يبدو أن نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني بات واثقاً أنه أضحى لاعباً ماهراً بالملفات الساخنة الحاكمة لتفاعلات نظام الشرق الأوسط
يبدو أن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني بات واثقاً أنه أضحى لاعباً ماهراً بالملفات الساخنة الحاكمة لتفاعلات نظام الشرق الأوسط، فهو وعلى مدى السنوات الثماني التي انقضت من حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما نجح في أن يفلت من استحقاقات الملف الفلسطيني بإعطاء كل الأولوية لملف البرنامج النووي الإيراني الذي تحول بفعل ضغوط نتنياهو وحكومته واللوبي الصهيوني والحلفاء داخل الكونغرس إلى أزمة تفوق في خطورتها القضية الفلسطينية، وهو الآن يسعى مجدداً إلى القفز عن استحقاقات القضية الفلسطينية إلى إعطاء الأولوية للأزمة السورية، بفرض نفسه لاعباً أساسياً في ترتيبات إنهاء هذه الأزمة من خلال إطلاق «قنبلة الجولان» التي فجرها في وجه كل الأطراف المعنية وخاصة موسكو وواشنطن ليفرض نفسه لاعباً ثالثاً في تحديد المستقبل السوري من ناحية، واحتواء المسعى الفرنسي لعقد مؤتمر دولي يخص القضية الفلسطينية.
فقد بادر نتنياهو في تبجح نادر بعقد جلسة استعراضية لحكومته في هضبة الجولان، هي الأولى من نوعها منذ الاحتلال «الإسرائيلي» للجولان عقب عدوان يونيو 1967، ومن هناك أعلن أن الجولان «ستبقى جزءاً من «إسرائيل» إلى الأبد، وأن انسحاب «إسرائيل» من الجولان ليس مطروحاً على الإطلاق لا في الحاضر ولا في المستقبل، وقد حان الوقت كي يعترف العالم بالسيادة «الإسرائيلية» على الجولان».
الملفت في هذه الخطوة أن نتنياهو تعمدها دون إخفاء كي تصل رسائله التي يريدها إلى كل من يفهم الأمر بالشكل الذي يريده، فهو فعل ما فعل وقال ما قال في وضح النهار. قاله بعد أن أخبر به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل يوم من إعلانه للعالم، وهو فعل ما فعل وهو يعد العدة للسفر إلى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين ليؤكد له رفضه لما ورد في وثيقة المبعوث الدولي في الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا ذات الـ 12 بنداً وعلى الأخص ما ورد في ختام البند الأول منها الذي يقول «... كما أنها (سوريا) بوصفها عضواً من الأعضاء المؤسسين في الأمم المتحدة، ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة وبمقاصده ومبادئه، ومازال الشعب السوري ملتزماً بأن يستعيد مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية».
وليؤكد رفضه أيضاً لما أشيع من وجود تفاهمات أمريكية - روسية تمت مؤخراً، وعبر عنها القرار الدولي رقم 2254 بشأن حل الأزمة السورية، ومن ثم وثيقة دي ميستورا. بل إن نتنياهو زاد على ذلك بإعلانه أمام الرئيس الروسي في لقائه معه (21-4-2016) أن «هضبة الجولان خط أحمر» وأنه «لا تنازل إسرائيلي عنها» وأن «إسرائيل» «ستبذل قصارى جهودها لمنع تبلور جبهة إرهاب إضافية ضدها في هضبة الجولان».
ما فعله نتنياهو بإعلانه هذه المواقف هو أقصى درجات التحدي ومخطئ جداً من يتصور أن الأمر يخص الجولان وحده، ولكنه، في واقع الأمر، يخص كل شبر من الأرض، يعتقد «الإسرائيليون» أنه يهدد، أو قد يهدد الأمن «الإسرائيلي»، وكل شبر من الأرض تراه «إسرائيل» يخدم مصالحها، وعلى الأخص إذا كان هذا الشبر من الأرض يقع في إحدى دول الطوق العربية الثلاث الكبرى التي يراها الفكر الاستراتيجي «الإسرائيلي» مرتكزات التهديد الوجودي للأمن «الإسرائيلي» وهي مصر وسوريا والعراق.
إشارة نتنياهو إلى «الأقليات المضطهدة» أراد بها أن يؤكد أن سوريا لم تكن دولة في يوم من الأيام، وأن ضم «إسرائيل» للجولان ليس اعتداء على سيادة أحد، لأن السيـــادة مرتبطة بوجود دولة، ولعل هذا ما يفسر تعمده إبلاغ جون كيري أثناء اجتماعه به مؤخراً، بأنه «يشكك في أن سوريا ستعود إلى ما كانت عليه من قبل»، ما يعني أن الوقت أضحى لتقسيم سوريا وجني الغنائم، و«إسرائيل» حريــصة، بحكم الجوار، أن تكون أول من يجني هذه الغنائم ويحصل على حصته من أراضي سوريا.
هذا المعنى الذي أكدته وتروج له اللجنة الوزارية التي سبق أن شكلها نتنياهو برئاسة نائبة وزير الخارجية «الإسرائيلي» تسيبي حوتوبلي «لشرعنة ضم «إسرائيل» للضفة الغربية، أي لصياغة الأسس الشرعية والقانونية لقرار ضم «إسرائيل» للضفة الغربية المحتلة، تحت مسمى «يهودا والسامرة» على أساس أنها «لم تكن واقعة تحت سيادة أي دولة عندما احتلتها «إسرائيل» عام 1967».
الرسالة مهمة خصوصاً وأن نتنياهو تعمد أن يعيد ما قاله في اجتماع حكومته بالجولان أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهناك توسع في الرسائل بين ما يخص الجولان، وما يخص الترتيبات المحتملة للملف السوري، وتحديد حصة «إسرائيل» في «صفقات سوريا ما بعد الأسد»، إضافة إلى ما يتعلق بملف مقترح المؤتمر الدولي الخاص بالقضية الفلسطينية، خصوصاً أنه وصل إلى موسكو بعد أيام من زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ناقش مع بوتين بموسكو (18-4-2016) المبادرة الفرنسية الخاصة بعقد مؤتمر دولي حول تسوية النزاع «الإسرائيلي- الفلسطيني».
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة