مأزق أسعار النفط يدفع الجزائر إلى سباق مع الزمن لتنويع اقتصادها
خلال شهرين فقط، زار وزير الصناعة الجزائري العديد من الدول بحثا عن استثمارات تتيح للبلاد تنويع اقتصادها المعتمد بشكل مطلق على المحروقات.
دخلت الحكومة الجزائرية في سباق ضد الساعة، من أجل استقطاب الاستثمارات وتوقيع عقود الشراكة مع الدول الصناعية والغنية، سعيا منها لتدارك العجز في تأمين حاجياتها التي تعتمد بنسبة كبيرة على الاستيراد، وهو ما يضع البلاد في خطر نظرا لتراجع عائدات المحروقات التي تؤمن 98 % من مداخيلها.
يطير وزير الصناعة الجزائري، عبد السلام بوشوارب، في كل الاتجاهات بحثا عن تأمين استثمارات جديدة لبلاده، ضمن خطة الحكومة لتنويع الاقتصاد الجزائري وإخراجه من دائرة الاعتماد المطلق على مداخيل البترول والغاز، وهو تحد لم يكن اختياريا بالنسبة للحكومة الجزائرية فقد فرضه الظرف الصعب الذي تمر به البلاد، عقب انهيار أسعار البترول في السوق الدولية، واقتراب مواعيد تجديد عقود بيع الغاز مع الدول الأوربية، مما يفرض على الجزائر إيجاد بديل سريع لتعويض مداخيلها المتراجعة بنسبة 70 % منذ سنتين.
وفي هذا الإطار، دخلت الجزائر، خلال الشهرين الماضيين، في مفاوضات مع مجموعة من الدول القادرة على مساعدتها لتحقيق غاية تنويع اقتصادها، وبدأ وزيرها الأول عبد المالك سلال ووزير الصناعة في حكومته، زيارات مكوكية إلى هذه البلدان، للنظر في فرص الشراكة الممكنة معها مع التعهد بتقديم كل الضمانات حول تحسين ظروف الاستثمار في الجزائر وإزالة كل العراقيل التي غالبا ما كانت سببا في تنفير الأجانب من الوجهة الجزائرية في الاستثمار.
وفي آخر زيارة لروسيا، وقعت الجزائر مع هذا البلد على العديد من الاتفاقات، من بينها مشروع شراكة في الصناعة الميكانيكية لإنتاج عربات القطار بولاية عنابة أقصى شرقي البلاد، بالإضافة إلى إقامة شراكة في إنتاج رؤوس الحفارات التي تدخل في مختلف عمليات التنقيب ومشاريع لإنتاج مواد كيميائية. وفي قطاع الصناعية الغذائية، ستتمكن الجزائر من تصدير خضار وفواكه طازجة لروسيا.
ومع الإمارات العربية المتحدة، عقد مؤخرا مؤتمر اقتصادي ضم عدد كبيرا من رجال الأعمال في البلدين، لمتابعة المشاريع التي ينفذها البلدان خاصة في مجال الموانئ، حيث توجد شراكة بين ميناءي الجزائر وجن جن شرقي الجزائر العاصمة الذي لم تستكمل الأشغال به بعد، وبين شركة "موانئ دبي" لمدة 30 سنة قصد تسيير وعصرنة هاتين المنشأتين الجزائريين، كما تعتزم الجزائر وأبو ظبي فتح خط بحري لنقل البضائع مرورا بالحوض المتوسط وتوسيع النقل الجوي ليشمل البضائع.
أما مع قطر التي زارها وزير الصناعة الجزائري قبل أسبوع، فثمة مشروع استراتيجي، لإنشاء مركب للحديد والصلب بمنطقة بلارة في محافظة جيجل شرقي البلاد، حيث تقدر تكلفة هذا المشروع، الذي من شأنه استحداث 1500 فرصة عمل مباشرة وما يقارب 15000 فرصة غير مباشرة، ما لا يقل عن 2 مليار دولار، كما سيمسح بالتقليل من فاتورة واردات الفولاذ التي تقدر ب 10 ملايين دولار سنويا وهي الحصة التي تمثل 20% من إجمالي واردات الجزائر.
كما اتجهت الجزائر ناحية إيران، لمساعدتها على تطوير الصناعة الميكانيكية، فتم التوقيع خلال زيارة وزير الصناعة الأخيرة، على نحو 15 اتفاق تعاون وشراكة، يأتي على رأسها إنشاء مركب لصناعة سيارات سايبا يضم حوالي 15 مصنعا بتيارت غربي البلاد، تقدر كلفته الإجمالية بحوالي 300 مليون دولار، وينقسم رأسماله إلى 75 % للطرف الجزائري والبقية للشريك الإيراني.
