حرائق القاهرة.. لهيب الاتهامات يلسع الجميع
الحديث عن الحرائق بالقاهرة طغى على حديث السياسة في الشارع المصري مؤخرا، فلم يعد هناك صوت يعلو على صوت الحرائق.
الحديث عن الحرائق بالقاهرة طغى على حديث السياسة في الشارع المصري مؤخرا، فلم يعد هناك صوت يعلو على صوت الحرائق، التي طالت أكثر من سوق وحي بالعاصمة المصرية.
وكما أحرقت النيران العديد من المنشآت التجارية والأسواق امتد لهيب الاتهامات ليطال الجميع، بين من يحمل جماعة "الإخوان" الإرهابية، المسؤولية، ومن يرى الدولة المسؤول الأول بسبب "الإهمال"، وفريق آخر لا يبرئ أصحاب المنشآت التجارية أنفسهم.
فلم يمر سوى ساعات قليلة على إخماد نيران منطقة "الرويعي" بالعتبة، بعد احتراق معظم المحال، الا وشب حريق آخر بمنطقة الغورية بالدرب الأحمر، لتنجح قوات الحماية المدنية في السيطرة عليه، لكن بعد أن التهم عقار تجاري مكون من 7 طوابق دون إصابات بشرية .
وقبلهما شهدت القاهرة سلسلة من الحرائق أيضا أبرزها استعال النيران بمول تجارى للمعدات الكهربائية بالأوبرا في منطقة العتبة أيضا، وقبله حريق التهم عشرات المحال بحارة اليهود بالجمالية.
ومنذ قترة ليست بعيده احترق سنترال الأوبرا ودمرت معظم المكاتب الإدارية بداخله، حتى أن البعض ربط بين ما يحدث "وحريق القاهرة" الشهير.
وفي 26 يناير/كانون الثاني 1952 اشتعلت النيران في عدة منشآت بالقاهرة، وخلال ساعات التهمت النار نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة، ولم يعرف الفاعل حتى اليوم، غير أن الاتهامات حينها طالت الملك والاحتلال الإنجليزي.
الحكومة المصرية من جانبها أدركت فداحة الأمر، لا سيما وأنه بات الشغل الشاغل للمصريين، فلم تكن مفاجأة أن يبدأ رئيس الحكومة شريف إسماعيل، نشاطه اليومي، الأربعاء، بزيارة إلى منطقة الغورية لمتابعة جهود الحماية المدنية فى السيطرة على الحريق.
لكن الغرض الأهم من الزيارة كان طمأنة سكان المنطقة وأصحاب المحال والمترددين عليها، وكأنها رسالة بجدية الحكومة في التعامل مع تلك الحرائق، التي تحولت إلى ظاهرة.
وتحولت مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحة اتهامات من قبل الباعة المتضررين من الحرائق بأن وزارة الداخلية تقف وراء الحريق لنقل الباعة من تلك المنطقة، الأمر الذى نفته وزارة الداخلية جملة وتفصيلا، وأرجعت انتشار كرات اللهب بصورة كبيرة إلى تخزين مواد ساعدت على اشتعال النيران.
وثمة قطاع آخر ألقى بالاتهام على جماعة "الإخوان" الإرهابية لإشعال الفتنة وزيادة الاحتقان بين المواطنين تجاه الحكومة.
ولم تنج الدولة كذلك من لهيب الاتهامات فرأى البعض أن الحرائق قد تكون مقصودة في هذا التوقيت، متبنين في ذلك سيناريو "الإلهاء" الذي قد تلجأ إلى الدولة، في رأيهم، من أجل إشغال الرأي العام بقضايا أخرى، أقل أهمية، من أزمات سياسية قائمة.
بل وطالت الاتهامات أصحاب المحال التجارية أيضا بدعوى البحث عن تعويضات من جانب الدولة تفوق قيمة محالهم.
وحتى اللحظة لم تعلن السلطات الرسمية ممثلة في المعمل الجنائي أسباب الحرائق، وما إذا كانت بفعل فاعل أما أنها نتيجة للإهمال، غير أن تصريحات نسبت لمسؤولين تقول إن الماس الكهربائي هو العامل المشترك في تلك الحرائق.
