رسالة الكاريكاتير تكرر ما يتردد كثيرًا في دوائر الجمهوريين هنا، وهو أن أوباما ضعيف في مواجهة الخطر الإرهابي الذي تمثله داعش
في موقع صحفي إلكتروني وجدت رسم كاريكاتير معبّر إلي حد بعيد، يصور الرئيس أوباما في فرنسا وأمامه اثنان من جماعة داعش وهو يلوح لهما مهددًا بورقة مكتوب عليها "قمة تغيّر المناخ"، فيسخر منه أحد الرجلين قائلًا للآخر: أسرعْ.. إهرب بحياتك!
رسالة الكاريكاتير تكرر ما يتردد كثيرًا في دوائر الجمهوريين هنا، وهو أن أوباما ضعيف في مواجهة الخطر الإرهابي الذي تمثله داعش ومن قبلها القاعدة، لكنه أيضًا يطعن بصورة غير مباشرة في قضية تغير المناخ التي يشكك فيها أغلب المحافظين هنا، والرسالة المبطنة أن هذه مسألة ثانوية لا تساعد في التعامل مع التحدي الأساسي الذي نواجهه ويصفونه بـ "الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، الذي يتجاهله أوباما لينشغل بهذه الأمور.
اللافت للنظر هنا أن المرشح الديمقراطي للرئاسة بيرني ساندرز كان قد ربط بشكل "مباشر" بين الإرهاب وظاهرة تغير المناخ، ودافع عن رأيه هذا في المناظرة الأخيرة للمرشحين الديمقراطيين، بالتأكيد علي ما يسببه ارتفاع درجة حرارة الأرض من مشاكل قائلًا، إنه ما لم يتم عمل شيء فإننا "سنري دولًا في أنحاء العالم تعاني من شح في المياه، ومحدودية الأرض التي يمكن زراعتها، وسوف نري كل أنواع الصراعات في العالم".
وقد رد أحد المعلقين المحافظين بتغريدة ساخرة تقول: "كما لو أن هذه الصحراء (كلمة قبيحة) لم تكن حارة منذ بدء الخليقة".
والحقيقة بعيدًا عن هذه المساجلات أن هناك ارتباطًا فعليًّا ما بين الإرهاب والمناخ، لكن كما ذكر الموقع الإلكتروني (بوليتيفاكتس) فإنه لا يمكن الربط بينهما مباشرة علي حد قول ساندرز، بل ربما بطريقة غير مباشرة، والتشخيص هنا يسير بهذا الشكل:
تغيير المناخ يؤدي لنقص الماء والطعام بما يزيد من الفقر، وينشر الأمراض، ويتسبب في الهجرات الجماعية، وبالتالي عدم الاستقرار، وفي الأماكن ذات الحكومات الضعيفة فإن هذا يهيئ الظروف لتزايد الإرهاب، إذن هناك علاقة ما، وقد أشار إليها الرئيس أوباما في قمة المناخ في فرنسا، حين ذكر أن تغير المناخ ليس سببًا في الصراعات الحالية، لكن الجفاف الشديد كما يقول، ساعد في خلق عدم الاستقرار في نيجيريا الذي استغلته جماعة بوكو حرام الإرهابية.
وقد أكد بعض خبراء الدفاع الأمريكيين أن ارتفاع حرارة الأرض ربما يكون أكثر ما سيهدد الأمن العالمي.
لكن قضية ارتفاع حرارة الأرض في ذاتها ليست ما يشغل أغلب المحافظين هنا، الذين يشككون في صحتها من الأساس، ويرون أنها تعوق التنمية باسم المحافظة علي البيئة، إلا أن هذا الإنكار يتراجع تدريجيًّا أمام العديد من الدراسات العلمية الموثوقة التي تؤكد الظاهرة.
الخلاصة في تقديري: صحيح أن من نفذوا العمليات الإرهابية في باريس لم يفعلوا ذلك بسبب "الاحتباس الحراري"، ومن قاموا بتفجير الطائرة الروسية ربما لا يعرفون شيئًا عن مشكلة التصحر حتى وإن كانوا ينطلقون من منطقة صحراوية، لكننا أمام ظاهرة مناخية حقيقية تمثل تهديدًا بدأت بوادره للاستقرار العالمي، وربما جاء عقد مؤتمر المناخ في فرنسا بعد أيام من تلك العمليات الإرهابية، كأبلغ تعبير عن مدى الارتباط بين الظاهرتين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة