بحلول يناير 2017 المقبل، يتعين على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يغادر منصبه كأمين عام
بحلول يناير 2017 المقبل، يتعين على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يغادر منصبه كأمين عام، وأن يُختار للمنظمة الدولية أمين عام جديد، وفي هذه المرة تدفع اتجاهات باختيار امرأة لتكون في منصب الأمين العام؟
الأمين العام هو في الواقع رهن بمواقف الدول الخمس الفاعلة، لأن لديها حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن، وحال أراد أي أمين عام أن يبلور رؤية بعينها أو يتعاطى بعدالة وموضوعية مع القضايا الدولية، يكون مصيره مثل بطرس غالي، الذي كلفه تقرير مذبحة قانا، وتوجيه اللوم لإسرائيل منصبه في الولاية الثانية منصبه.
كان هناك ثمانية مرشحين بدأوا منذ الأسبوع الأول من أبريل المنصرم تقديم خطابات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يعبرون فيها عن آرائهم ومعتقداتهم، وهذا شكل جديد في الاختيار هذه المرة، لكن الكلمة الفصل تبقى للخمسة الكبار.
يلفت الانتباه في أسماء المرشحين غياب أي عربي من بينهم، وكأنه على العرب أن يمتنعوا، وهؤلاء حتى الساعة في تاريخ المنظمة الدولية لم يمثلهم أحد بحسب الاختيارات المرتبطة بجغرافية العالم، فبطرس غالي كان مرشحا أفريقيا في الأساس من قمة أبوجا، حيث وقع الاختيار عليه إلى قمة ياوندي، حيث طالب الأفارقة له بولاية ثانية قبل أن تتزعم مادلين أولبرايت حملة رفض ترشيحه من جديد.
الحديث الآن يدور عن نصيب دول أوروبا الشرقية في الحصول على المنصب، غير أن المتابع للمشهد يرى أنه لا توجد شخصية تتمتع بكاريزما قوية بينهم تستطيع أن تقود المنظمة الأممية في هذا العالم القلق الحائر.
هل الأمم المتحدة بأوضاعها الآنية صالحة للتعاطي مع القضايا والمعضلات الكونية المستجدة؟
عند الرجل الذي رأى أن التاريخ قد انتهى وانتصر عبر نموذج الرأسمالية أي فرانسيس فوكوياما، أن العالم اليوم لا يمتلك ما يكفي من المؤسسات الدولية التي تستطيع أن تسبغ الشرعية على العمل الجماعي، وسيكون إنشاء مؤسسات جديدة قادرة أن توازن على نحو أفضل بين متطلبات الشرعية والفاعلية، هو الواجب الاسمي للجيل المقبل.
يمكن القطع بأن الأمم المتحدة في أزمة جوهرية منذ نهاية الحرب الباردة وحتى اليوم، لا سيما أنه ومع بداية الألفية الثالثة بدا وكأن قلب الأمم المتحدة النابض، أي مجلس الأمن قد أصيب بعطب كبير، ذلك أنه لم يعد يمثل توازن القوى الحقيقية حول العالم، كما كان الأمر في نهاية الأربعينات، فهناك قوى دولية مثل ألمانيا واليابان والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، باتت تلعب دورا فاعلا على الخريطة الدولية، لكنها غير ممثلة في المجلس، عطفا على أن عدم وجود قوة تنفيذية قادرة على التأثير لوجيستيا في الأحداث حول العالم يجعل الأمم المتحدة برمتها كيانًا تنظيريًا، وبخاصة حال أرادت قوة ما بعينها التدخل عسكريًا في أي بقعة أو رقعة حول العالم، كما فعلت أمريكا من قبل.
هل واشنطن عقبة في طريق أمم متحدة فاعلة ونافذة، ولها من الصلاحيات ما يكفل الهيبة والالتزام لقراراتها؟
ليس الأمر على هذا النحو بمطلقية المشهد، فالرئيس الأمريكي وودرو ولسون هو من قام بتأسيس عصبة الأمم، وفرانكلين ديلانو روزفلت كان منشئ الأمم المتحدة، ولهذا فإنه لا يوجد سبب يمنع من إحياء أمم متحدة جديدة من وسط الرماد، مثل طائر العنقاء الأسطوري، لكن هنا لا بد أن تكون هناك قيادة أمريكية سياسية مقتنعة بفكرة «العقد الاجتماعي» عند جان جاك روسو.
هل يتوافر هذا الطرح في المرشحين القادمين للرئاسة الأمريكية؟
لا جملةً وتفصيلاً، فهيلاري كلينتون عند الديمقراطيين في مقدمة المدافعين والمنافحين عن استراتيجية «الاستدارة نحو آسيا» أي قطع الطريق على صعود الصين إلى مصاف القطبية العالمية، ووقف الصحوة الروسية البوتينية، وعليه فهي ليست من يدعم أمم متحدة قوية تصد وتحد طموحات أمريكا الإمبراطورية. أما ترامب عن الجمهوريين فعنصريته الواضحة والفاضحة وضيق أفقه السياسي وقلة خبرته، جميعها تمنعه من الفهم الأولي لمعنى ومبنى ومغزى هذا الكيان الأممي، الذي لا تفصله سوى بضعة أمتار عن ناطحاته في نيويورك.
بعض التسريبات تذهب إلى أن الجميع يبحث عن شخصية طاغية للمنصب بعيدًا عن الشخوص المرشحين، وتشير إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد تكون هذا الخيار.. هل سيرضى الكبار بعودة الألمان إلى الواجهة من جديد؟
الأمم المتحدة بهيئتها وتركيبتها الحالية عصية على الإصلاح، والحل ربما لا يتمثل في مؤسسة كونية جديدة مختلفة، بل بالأحرى تعددية من المنظمات الدولية التي تستطيع أن توفر القوة والشرعية على حد سواء لأنواع مختلفة من التحديات العالمية الجديدة.
*- نقلًَا عن صحيفة الأيام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة