حددت الحركة الصهيونية، سقف أطماعها السياسية فكانت حدود "المشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات"
في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل بسويسرا في العام 1897، دار الحديث عن «أرض الميعاد» تحت شعار «من النيل إلى الفرات»، بحسب ما جاء في «الوعد الإلهي» المزعوم! وعندما صدر «وعد بلفور» في العام 1917، تحدث عن «وطن قومي لليهود في فلسطين»، دون تحديد. ونص قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة (رقم 194)، على فلسطين إلى «دولتين: يهودية 54%، وعربية 46% »، لكن حرب 1948 انتهت بوضع العصابات الصهيونية يدها على 78% من فلسطين التاريخية. وفي نهاية حرب حزيران 1967، بدا للبعض أن الفرصة لإحياء «حدود مؤتمر بازل» أصبحت قريبة باحتلال ما بقي من فلسطين، وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية. لكن حرب تشرين 1973 أعادتها إلى حدود فلسطين التاريخية، لأن قرار مجلس الأمن، رقم 242، نص على «عدم جواز ضم أراضٍ بالقوة»!
في المؤتمر الصهيوني الأول، حددت الحركة الصهيونية، إلى جانب مرتكزاتها الإيديولوجية وأساطيرها الدينية، سقف أطماعها السياسية فكانت حدود «المشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات». لكن «وعد بلفور» البريطاني - الأوروبي، كان له هدفان: 1 التخلص من اليهود في شكل تكفير عن «المحرقة». 2 إقامة قاعدة استعمارية وسط الوطن العربي، يمنع قيام وحدة أو اتحاد بين البلدان العربية، لإبقائها مجزأة ضعيفة، معتمدة ومرتبطة بالغرب، وتابعة له، حفاظاً على مصالحه في المنطقة، كما استبطنت اتفاقية سايكس- بيكو البريطانية - الفرنسية للعام 1916.
بعد حرب حزيران، ضمت «إسرائيل» إليها «القدس الكبرى»، وقبل أيام أعلن رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو أن هضبة الجولان المحتلة لن تعود لسوريا، في أية تسوية محتملة! قبل ذلك. وبعد «اتفاقية كامب ديفيد» و«اتفاقية السلام» مع مصر في العام 1979، أعادت «إسرائيل» سيناء بشروط أفقدت مصر السيادة عليها. في العام 1993، تم التوقيع على «اتفاق أوسلو» بين الحكومة «الإسرائيلية» ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد أكثر من عشرين سنة من بدء ما يسمى «عملية السلام في الشرق الأوسط»، ومفاوضاتها في إطار ما يُسمى «حل الدولتين»، اتضح أنه لا توجد إمكانية لتنفيذ هذا الحل، ليس لأنه لم يبق من الأرض ما يسمح بقيام «الدولة الفلسطينية» الموعودة فقط، بل لأن القوانين والتشريعات التي سنت وتسن بشأنها تلغي الفكرة من أساسها، ليأتي ما أعلنته وزيرة «العدل»، إيليت شكيد، آخر المسامير في نعشها، حيث أعلنت عن نيتها تقديم قانون جديد لإقراره في الكنيست، ينص على إخضاع الضفة الغربية للقوانين والتشريعات «الإسرائيلية»، وهو ما يعني ضم الضفة الغربية المحتلة!
لقد أعلنت شكيد عن نيتها، وقالت في التفصيل إن القانون الذي تعتزم تقديمه للكنيست، يهدف إلى «مساواة كل المستوطنين» في المعاملة، وحيث يتم إخضاع كل فلسطين للقوانين والتشريعات «الإسرائيلية». وبالنسبة للضفة الغربية، سيتم إقرار القانون كأمر عسكري «لقائد المنطقة الوسطى في الجيش «الإسرائيلي» المسؤول عن الضفة الغربية»، وبذلك تم تجاهل ما يسمى «الخط الأخضر» وحدود ال1967 للضفة الغربية. وقد وصفت صحيفة (معاريف - 1/5/2016) هذا القانون بأنه «قنبلة سياسية»، وقالت إنه سيقدم في الكنيست في الأسابيع المقبلة، واعتبرته «الأكبر منذ احتلال 1967». وتوقعت الصحيفة «الإسرائيلية» أن يحظى القانون بأغلبية الأعضاء عند التصويت عليه! يذكر أن قانوناً مشابهاً للقانون الجديد، كان قد قدم في ولاية حكومة نتنياهو الثالثة من قبل النائبة المستوطنة في الخليل، أوريت ستروك، وعضو الكنيست من (الليكود) ياريف ليفين، لكن نتنياهو أوقف عملية التصويت في حينه، بسبب معارضة مستشار الحكومة القضائي، وخوفاً من ردود الفعل العالمية المتوقعة عليه.
ويأتي الإعلان عن النية بتقديم هذا القانون، بعد أيام من رفض نتنياهو «المبادرة الفرنسية» رسمياً، والتي تقوم على احترام «حل الدولتين»، ما يشير إلى التوجهات الرسمية والحقيقية التي تخطط لها حكومة نتنياهو. وترى صحيفة (معاريف) أن اليمين المتطرف الذي تمثله شكيد (من البيت اليهودي) اختار هذا التوقيت استغلالاً لانشغال الولايات المتحدة بانتخابات الرئاسة، حيث لن تكون مهتمة بما يجري في الأراضي الفلسطينية! وفي رأيي الشخصي أن ما ذهبت إليه الصحيفة «الإسرائيلية» ربما يقع في إطار تقديم «المبرر» للإدارة الأمريكية، حتى لا تتدخل في الخطوة «الإسرائيلية» المقبلة. ويرجح هذا الرأي أن الإدارات الأمريكية لم تتخذ موقفاً عملياً واحداً ضد كل قرارات وإجراءات الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة، خلال العشرين عاماً التي رعت فيها «مفاوضات عملية السلام» المزعومة، وخصوصاً في ما يتعلق بالاستيطان، وبناء المستوطنات، رغم إعلاناتها المتكررة عن عدم شرعيتها!
ويبقى سؤال موجه لسلطة أوسلو الفلسطينية: ما رأيكم، وماذا سيكون موقفكم، بعد أن كشفت حكومة نتنياهو عن آخر نواياها ؟!
*- نقلاً عن صحيفة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة