ازدواجية الدراما والتبرع في رمضان.. مليارات للجميع واكتئاب للمشاهد
بين تكلفة إنتاج مسلسلات رمضان، التي تبلغ 3 مليارات جنيه تقريبا، وهوجة إعلانات التبرع المرتقبة، تكمن ازدواجية الشاشة الرمضانية في مصر
ونحن على مشارف رمضان.. تحضر الوكالات الإعلانية لموسم جديد من "التسول الشيك" في صورة إعلانات التبرع التي تنشط بكثافة غير مسبوقة في الشهر الكريم عن معظم أوقات السنة، مستغلة عاطفة المصريين والحالة الروحانية التي تعتريهم لجمع أكبر ما يمكن جمعه من أموال التبرعات لصالح مؤسسات خيرية، في غياب تام للشفافية في مصادر صرف هذه التبرعات أو العلاقة المالية الحاكمة بين الوكالة الذي تتولى الإعلان والمؤسسة الخيرية.
وبين تكلفة إنتاج مسلسلات رمضان في مصر هذا العام والتي تبلغ 3 مليارات جنيه تقريبا، وهوجة إعلانات التبرع المرتقبة، تكمن ازدواجية الشاشة الرمضانية، وتبدو سذاجة العرض واللعب بمشاعر المشاهدين، فالتكاليف الضخمة لإنتاج دراما رمضان لا تتناسب مع الصور البائسة التي تعرض على الشاشات تحت عنوان "اتبرع ولو بجنيه".
أصحاب الفضائيات لا يتعاملون مع نوع الإعلان ومضمونه بقدر اهتماماتهم بأسعار عرضه على الشاشة، وبناء عليه فهذه الإعلانات ليست مجانية، سواء من جهة الفضائية المعلنة أو من جهة الوكالة الإعلانية، وهذا ما كشفه أحد العاملين بأحد الوكالات المتخصصة في إنتاج الإعلانات -رفض الإفصاح عن هويته- قائلا: "رمضان موسم نشاط الوكالات الإعلانية الكبرى منها والصغرى، ومن ثم لا يمكن أن تنتج أي وكالة إعلانات مجانية في هذا التوقيت من العام لأنها تعتمد على جلب أكبر المدخلات لتغطية تكاليف العاملين بها طوال العام".
واستطرد في تصريحات لبوابة العين: أما عن إعلانات التبرع فتختلف بحسب العقد المبرم بين الوكالة الإعلانية والمؤسسة الخيرية، فبعضها يعامل معاملة الإعلان العادي لأي منتج أو يقل قليلا من حيث التكلفة على سبيل التبرع من الوكالة، باعتبار أن عائد التبرع مضمون بالنسبة للمؤسسة الخيرية، والشكل الآخر للتعاقد والأكثر شيوعًا يكمن في الاتفاق على نسة تحصل عليها الوكالة الإعلانية من عائدات التبرع مقابل إنتاج الإعلان مجانًا، وقد تصل هذه النسبة إلى 40 أو 50%، ورفض المصدر الإفصاح عن حجم الإعلانات والتكاليف التقريبية التي تصرف سنويا على مثل هذا النوع من الدعاية.
معركة شرسة
الدكتور "هشام جمال" أستاذ الإعلام المرئي بجامعة القاهرة، كان له وصف مختصر لهذه الصفقات قائلا "إنها معركة شرسة خلال الشهر الكريم، والرابح فيها هو من يستطيع تحقيق أعلى ربحية"، مؤكدا أن الوكالات الإعلانية لا تتولى إنتاج إعلانات التبرع مجانًا أو على سبيل الصدقة، وساذج من يعتقد ذلك.
وتعجب أستاذ الإعلام المرئي من ارتفاع تكلفة مرة العرض الواحدة لهذه الإعلانات والتي تبلغ على أحد القنوات من 45 إلى 50 ألف جنيه، وهو مبلغ لو تم إنفاقه على الخير أو التبرع به لكان أفضل من ضخه في إعلان مدته دقيقة أو أكثر.
وقال "جمال" لبوابة العين الإخبارية، إن ما آل إليه الوضع الإنتاجي للعام الماضي فيما يخص دراما رمضان، انعكس بدوره على العالم الحالي، فأسعار النجوم وتكاليف الإنتاج غير منطقية، وهو ما دفع العاملين والفنيين أيضا للمطالبة بزيادة أجورهم على غرار الممثلين الذي وصل أجر أحدهم إلى ما يزيد عن 35 مليون جنيه نظير مسلسل في رمضان، والأزمة ظهرت تبعاتها في توقف تصوير بعض المسلسلات بسبب النفقات الإنتاجية، كما أن بعض القنوات لم تسدد باقي التعاقدات على المسلسلات التي من المقرر أن تعرض خلال الشهر الكريم.
وعن الجهة المسئولة عن تنظيم هذه العملية بما فيها الإعلانات، قال أستاذ الإعلام المرئي إنه ليس هناك جهة حكومية أو نقابة تنظم هذه العشوائية في العرض والمحتوى، وتمنع سرقة الحقوق وتحفظ الملكية الفكرية، فصناعة الإعلام تحولت إلى تجارة وتشويق يغلفه شكل فني فقط.
إعلانات التسول
وكان المحامي سمير صبري قد وصفها بـ"إعلانات التسول" في دعواه المقامة ضد رئيس الوزراء المصري العام الماضي لامتناعه عن إصدار قرار بوقف مثل هذه الإعلانات، التي تسيء للفقراء بتصويرهم على الشاشات وتسيء للمجتمع المصري كاملا.
وكشفت الدراسات النفسية عن أن مثل هذه الإعلانات أثرت سلبًا على المواطن المصري، بإظهار النواحي البائسة من المجتمع على الرغم من وجود ملايين الصور المضيئة، وكانت الإصابة بـ"الاكتئاب" هي أكثر ما رصدته الدراسات نتيجة مشاهدة مثل هذه الإعلانات، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011 والضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون في مصر.
ومن ناحيته، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، أن المؤسسات الخيرية لا تغرم جنيهًا واحدًا، وكذلك الوكالات الإعلانية نظير إنتاج هذا النوع من الإعلانات، فالإنفاق يكون على تصوير الإعلان مقابل نسبة من التبرعات، وقد تتجه الشركات الاستثمارية غير الخيرية لمثل هذا النوع كما حدث في شهر رمضان قبل الماضي عندما بثت إحدى الشركات الكبرى إعلانا استخدمت فيه فنانة مشهورة وخيرت المستهلكين للتبرع لبناء مدارس أو ملاعب أو سد حاجة الفقراء من الطعام، وبلغت قيمة التبرعات أرقامًا ضخمة، وزعت بين الشركة والوكالة الإعلانية ومؤسسة خيرية.
وفيما يتعلق بدراما رمضان، أضاف الخبير الاقتصادي في تصريحات لبوابة العين، أن الأرقام الجزافية المنتشرة في الإعلام عن قيمة تعاقدات مسلسلات رمضان غير حقيقية بالمرة؛ حيث تعتبر نوعًا من الدعاية للإقبال على مشاهدة المسلسل، أما بالنسبة للإعلانات فتمثل عائدًا من ضمن عائدات المسلسل التي تتنوع بين التوزيع الخارجي والعروض الثانية والثالثة والرابعة للعمل الدرامي خلال أوقات العام.
aXA6IDE4LjExOC4zNy44NSA= جزيرة ام اند امز