يقف بعض الناصريين واليساريين والليبراليين المعارضين لحكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الآن في الجانب نفسه الذي تقف فيه جماعة الإخوان
يقف بعض الناصريين واليساريين والليبراليين المعارضين لحكم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الآن في الجانب نفسه الذي تقف فيه جماعة «الإخوان المسلمين» تجاه الحكم، وكأن لا شيء تغير، ولا زمن مر، ولا تجارب أجريت، ولا محطات يفترض أن تصقل القوى السياسية وتزيدها حنكة وتجعلها تعدل مواقفها وتصوب أخطاءها، أو كأن الخلافات بين تلك القوى و «الإخوان» كانت مجرد تباينات في وجهات النظر إزاء قضية تافهة أو سطحية أو غير استراتيجية، وليست عن دماء سالت ووطن كاد يضيع.
دعك هنا من خطاب سياسي وإعلامي تتبناه القوى التي تطلق على نفسها صفة «الثورية»، ويحوي أحياناً «انتقادات» أو ربما حتى شتائم موجهة إلى «الإخوان» واتهامات بركوب الموجة أو التسبب بفشل التظاهرات والمظاهر الاحتجاجية للثوار كلما أعلنت الجماعة المشاركة فيها، فالمهم أن المواقف واحدة مهما تباينت العبارات والهتافات. لكن المؤكد أن تلك القوى فقدت كثيراً من شعبيتها وما تبقى لها من صدقية نتيجة اقترابها من مواقف «الإخوان»، مهما حاولت التنصل منهم أو الظهور بمظهر معادٍ لهم أو مختلف عنهم.
معروف أن «الإخوان» غير مبتكرين، وينقصهم دائماً الخيال سواء أكانوا في الحكم أو عادوا إلى صفوف المعارضة. وتجربتهم في حكم مصر لا تحتاج إلى براهين أو أدلة على الفشل، كما أن أداءهم بعدما خلعهم الشعب من السلطة لا يحتاج إلى شرح أو تفنيد لإثبات سعيهم إلى إسقاط الدولة وليس النظام، والانتقام من كل طرف لم يساندهم، بما في ذلك الشعب المصري نفسه. كما أن أساليبهم في الاعتماد على دول تدعمهم، وفضائيات تبث من خارج مصر، والاستقواء بالغرب، وكذلك نشر الإشاعات والأكاذيب وترويج الإحباط، كلها أمور بدا كأنها صارت جزءاً من مبادئهم وأفكارهم وتراثهم!
والطبيعي أن القوى الأخرى أكثر ديناميكية وقدرة على الابتكار بحكم خبراتها السياسية والمحكات التي خاضتها في معارضة الأنظمة المتعاقبة، وكذلك لعدم استخدامها الدين لتغليف سلوكها أو مبادئها أو أفكارها، وبالتالي هي أكثر انفتاحاً وأقل انغلاقاً. اللافت هنا أن «الإخوان» نجحوا في جذب هؤلاء إلى أرضيتهم وليس العكس، وأنتج التحالف الضمني بين الفريقين رتابة وتكراراً وتلوناً وأساليب لم تعد تنطلي على الشعب المصري الذي صار أكثر حنكة ومقدرة على الفرز، إذ أصبح هناك من يدون ويرصد كيف تغيرت أحوال «الإخوان» وتبدلت وفق مصالحهم منذ أن كانوا في الحكم، وكيف قفز «الثورجية» من موقف إلى آخر، ومن التعاطف مع «الإخوان» إلى معاداتهم ثم التحالف ثم الصدام ثم الانضواء تحت عباءتهم.
ويكفي هنا الإشارة إلى نماذج من ألوان السلوك «الإخواني» و «الثورجي» في مواقف مختلفة لإدراك حجم التناقضات والمواقف وفق المصالح، فعندما عزل محمد مرسي المشير حسين طنطاوي وأتى بعبدالفتاح السيسي وزيراً للدفاع وصفه «الإخوان» بأنه «وزير دفاع بنكهة الثورة»، لكن حين استجاب السيسي لثورة الشعب على «الإخوان» وأسهم في عزل مرسي، قالوا أنه «صناعة أميركية».
بطبيعة الحال، لم يقف التناقض عند هذا الحد، إذ عندما أعلن السيسي مشروع «قناة السويس الجديدة» صرخ «الإخوان» وادعوا أنه «مشروع مرسي» نفسه، وبعدها وفي سبيلهم إلى إحباط الشعب قالوا «مفيش فلوس وهيبيع المشروع إلى الإمارات». وحين دعا السيسي الشعب إلى المساهمة في التمويل سخر «الإخوان» وروَّجوا أن المصريين لن يساهموا، ورداً على طوابير الراغبين في التمويل أمام البنوك جاء «الإخوان» يحذرون الناس من أن الرجل «يبيع لهم الوهم»، وحين بدأ الحفر قالوا أن المشروع سينهار. ولم يدرك «الإخوان» خطأهم، فعادوا الآن لتكراره بعد إعلان جسر الملك سلمان، إذ قالوا أنه «سيضيع قناة السويس الجديدة والقديمة» بعدما جذبوا إلى موقفهم من موضوع الجزيرتين «الثورجية» والناشطين من اليمين واليسار.
ومع كل عملية إرهابية في سيناء، أو غيرها، يصرخ «الإخوان» بأن الإرهاب «فزاعة» يفتعلها السيسي. ومع سقوط الشهداء من الجنود قالوا: «الجنود تحارب وتموت، والضباط جالسون في المكيفات»، وحين سقط شهداء من القيادات قالوا: «هذا جزاء من يقتل المستضعفين في سيناء ويُهجر أهلها»!
ويصل التناقض أحياناً إلى درجة الهزل، كما حدث عندما تم اكتشاف حقل الغاز في البحر المتوسط وقالوا: «هذا وهم». وحين شرح السيسي تفاصيل المشروع العملاق، وقال: «لو كان لقبرص حق في الغاز لأعطيته لهم» عادت الجماعة لتحذر المصريين من أن الرجل «سيتنازل عن الغاز المصري لقبرص».
وما زال المصريون يتذكرون حادثة قتل الأقباط المصريين في ليبيا، وقتها تساءل «الإخوان»: «أين مسافة السكة؟»، وهتفوا: «يسقط يسقط أي رئيس طول ما الدم المصري رخيص». وعندما دك الطيران المصري «داعش» في ليبيا، قالوا: «الجيش يقتل المدنيين والأطفال في ليبيا، ويساعد حفتر».
«الإخوان» ضد الدولة في مصر على طول الخط، وسيبقون كذلك، ولن يُقروا أبداً بسلامة أو صحة أو فائدة قرار أو إجراء أو تصرف. وهكذا أصبح «الثورجية» معهم في الجانب ذاته، بينما الشعب على الجانب الآخر.
*- نقلًا عن جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة