نواب الشعب الجدد لديهم مهمة خارجية ليست بالهينة تحتاج إلى من يملك المعرفة ومن يقدر على ضبط بوصلة الحوار مع أصوات متنافرة في عالم مضطرب
طلب مصر للعالم الخارجي يعتمد بالدرجة الأولى على ما يُطرح في جولات الرئيس عبد الفتاح السيسي في زياراته الكثيرة للعواصم العالمية، وبقدر ما يقدم الرجل صورة مغايرة لمصر على قدر ما ينسى آخرون واجباتهم تجاه تحسين تلك الصورة التي لا تعتمد فقط على تقديم مصر سياسيًّا، ولكن هناك حاجة ماسة إلى تقديم مقومات هذا البلد على أصعدة عدة.
أكثر ما أثار انتباهي في زيارة أخيرة للاتحاد الأوروبي في بروكسل هو تعويل الجانب الأوروبي على وجود مجلس النواب الذي سيكتمل قوامه خلال أيام قليلة معلنًا انتهاء خريطة المستقبل ووجود سلطة تشريعية منتخبة تكون شريكا في صناعة القرار الداخلي بامتياز.
ينتظر الأوروبيون تقديم الحكومة المصرية برنامجًا اقتصاديًّا أكثر وضوحًا في وجود المجلس التشريعي الجديد، مثلما قالت لي مسؤولة بارزة، حتى يمكن المضيّ في علاقة تعاون أكثر رسوخا وثباتا، وهو ما يعنى أن نواب البرلمان المقبل سيتحملون مسؤولية مهمة في التواصل مع الشركاء الكبار منذ اللحظة الأولى لانعقاد البرلمان.
في التواصل مع العالم الخارجي، يحتاج النواب الجدد إلى إعداد مختلف قبل الاجتماع بنظرائهم من البرلمانات الأجنبية، فما سيُطرح عليهم عما جرى في البلاد في العامين الماضيين من تغيرات جذرية تحتاج إلى شروحات مطولة وإلى خبرة وصبر في الإجابة عن أسئلة بعضها سيكون حادًّا ومحمَّلًا بكثير من الأحكام المسبقة، وربما المتسرعة بشأن ما جرى منذ يوم 30 يونيو 2013.
لا يكفي، من واقع ما سمعت في واشنطن وبروكسل أخيرا، أن نتحدث عن استكمال خريطة الطريق دون أن نستعد برؤية أشمل لما حدث من تطورات أدت إلى خروج الجماهير ضد الحكم السابق، وفى تلك المسألة لا يرى الآخرون الصورة مثلما نراها ويحكمون على التطورات وفقًا لخبراتهم وتجاربهم. فالغرب لم يعاين وصول جماعة دينية متشددة إلى الحكم في تاريخه ولم يختبر التسلط المستتر باسم الدين على أرضية العملية الديمقراطية، وبالتالي ربما يواجه النواب في زياراتهم الخارجية أسئلة تحتاج إلى حنكة تتفهم العقلية الغربية ويردون بما يناسب القناعات الداخلية التي تؤمن بها الأغلبية الساحقة من المصريين حتى لو كان بعضهم لديه اعتراضات على بعض السياسات الحالية.
لا يتفق مع رأى الأغلبية في مصر كثيرون في الغرب ولكنهم يتحدثون لغة المصالح في نهاية الأمر، ولا يهمهم الإصغاء إلينا في قضية مكافحة الإرهاب لأنهم يعتقدون أن منبع التطرف في مجتمعاتنا، وأن السياسات المتعاقبة منذ عقود قد أنتجت وحش الإرهاب دون أن يلتفتوا كثيرًا إلى الحقائق عن صناعة ماكينة التشدد والعنف في جبال أفغانستان وحقيقة دور حرب العراق في نقل ساحة المواجهة مع الإرهابيين إلى بلادنا ثم استفحال غول التطرف على وقع سياسات غربية خرقاء بعد موجة الربيع العربي.
في المناقشات الأخيرة في المفوضية الأوروبية قالت مسؤولة بارزة بشكل مفاجئ إنها تؤمن بمقولة دبلوماسي أمريكي سابق "إن كل المشكلات في الشرق الأوسط تبدأ في السجون المصرية"! كانت المقولة صادمة ولا تعبر عن حقائق ظهور الجماعات المتطرفة ومن يساندها في الغرب، لكن في نهاية الأمر جميل أن نعرف من أين يستقون معلوماتهم حتى يمكننا الرد بعقلانية ودون عصبية.
نحن في حاجة إلى صياغة رؤية تُطلع الآخرين على ما نبذله من جهد لإصلاح الأوضاع التي تنتج التطرف في مجتمعاتنا، وأن نلتفت إلى التحول الإيجابي في الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس على شرائح واسعة من الشباب والطبقات المهمشة في المجتمع، وتؤكد وجود أفكار جامحة تتفاعل مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في عملية مستمرة لن يوقفها سوى إطلاق عملية تنمية شاملة تهتم بالإنسان في المقام الأول. لا بد أن يرفع البرلمان الجديد عن كاهل الرئيس مسؤولية التحدث بشكل دائم في القضايا الداخلية وأن يتفرغ لصياغة رؤية مصرية خالصة تتوجه لمصلحة استعادة دور مصر الإقليمي والدولي في توقيت تحتاج فيه شعوب المنطقة إلى قيادة مصر وإسهاماتها في تجنيبهم مزيدًا من الكوارث التي تتدحرج واحدة تلو الأخرى دون أن يظهر في الأفق من يمكنه جمع شتات الأمة على موقف موحد، وأينما تحدثت مع مواطنين عرب تجدهم يترقبون موقفا مصريا رائدًا بعد صمودها الكبير في وجه الإرهاب ودعاة الفرقة والتقسيم.
نواب الشعب الجدد لديهم مهمة خارجية ليست بالهينة تحتاج من يملك المعرفة ومن يقدر على ضبط بوصلة الحوار مع أصوات متنافرة في محيط عالمي مضطرب!
*- يُنشر هذا المقال بالتزامن في جريدة "الأهرام" وبوابة "العين" الإخبارية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة