فجوة واسعة بين برامج القوى الفلسطينية المختلفة في بنود برامجها تُصعّب عملية اتفاق القوى السياسية الفاعلة.
لم ينفك الفلسطينيون من الدعوة إلى ضرورة اتفاق القوى السياسية الفاعلة على برنامج سياسي موحد، يجسر الفجوة الواسعة بين برامج القوى الفلسطينية المختلفة في بنود برامجها بدءاً من تعريف حدود فلسطين وليس انتهاءً بالاتفاق على أشكال مقاومة الاحتلال وأساليبه النضالية المختلفة.
يرد الكثيرون السبب الرئيس للخلاف إلى تبنّي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية برنامج النقاط العشر عام 1974، والمعروف بالبرنامج "المرحلي" والقاضي بقبول بإنشاء سلطة فلسطينية على أي قطعة محررة من فلسطين، وهو ما اعتبرته قوى فلسطينية آنذاك بأنه يشكل بديلاً عن الميثاق الوطني الفلسطيني (1968) الذي تأسس الكفاح المسلح الفلسطيني على أساس تحقيقه.
ثلاث رؤى
يرى عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية وعضو دائرتها الثقافية د. وسام الفقعاوي، أن حالة الافتراق ترسّخت نتيجة افتراق الرؤى السياسية وغياب الاستراتيجيات الوطنية الموحدة لجميع الفصائل.
ويوضح الفقعاوي، أن الهدف الذي انطلقت من أجله الفصائل هو "تحرير فلسطين"، إلا أن كل فصيل يتعامل مع هذا الهدف من منظوره الخاص، مشيرًا إلى أن الافتراق السياسي للفصائل ازداد رغم جميع محاولات الالتقاء التي تمثلت في اتفاقيات المصالحة في السنوات الثماني الأخيرة.
ومنذ مؤتمر القاهرة عام 2005م مرورًا بوثيقة الوفاق الوطني عام 2006م واتفاق مكة عام 2007م، والمبادرة اليمنية عام 2008م، والورقة المصرية عام 2009م، وإعلان الدوحة عام 2012م، ومؤتمر القاهرة عام 2013م وصولًا إلى اتفاق الشاطئ عام 2014م، لم تتمكن قيادات حماس من جهة وفتح ومعها فصائل منظمة التحرير من جهة أخرى، من تحقيق أي تقارب حاسم في نقاط الاختلاف والتوصل إلى أرضية مشتركة تجمعهم على برنامج سياسي موحد.
وبيّن الفقعاوي أن افتراق الفصائل عبّر عنه الواقع من خلال ثلاث رؤى مختلفة كل منها تنظر للصراع مع العدو الصهيوني وربيبته "إسرائيل"، من زاوية مختلفة؛ الأولى تعد "الصراع" صراعا وجوديا ومصيريا وشاملا، والثانية تنطلق من كون الصراع صراعا يمكن حله عبر عملية تسوية وبطرق سلمية وهو ما تمخض عنها اتفاق أوسلو وتداعياته، أما الثالثة فهي رؤية تنطلق من كون أن الصراع مع الاحتلال هو صراع ديني.
واعتبر أن أهم وأكبر سبب يحتم على الفصائل جسر فجوتها أو الافتراق في برامجها يتمثل في وجود الاحتلال بين ظهرانيها، عادًّا أن استمرار هذا الافتراق هو أمر معيب، خاصة في ظل ما يُمارسه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني من جرائم وإرهاب تحت غطاء دولي إقليمي.
ولفت الفقعاوي إلى أن عوامل عدة تفرض على القيادة السياسية للفصائل اتخاذ خطوات جدية نحو الالتقاء على برنامج سياسي موحد، خاصة بعد فشل خيار التسوية وانكشاف الدور المشبوه لبعض القوى الإقليمية تجاه القضية الفلسطينية، إضافةً إلى عدم قدرة أيٍّ من المنقسمين "فتح وحماس" على تحقيق "برامجهما الخاصة" حتى في مواقع انقسامهما جغرافياً في قطاع غزة والضفة الغربية، مشددًا على أن الفلسطينيين لا يملكون الكثير من الوقت لاستمرار الوضع الكارثي الذي نعيشه.
