صناعة الإعلام في مصر.. مليارات مستترة وصفقات مبهمة
منذ ما يقرب من 15 عاما، كان المصريون لا يعرفون سوى الإعلام الرسمي للدولة المتمثل في القنوات الأرضية للتلفزيون الأرضي والباقة الإقليمية
أن تكون رجل أعمال في مصر تمتلك مجموعة من الاستثمارات والشركات متعددة المجالات، فهذا ليس كافيا، فالصورة لن تكتمل سوى بامتلاك وسيلة إعلامية، ربما للشهرة أو لترويج المنتجات الخاصة وتمرير الأفكار والسياسات التي تخدم المصالح الاقتصادية للمالك، وقد يكون الأمر من أجل الربح والاستثمار كما آلت اليه الأحوال في مصر مع مطلع الألفية الجديدة.
منذ ما يقرب من 15 عاما، كان المصريون لا يعرفون سوى الإعلام الرسمي للدولة المتمثل في القنوات الأرضية للتلفزيون الأرضي والباقة الإقليمية التي كانت تبث إرسالها عبر 8 قنوات تغطي كل أنحاء جمهورية مصر العربية شمالا وجنوبا، حتى بدأت في الظهور القنوات الخاصة التي جذبت شريحة كبيرة من المصريين الذين بادروا بالبحث عنها والاشتراك بها.
التفات ملايين المشاهدين فجأة للقنوات الخاصة جذب أصحاب المال والاستثمار الى امتلاك وسائل إعلامية، وكان الأمر في بادئه مبهما لدى الكثيرين، فمن الوجاهة أن تمتلك قناة فضائية، على الأقل سيصبح لك ذراع إعلامية تعبر عن سياساتك وتوجيهاتك، ولسان يتولى الرد عنك في وقت الأزمات، لكن الجانب الربحي والاستثماري لم يكن مضمونا منذ البداية، فلم تظهر الوكالات الإعلانية في مصر وتتضخم إلى هذا الحد الذي أصبحت عليه.
وأبرز من اقتحم الساحة الإعلامية في مصر من رجال الأعمال مع ظهور القنوات الخاصة كان رجل الأعمال المصري أحمد بهجت بامتلاكه لقناتي "دريم 1 و دريم 2" وقد لاقتا شعبية جارفة لدى المشاهدين، حيث ظهر عليها أول برنامج توك شو يومي "العاشرة مساء" من تقديم الإعلامية منى الشاذلي على دريم 2، بينما تميزت القناة الأخرى بالجانب الترفيهي والغنائي، وأيضا رجل الأعمال المصري "حسن راتب" أطلق قناة المحور التي لا زالت حتى الآن تحتفظ بجماهيريتها وقناة أون تي في المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، فيما تبعهم بعد ذلك رجل الأعمال الوفدي السيد البدوي بإطلاق مجموعة قنوات الحياة وذلك قبل 3 سنوات من ثورة 25 يناير.
الثورة حملت معها انفتاحا كبيرا في هذا المجال فظهرت عشرات القنوات الفضائية التي ضخت الملايين لكسب أكبر عدد من المشاهدين وذلك مع بداية ظهور الوكالات الإعلانية الكبرى، وما لبث الإعلام أن تحول من "خدمة" إلى استثمار وصناعة ووسيلة ربحية تحكمها قوانين التنافسية والعرض والطلب حتى بدأت تتأثر بارتفاع وانخفاض أسهمها، فالرابح منها لا يزال مستمرا، والخاسر ماديا اختفى وانحدر.
الخبير الإعلامي الدكتور سامي الشريف كشف لبوابة العين الإخبارية أن صناعة الإعلام هي ثالث الصناعات على مستوى العالم التي تُضخ فيها المليارات بعد صناعة السلاح والمخدرات، وعلى نفس النهج يتم إخفاء المعلومات حول الأرقام المدفوعة في تلك الصناعات بالتحديد.