وشهدت الجزائر قبل أسبوع، تنظيم منتدى الأعمال الجزائري البريطاني، وفيه أعلن دخول البنك البريطاني العملاق "أش أس بي سي" السوق الجزائرية ابتداء من السنة المقبلة، كما تنوي الشركات الصيدلانية البريطانية الاستثمار في الجزائر بقوة، على غرار شركتي "كلاكسوسميث كلاين" و "استرا زينيكا". أما في الصناعات الميكانيكية، فقد أقامت الشركة البريطانية الأمريكية "ماسي فيرغسون" فرعا لها بقسنطينة (شرقي الجزائر) لصناعة الجرارات، وفي المجال الفلاحي وتربية المواشي تم إنشاء شركة بريطانية أيرلندية لإنتاج الحليب بالجنوب.
ومع فرنسا التي تحتفظ الجزائر معها بعلاقة اقتصادية هامة، سمحت زيارة مانويل فالس الوزير الأول الفرنسي مؤخرا بالتوقيع على اتفاقيات تنص على إنشاء شركة مختلطة لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية وأغذية الأنعام بالشراكة مع مؤسسة مناجم الجزائر، إلى جانب مشروع توسيع نشاط مصنع تركيب وصيانة عربات الترمواي الذي تم تدشينه في ماي 2015 بعنابة شرقي البلاد، بالإضافة إلى إنشاء مصنع لإنتاج الصناعات الغذائية، فيما تم تأجيل مصنع بيجو للسيارات الذي كان معولا عليه.
الجزائر بحاجة إلى 1.5 مليون مؤسسة
ومع أن الحكومة الجزائرية تقدم هذه المشاريع على أنها إنجازات هامة، إلا أن الحقيقة وفق كثير من الاقتصاديين غير ذلك، فالعديد مما تم التوقيع عليه، كان مبرمجا منذ سنوات ولم يتم إنجازه بسبب العراقيل البيروقراطية الثقيلة في الجزائر، لذلك كل ما تقوم به الحكومة هو محاولة استدراك تأخرها في الإنجاز على الأرض.
ويظهر من خلال معرض الجزائر الدولي المنعقد هذه الأيام، أن عدد الشركات الجزائرية المشاركة تراجع عن السنة الماضية، من 600 شركة ومؤسسة وهيئة إلى 405 فقط، وهو ما يخالف نظرة الحكومة المتفائلة إلى تطور الاستثمار في الجزائر وارتفاع حجم الانتاج مقارنة بالسنوات السابقة.
وبحسب آخر تصريح للوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، الأحد، فإن الأرقام تشير إلى إنشاء 24500 شركة خاصة في ظرف ثلاث سنوات فقط، وهذا الرقم كانت تحققه الجزائر على مدى 11 سنة في السابق.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الحق لعميري إن الإشكالية في الجزائر تتعلق بعدم القدرة على تطوير نسيج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي يظل ضعيفا جدا في الجزائر، ويعيق استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تعتمد بشكل كبير على شركات المناولة الصغيرة والمتوسطة في إنجاز استثماراتها.
ويوضح لعميري لبوابة "العين" الإخبارية، أن عدد المؤسسات في الجزائر لا يصل إلى 200 ألف، بينما البلد بحاجة إلى 1.5 مليون مؤسسة لتطوير الاقتصاد وتنويعه، مشيرا إلى هذا العجز في المؤسسات ناتج عن العراقيل البيروقراطية والنموذج الاقتصادي الذي لا يشجع على الابتكار ولا يستثمر في الإنسان.
ويطرح الخبير الاقتصادي الآخر، عبد الرحمن مبتول إشكالية وجود قاعدة الافضلية الوطنية التي تفرض على كل استثمار أجنبي إيجاد شريك جزائري تكون له الأغلبية، وهو ما يحد بشكل كبير من استقطاب الاستثمارات. ويوضح الخبير أن هذه القاعدة ينبغي أن تقتصر فقط على القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة ولا ينبغي أن تشمل كافة نواحي الاقتصاد.
ويقول مبتول إن الحديث عن تنويع الاقتصاد الجزائري، ليس جديدا فقد تم طرحه في كل مرة تعيش البلاد فيها أزمة، لذلك كل السياسات فشلت لأنها كانت تمثل رد فعل على مأزق ولم تكن مبنية على رؤية متكاملة تتيح للجزائر تنمية قطاعات بعينها مثل الفلاحة لتشكل البديل لاقتصاد البترول.
aXA6IDMuMTQxLjI5LjIwMiA= جزيرة ام اند امز