكاسات ذلك على سمعة الجيش الإيراني وموقعه، في الوقت الذي يفاخر بقدراته العسكرية، وبجهوزيته للمعارك الصعبة، ما يجعل من الصعب قبول مقتل ضباطه وجنوده في مواجهات مع ما يسميها الإيرانيون «ميليشيات إرهابية».
السبب الثاني هو أن التدخل في سورية يتجاوز المهمة الدستورية الموكلة للجيش الإيراني، وفق المادة 143، التي تنص على أن «مهمة الجيش هي الدفاع عن الاستقلال والحدود والنظام الإيراني».
وبالطبع، فان الحرب السورية لا تهدد نظام إيران ولا حدودها إلا إذا اعتمدت النظرية التي يتبناها «الحرس الثوري» ومعه «حزب الله» وعدد من الميليشيات العراقية المقاتلة إلى جانب النظام السوري، مثل «فيلق بدر» و «عصائب أهل الحق» وسواهما، وهي النظرية القائلة إن سقوط نظام الأسد يهدد «محور الممانعة»، وله بالتالي آثار سلبية على قوة النظام الإيراني في المنطقة كلاً.
أما السبب الثالث الذي يمكن أن يفسر تصريح قائد الجيش الإيراني، فهو تخوفه من أن تلحق العقوبات الدولية بكبار ضباط جيشه، أسوة بما حصل لقادة «الحرس الثوري»، بسبب تدخلهم في الحرب السورية.
أياً يكن التفسير، فان هذا الجدل «العسكري» الدائر في إيران حول دورها في سورية يخفي جدلاً شعبياً أوسع حول الكلفة المعنوية والمادية لهذا التدخل، غير أن هذا الجدل مكتوم الأنفاس حتى الآن، ولعل تصريح قائد الجيش الإيراني يفتح ثغرة في هذا الصمت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة