تواضع ولا قواعد عسكرية.. "انقلاب" باستراتيجية فرنسا في أفريقيا
قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون اليوم الإثنين، إن عمليات بلاده العسكرية في أفريقيا يجب أن تكون في خدمة العلاقات الثنائية.
وشدد ماكرون على أنه "على فرنسا التحلي بالتواضع تجاه القارة الأفريقية".
وتعهد الرئيس الفرنسي بتبني "علاقة متوازنة ومسؤولة مع الدول الأفريقية".
وقال ماكرون: "مستعدون لدعم إنشاء الدول الأفريقية لعملة مشتركة".
وكشف ماكرون في خطابه أنه "ستكون هناك نهاية للقواعد العسكرية التقليدية في أفريقيا"، لافتا إلى خفضً ملموس مرتقب في عدد العسكريين الفرنسيين في أفريقيا.
وقال إن "أكاديميات تجمع الجيوش الفرنسية والأفريقية ستحل محل القواعد العسكرية في القارة".
وبشأن تعامل بلاده مع الشمال الأفريقي وتحديدا دول المغرب العربي، أعلن الرئيس الفرنسي أنه سيواصل المضي قدما لتعزيز علاقة فرنسا بكل من الجزائر والمغرب، بعيدا عن "الجدل" الراهن.
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحفي تناول فيه استراتيجيته في أفريقيا، "سنمضي قدما. المرحلة ليست الأفضل لكن هذا الأمر لن يوقفني"، منتقدا من "يحاولون المضي في مغامراتهم" ولديهم "مصلحة بألا يتم التوصل" إلى مصالحة مع الجزائر.
وأفادت الرئاسة الفرنسية، في وقت سابق اليوم، أن خطاب ماكرون يأتي في إطار "تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الأفريقية".
ويبدأ ماكرون زيارة لأفريقيا، الأربعاء، في محاولة لجذب شركاء جدد بالقارة السمراء، بعد أن عانت باريس من سلسلة انتكاسات عسكرية وسياسية في منطقة نفوذها السابقة.
ويزور ماكرون 3 دول أفريقية حول حوض الكونغو بالإضافة إلى أنغولا، إذ تتركز الزيارة على ما يبدو على المناطق البعيدة عن المستعمرات الفرنسية السابقة في منطقة الساحل المضطربة والتي تتصاعد فيها المشاعر المعادية لفرنسا.
وتأتي الجولة بعد أكثر من أسبوع بقليل من قيام بوركينا فاسو بطرد القوات الفرنسية وإنهاء اتفاق عسكري سمح لفرنسا بقتال المسلحين في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا لتصبح أحدث دولة أفريقية ترفض مساعدة باريس.
وسحبت فرنسا قواتها من مالي العام الماضي بعد أن بدأ المجلس العسكري هناك العمل مع متعاقدين عسكريين روس، مما أنهى عشر سنوات من العمليات ضد الإرهاب.
وانتشرت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة أيضا في جمهورية أفريقيا الوسطى، مما أثار مخاوف من أن تكون له تداعيات في باريس في وقت تحاول فيه الدول الغربية الضغط على دول في الجنوب الأفريقي لاتخاذ مواقف ضد روسيا بسبب حرب أوكرانيا.
واتهم ماكرون روسيا بتغذية دعاية مناهضة لفرنسا في أفريقيا لخدمة طموحاتها.
وتسعى فرنسا التي تستكمل بحلول نهاية الصيف سحب قواتها من الأراضي المالية، مركز العنف الأساسي في الساحل وشمال أفريقيا ومعقل الإرهابيين، إلى صياغة استراتيجية جديدة لإعادة الانتشار عبر بوابة النيجر بهدف محاربة الإرهاب في المنطقة، خصوصا في ظل هواجس دولها من تنامي التهديدات الأمنية التي تزعزع استقرارها وتدفع السكان إلى الهجرة.
كما يزور مسؤولون فرنسيون النيجر الجمعة لإعادة تحديد استراتيجية محاربة الجهاديين في منطقة الساحل الأفريقي، مع استكمال قوات تقدر بالآلاف الانسحاب من مالي وتزايد المخاوف بخصوص التهديد المتزايد للدول الساحلية في غرب أفريقيا.
وأضعفت الانقلابات العسكرية في مالي وتشاد وبوركينا فاسو تحالفات فرنسا في مستعمراتها السابقة، وشجعت المتشددين الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من الصحراء ومناطق الغابات.
وتفاقمت المخاوف من أن خروج 2400 جندي فرنسي من مالي، مركز العنف في منطقة الساحل ومعقل تنظيمي القاعدة وداعش، سيؤدي إلى تزايد وتيرة العنف ويزعزع استقرار الدول المجاورة ويحفز الهجرة.
ومع توقع اكتمال الانسحاب بحلول نهاية الصيف، تصل وزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة كاثرين كولونا ووزير الدفاع سيباستيان ليكورنو إلى النيجر الجمعة لإتمام عملية إعادة انتشار إقليمية. وستصبح النيجر مركزا للقوات الفرنسية، حيث يتمركز قرابة ألف جندي في العاصمة نيامي مع طائرات مقاتلة ومسيرة وهليكوبتر.
وفي السياق، صرح مسؤولون فرنسيون للصحافيين في إفادة بأنه سيتم إرسال بين 300 و400 جندي للقيام بعمليات خاصة مع قوات من النيجر في المناطق الحدودية مع بوركينا ومالي.
وسيتمركز ما بين 700 و1000 جندي آخرين في تشاد مع عدد لم يكشف النقاب عنه من أفراد القوات الخاصة العاملة في أماكن أخرى بالمنطقة. وقال نفس المصدر إن القوات الفرنسية لن تقوم بعد الآن بمهام أو تلاحق المسلحين في مالي بمجرد اكتمال الخروج.
بدوره، أوضح مصدر دبلوماسي فرنسي أن الهدف هو تقديم استراتيجية جديدة للرئيس إيمانويل ماكرون في سبتمبر/أيلول المقبل.
كما قال مسؤولون فرنسيون إن العبء للمضي قدما سيكون على دول المنطقة لقيادة الأمن، مع التركيز أيضا على التنمية والحكم الرشيد والتعليم.
ومن المقرر الإعلان عن تقديم مساعدات بقيمة 50 مليون يورو لتعزيز شبكة الكهرباء في النيجر ودعم الميزانية.
وأوضحت كولونا أن ووزير الدفاع سيباستيان ليكورنو سيتوجه السبت إلى ساحل العاج، التي تستضيف بدورها قوات فرنسية، كما من المرجح أن يسافر ماكرون في نهاية يوليو/تموز إلى بنين.