الطريق إلى الفلوجة.. هنا كان يسكن مدنيون
سواء تمكنت القوات العراقية من تحرير الفلوجة أو استمرت سيطرة تنظيم داعش على المدينة، تظل ورقة المدنيين الحلقة الأضعف في المواجهات.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. وفي معركة تحرير الفلوجة اللاعبون كثيرون والضحية واحدة، فالمعركة التي تخوضها القوات العراقية لتحرير المدينة الواقعة غربي العراق، والتي يسيطر عليها تنظيم داعش منذ 2014، لا يعبأ فيها أحد بحال المدنيين، فهم خارج حساب المتصارعين.
الحكومة العراقية وقواتها مدعومة بمليشيات الحشد الشعبي المدعومة بدورها إيرانيًّا تخوض معركة لتحرير المدينة من تنظيم داعش، يؤازرها دعم دولي مدفوع برغبة في تحجيم والقضاء على التنظيم الإرهابي، جاءت أيضًا لتغطي على حالة الاحتقان السياسي الداخلي في العراق.
"السم بالعسل":
النداءات والتحذيرات الدولية من كارثة إنسانية في الفلوجة لا تجد آذانًا، ويعيش المدنيون في الفلوجة ذات الغالبية السنية بين رحى داعش الذي لن يكون من السهل دحره في أحد أهم معاقله، وليس أسهل عليه من التضحية بالمدنيين، ونيران القوات الحكومية المغلفة بطائفية إيرانية يمثلها الحشد الشعبي وأغلبه من الشيعة.
الفلوجة.. المدينة الأولى التي تقع في أيدي التنظيم منذ يناير/كانون الثاني 2014، تستهدف أحياءها في هذه الساعات غارات جوية وقذائف مورتر، وأظهرت لقطات فيديو قرب حي السجارية إلى الشرق من الفلوجة وجودًا بتركيز كبير للجيش العراقي وقوات الشرطة ومليشيات مقاتلي الحشد الشعبي، كما شوهد دخان يتصاعد من بنايات استهدفها القصف.
وفي وقت سابق أعلن رئيس الحكومة العراقية القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي، تحرير منطقة الكرمة شمالي الفلوجة من سيطرة تنظيم داعش.
واستعادت القوات الحكومية الرمادي عاصمة محافظة الأنبار قرب الفلوجة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
العبادي وخلال زيارته إلى مركز قيادة عمليات الفلوجة العسكرية قال: "من أرض المعركة في الفلوجة نبارك للشعب العراقي تحرير قضاء الكرمة"، ودعا قواته "البطلة" إلى "حماية المدنيين"، فهل تمتثل القوات والمليشيات لدعوة العبادي؟
ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، دعا العبادي إلى تأجيل المظاهرات الشعبية في بغداد لحين استكمال تحرير الفلوجة من سيطرة داعش.
ودعا رئيس الوزراء العراقي كذلك إلى "وحدة العراقيين ونبذ التفرقة والحذر ممن يحاول إثارة الطائفية ومن الإعلام المضلل الذي يدس السم بالعسل والذي يحاول إنقاذ الدواعش".
وعلى نفس خط "السم في العسل"، قال رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري إن "العالم يترقب تحرير الفلوجة، وإن المعركة ضد من حاول انتزاع الفلوجة من العراق وحاول صبغها بصبغة الإرهاب"، وحذر من "محاولات شق الصف الوطني وإشاعة التفرقة بين أبناء الشعب العراقي".
"الموت جوعًا أو القتل":
في المقابل، تحدثت مصادر طبية عراقية عن عشرات القتلى والمصابين من أبناء الفلوجة بينهم أطفال ونساء في قصف جوى ومدفعي وصاروخي مستمر لليوم الرابع ضمن عمليات الجيش العراقي ومليشيات الحشد في أحياء الفلوجة والمناطق المحيطة بها.
منظمة الأمم المتحدة دعت، الثلاثاء، إلى توفير ممرات آمنة للسماح للمدنيين من سكان مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار بمغادرة المدينة، وسط اتهامات لتنظيم داعش بمنع المدنيين من ترك المدينة وتصفية الفارين منها.
المجلس النرويجي للاجئين قال، اليوم الخميس، إن المدنيين الذين تمكنوا من الفرار من الفلوجة المحاصرة تحدثوا عن حالات موت جوعًا.
وقالت المنسقة الإعلامية للمجلس بيكي بكر عبد الله في تقرير أرسل بالبريد الإلكتروني استشهد بروايات حديثة للاجئين: "إذا بقوا في الفلوجة يواجهون احتمال الموت جوعًا، وإذا حاولوا الهرب يجازفون بقتلهم أثناء خروجهم."
وقال المجلس النرويجي الذي يساعد اللاجئين في مخيم إلى الجنوب من الفلوجة، إن القتال جعل من الصعب تقييم الحجم الكامل "للوضع الأليم بالمدينة".
وقالت امرأة للمجلس، إن أسرتها أكلت "التمر المجفف" وكانت تشرب من نهر الفرات قبل الهرب من الفلوجة.
وقال المجلس إن هناك نحو 50 ألفًا محاصرون في المدينة التي تفتقر حاليًّا لمياه الشرب والكهرباء والوقود.
وتمكنت نحو 40 أسرة من الفرار في الساعات الـ36 الأخيرة، وقال أفراد إحداها إنهم اختبأوا في أنبوب صرف.
"الطائفية تغلف المشهد":
تشعر منظمات الإغاثة بالقلق بشأن معاناة المدنيين ودعت الأمم المتحدة المقاتلين لأن يكفلوا المرور الآمن للسكان الذين يحاولون الهرب من القتال.
تحرير المدينة هو قمة جبل الجليد، فالطائفية ليست بعيدة عن المشهد؛ فالفلوجة ذات الغالبية السنية تهاجمها قوات حكومية مدعومة بمليشيات شيعية مدعومة من إيران، وهي الميليشيات التي سبق اتهامها بالقيام بأعمال عنف وطائفية وسلب ونهب في مدينة تكريت منذ عام.
مفتي الديار العراقية، رافع الرفاعي، قال إن ما يقوم به الحشد الشعبي بحق المدنيين في الفلوجة، يشعل حربًا طائفية وبتوجيهات من إيران.
واعتبر الرفاعي أن ذلك الأمر غير مقبول، ورأى أنه لا توجد حكومة عراقية قادرة على اتخاذ القرار السياسي، مشيرًا أن القصف في الفلوجة لا يستهدف إلا المدنيين.
وأضاف الرفاعي أن "هناك حربًا طائفية في الفلوجة والمشهد هناك سيكون أسوء من ديالى وتكريت".
وسواء تمكنت الحكومة العراقية، بدعم الحشد الشعبي وغطاء جوي من التحالف الدولي، من تحرير المدينة أو استمرت سيطرة التنظيم الإرهابي على أحد أهم معاقله في العراق، تظل ورقة المدنيين في مدن الصراع وبينها الفلوجة، الحلقة الأضعف في تلك المواجهات.
aXA6IDMuMTUuMjI4LjMyIA== جزيرة ام اند امز