وعن إمكانية التقاء الفصائل وتوحدها على برنامج مشترك، شدد القرعاوي على أن هذا مناط بتوفر القناعة والإرادة السياسية لهذه الفصائل للتوحد أولًا وإنهاء الانقسام ثانيًا للوصول إلى استراتيجية وطنية موحدة، ترتكز على حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن ذلك يتطلب مراجعة سياسية شاملة لمسار العمل الوطني خلال العقود الأربعة الماضية لشق مسار جديد يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية انطلاقًا من أفكار وأهداف ومؤسسات وطنية جامعة وموحدة.
الانحياز لـ"فتح"
أما عضو المجلس التشريعي عن حركة "حماس" فتحي القرعاوي، فيرى أن هناك عدة أسباب لافتراق برامج الفصائل، أهمها التحاق فصائل يسارية وحركة "فتح" بركب السلطة فيما يتعلق بعملية التسوية واتفاق أوسلو واعتبار السلام خيارا استراتيجيا والانقلاب على الكفاح المسلح واستبداله بالمقاومة الشعبية فقط، في الوقت الذي تعتبر فيه الفصائل الإسلامية أن المقاومة بكل أشكالها ومنها المسلحة هي السبيل لدحر الاحتلال، لا "الشعبية" فقط.
وتابع:" كما أن الانقسام السياسي بين غزة والضفة عام 2007م، وسيطرة حركة حماس على غزة وحركة فتح على الضفة الغربية، أدى إلى اتساع الهوة بين الفصائل أفضت لحدوث تباعد واضح في البرامج ناتج عن حالة شبه انسجام بين الفصائل اليسارية والسلطة أثّر على أدائها المقاوم وعلى علاقاتها بالحركات الإسلامية خاصة حركة حماس".
إرادة حقيقية
وأشار إلى أن هبّة الأقصى الأخيرة أحدثت واقعًا جديدًا، خاصة في ظل مشاركة واسعة من مجمل أبناء الشعب الفلسطيني على مختلف فصائلهم، وهو ما شكل وحدة ميدانية دون تدخل مباشر من هذه الفصائل، مبينًا أن الفصائل يمكن لها الاستفادة من هذا الحراك على صعيد تحقيق المصالحة وإنشاء قيادة موحدة لتوجيه هذه الهبّة لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.
وبين أن تحقيق هذه التطلعات يتطلب من "فتح" على وجه الخصوص توفير إرادة حقيقية للانخراط مع جميع الفصائل بما فيها "حماس" في برنامج سياسي مشترك وعدم الالتفات إلى القيود التي كبّلت بها قرارها الوطني والمتمثلة باتفاق أوسلو وما ترتب عليه ما اتفاقيات خاصة، إضافةً إلى التهديدات الأوروبية الأمريكية بمعاقبة السلطة وقيادتها إذا ما اتخذت قرارا مثل هذا.
عوامل داخلية وخارجية
بدوره يرى المحلل السياسي سري سمور أن افتراق البرامج السياسية للفصائل ناتج عن عوامل متعددة داخلية وخارجية.
ويوضح أن العوامل الداخلية تتمثل في اعتقاد كل فصيل بأن برنامجه السياسي ورؤيته السياسية للصراع هي الأصوب، أما الخارجي فيتمثل بتأثر هذه الفصائل بامتداداتها الخارجية وضغوطات بعض الدول عليها.
وأشار سمور إلى أن هذه الخلافات تخضع لتقلبات الرأي من حيث درجة حدّتها خاصة في ظل انعدام الاتفاق على برنامج سياسي مشترك وموحد للفصائل، منوهًا إلى أن الوصول إلى هذا البرنامج المشترك أمرٌ صعبٌ إذا ما تم استحضار تدخل أطراف إقليمية ودولية بموقف ورؤى الفصائل والتأثير على قراراتها.
وأضاف: "لو ترك النظام العربي الرسمي الشعب الفلسطيني وفصائله يتصرفون وفق رؤيتهم الوطنية الخاصة، لاتّحدوا منذ زمن على برنامج سياسي مشترك قابل لتحقيق أهدافه وبسرعة أيضا". مشيراً إلى أن الوحدة الميدانية الفلسطينية خلال أيام الهبة الشعبية الحالية، تؤكد ما ذهب إليه.
ويعتقد الفلسطينيون أن ما أفرزته الهبة الشعبية الحالية من وحدة الفلسطينيين خلف قضيتهم المركزية، يتطلب من قادة الفصائل ترجمته في المستوى السياسي بالاتفاق على تحقيق برنامج موحد يقدم القضية الفلسطينية بلسان واحد.
aXA6IDMuMTQ1LjY0LjI0NSA= جزيرة ام اند امز