وفي محاولة للبحث عن الفاعل قال حسام القاويش، المتحدث باسم الحكومة، إن هناك لجنة فنية متخصصة تم تشكيلها لبحث ملابسات حريق الرويعى، والوقوف على أسبابه، وستقوم بدورها ببحث ملابسات حريق الغورية أيضا، لكي يتم اتخاذ اللازم، مضيفاً أن وزارة التضامن الاجتماعي تقوم بإجراء حصر للمتضررين المستحقين بالمنطقتين لبحث تقديم التعويض المناسب لهم.
وفي رسالة أخرى أكثر وضوحا بجدية الحكومة في التعامل مع تلك الحرائق، طلب رئيس الوزراء من القائم بأعمال محافظ القاهرة ضرورة مراجعة إجراءات الحماية المدنية في تلك المناطق التجارية والصناعية، والتأكد من معايير السلامة والأمان.
وذهب الدكتور أحمد هيبة، خبير السلامة والصحة المهنية، إلى تفسير أسباب تلك الحرائق بأنها تعود إلى ماس كهربائي، وقال لبوابة "العين" الإخبارية: "لا غرابة في أن تكون أغلب تلك الحرائق بسبب ماس كهربائي، بل على العكس كل المؤشرات تؤكد ذلك".
ودعم هيبة ما ذهب إليه بالقول "التوصيلات الكهربائية واستخدام معدات غير مطابقة للمواصفات، والتكديس المستمر في هذه الأسواق، فضلًا عن وجود مواد قابلة للاشتعال من أخشاب ومواد بلاستيكية، وأقمشة، سبب كاف للحرائق".
هيبة، لفت إلى أن الحادثة بسبب عدم احتمال ضغط الكهرباء، وكثرة أعداد الباعة، وزيادة استخدام الأسلاك والكابلات، مشيرا إلى أن تحديد الفاعل، وتبني نظرية المؤامرة من عدمه يتوقف على التحقيقات وفحص المكان، ومعرفة كيف تم الإشعال ومكان بدايته.
خبير السلامة والصحة المهنية، الدكتور هيبة استبعد أن يكون الفاعل أصحاب الأسواق والمصانع، فعلى حد قوله، هؤلاء قوم يكسبون قوت يومهم، فكيف يقومون بحرق مصادر أرزاقهم.
اللواء عبد العزيز توفيق، مساعد وزير الداخلية المصري للإدارة العامة للحماية المدنية، قال في تصريحات لبوابة "العين" إن ثمة اقتراحا يجب أن يكون على طاولة مشروعات الحكومة في أسرع وقت وهو إصدار تشريعات تلزم أي منشأة سواء أكانت صناعية أو تجارية أو سياحية بالتأمين ضد أخطار الحريق لاستخدامها في حاله حدوث حريق، بحيث تتحمل شركات التأمين الكلفة وليس الدولة.
وبحسب توفيق فإن الدولة تتحمل العبء الأكبر من الخسائر جراء تلك الحرائق، متهما أصحاب الأنشطة التجارية بعدم الوعي بأهمية اشتراطات الأمن الصناعي، مضيفا بنبرة غضب: "الإهمال هو دائما سيد الموقف والحكومة هي من يدفع ثمن ذلك".
وناشد مسؤول أمني بمديرية أمن القاهرة المحافظة بتفعيل دور المحليات في تنفيذ جميع قرارات الغلق للمنشآت التجارية المخالفة لاشتراطات الحماية المدنية والأمن الصناعي وعدم إعادة فتحها مرة أخرى كما يحدث.
فيما كشف مسؤول بمحافظ القاهرة، لبوابة "العين" الإخبارية أن ثمة خطة لنقل كافة الأسواق العشوائية إلى أماكن بديلة بعيدة عن الكتل السكنية حتى لا تتكرر مأساة الرويعي والغورية، مؤكدا أن الدولة ستتعامل مع هذا الملف بجدية خلال الفترة القادمة لبحث عدد الأسواق والأماكن البديلة المقترحة، لأن وجودها يعد بمثابة قنابل موقوتة مزروعة وسط التجمعات السكنية.
aXA6IDMuMTUuMTQ5LjI0IA== جزيرة ام اند امز