وقال الشريف إن رجال الأعمال بدؤوا في ضخ رؤوس الأموال الضخمة في المشروعات الإعلامية "فضائيات -صحافة - إذاعات -" وهو ما أثر سلبا على المادة الإعلامية المقدمة باعتبار أن رأس المال لا ينظر للمهنية، ولك أن تتخيل حجم الاستثمار في هذا المجال بمصر بتقدير المدفوع لبث 124 قناة فضائية بمصر منها 23 مملوكا للدولة، و101 فضائية خاصة.
وكشف رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق عن أن بعض هذه القنوات تتكبد خسائر فادحة، وهو ما يطرح تساؤلات ويفتح أبوابا للشك حول مموليها الحقيقيين، ومن أين تأتي كل هذه المليارات المستترة وهل تحمل أجندات خاصة، وتعجب الشريف من سياسة بعض رجال الأعمال من مالكي الفضائيات الذين يسنون ألسنتهم ويهاجمون مؤسسات الدولة حين تتعارض القرارات مع مصالحهم الشخصية.
ومع تطور هذه الصناعة، قرر ملاك القنوات الفضائية إنشاء غرفة لصناعة الإعلام باتحاد الصناعات المصري منذ ما يقرب من عامين برئاسة رجل الأعمال محمد الأمين مالك قنوات cbc، ومؤخرا أجريت أول انتخابات لاختيار أول مجلس إدارة للغرفة في 16 مايو الجاري، حيث انتهت بانتخاب كل من وليد العيسوي، وعمرو الكحكي، ومحمد أبو العينين، وطارق مخلوف، وأسامة عزالدين، وإيهاب صالح، عن شعبة إدارة وبث القنوات الأرضية والفضائية والإذاعية، كما فاز في شعبة الوكلاء الإعلانيين لصناعة الإنتاج والتسويق كل من محمد الأمين، وعلاء الكحكي، وعمرو القاضي، وعن شعبة الوكالات الإخبارية فاز عبدالفتاح الجبالي، رئيس مجلس إدارة وكالة الأخبار العربية.
وعلى عكس المملكة العربية السعودية التي أعلنت مؤخرا عن أن حجم الاستثمارات في مجال الإعلام المرئي والمسموع بلغ 9.5 مليارات ريال، إلا أن قيمة هذا النوع من الاستثمارات في مصر لا تزال غير معلنة، غير أن خبراء أكدوا أنها لا تختلف كثيرا عن السعودية أو قد تزيد قليلا باعتبار أن مصر من رواد صناعة الإعلام في الشرق الأوسط.
محمد سميح المتحدث الإعلامي باسم النايل سات قال إن القمر حقق أرباحا في هذا العام بلغت 91 مليون دولار، بزيادة 14 مليون دولار عن العام الماضي، مضيفا أن 650 قناة تبث بصفة رسمية على ترددات النايل سات.
وقال سميح لـبوابة "العين" الإخبارية إن الغموض هو سيد الموقف حول قيمة الاستثمارات في مجال الإعلام بمصر، حيث يفضل ملاك القنوات والقائمون عن الصناعة إخفاء الأرقام الحقيقية لرؤوس الأموال والتعاقدات مع الإعلاميين وتكلفة إنتاج البرامج وغيرها، حتى أن الصفقة التي أبرمت مؤخرا بين رجلي الأعمال نجيب ساويرس وأحمد أبوهشيمة، لبيع قنوات اون تي في للأخير، لم يكشف أحد طرفي الصفقة عن الرقم الحقيقي لعملية البيع.
ويبقى السؤال مطروحا في الأوساط المصرية، إذا كان الإعلام قد تحول إلى صناعة واستثمار تحكمه قوانين الاقتصاد، لماذا لا يتم الإفصاح عن حجم ومصادر تمويله وقيمة أرباحه، حتى لا يتم إدراجه ضمن الصناعات الغامضة كالسلاح؟
aXA6IDMuMTMzLjEzOS4xNjQg جزيرة ام اند امز