الفقر في إيران.. معدلات قياسية وفشل حكومي في إدارة الأزمة
فتيات إيران انخرطن في مهن شاقة كأعمال الكهرباء والحدادة، فيما اضطر بعضهن إلى امتهان مهن منافية للآداب كالدعارة وتجارة المخدرات.
على الرغم من وجود الكثير من المواد في الدستور الإيراني التي تعبر عن أن الدولة والنظام في إيران ملتزم بصورة كاملة بأن يكفل لكل فرد من الإيرانيين عملاً مناسباً وحياةً كريمةً، إلا أن التقارير الواردة عن كافة المنظمات الحقوقية الإيرانية والدولية تثبت عكس هذه الادعاءات.
يعاني الإيرانيون اليوم أكثر من أي وقت مضى من الفقر بكافة أشكاله (الفقر المادي، المائي، الغذائي والفقر التنموي)، وتتفاقم الأزمة بعدم وجود آلية دقيقة لتحديد خط الفقر أو معدل الفقر في إيران، ويرجع ذلك في جزء منه إلى وجود مجموعة كبيرة من المهاجرين واللاجئين الأفغان المضافين إلى مصاف الفقراء ومن هم دون خط الفقر في إيران، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الإيرانيين غير المقيدين في سجلات الإحصاء الرسمية أو الحكومية الإيرانية، وغالباً ما يكونوا من أبناء الأقليات والقوميات العرقية والدينية التي تنادى بالاستقلال عن النظام الإيراني لممارساته العنصرية والتمييزية ضدهم، كالأحواز العرب، السنة في إيران، الآذريين، البلوش السنة، أتباع المتصوفة في إيران والأقلية الكردية.
ترى المنظمات الحقوقية في إيران ومنظمات المدني العاملة في إيران أن النفقات الخاصة بالأسرة الإيرانية زادت مقارنة بالدخل بنسبة كبيرة في السنوات الخمس الماضية نتيجة مجموعة من العوامل، منها العقوبات الاقتصادية الغربية التي كانت مفروضة على النظام الإيراني بسبب برنامجه النووي، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر في إيران إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، لا سيما في ظل إجراءات التقشف التي اتبعها النظام الإيراني من أجل السيطرة على معدل التضخم، الذي وصل إلى معدلات قياسية أيضاً.
وفي ظل تلك السياسة التي اتبعتها إيران في عهدي أحمدى نجاد وحسن روحاني، كان المواطن الإيراني هو أكبر المتضررين من هذه الإجراءات حيث ارتفع معدل البطالة بين الشباب الإيراني، خاصةً خريجي الجامعات، وتفاقم نقص السلع الرئيسية في الأسواق، والتي تأتى على شكل واردات من الخارج، كان أغلبها من روسيا الاتحادية، فنشطت عمليات تهريب المواد الغذائية والمخدرات في الخمس سنوات الماضية.
تتوقف الإحصائيات الرسمية للبنك المركزي الإيراني عن معدلات الفقر والمواطنين الإيرانيين تحت خط الفقر عند العام 2005 م حيث يعرض مركز الإحصائيات الرسمية للبنك المركزي الإيراني أن معدلات الفقر في إيران تصل إلى حوالي 32 % من عدد السكان في إيران في العام 2005 م في حين ترى منظمات المجتمع المدني في إيران والمتخصصون المستقلون أن هذا المعدل وهذه النسبة زادت بنسبة كبيرة خلال الولاية الثانية من فترة الرئيس نجاد الثانية وفى بدايات ولاية روحاني الرئاسية إلى معدلات تفوق ذلك بكثير.
يرى الدكتور وحيد محمودى، عضو الهيئة العلمية العليا لجامعة طهران، في حديث صحفي أجراه مع صحيفة شرق الإيرانية أن هناك نوعين للفقر في إيران وهو الفقر النسبي والفقر الحقيقي، والأول أن يقل متوسط دخل الأسرة الإيرانية الواحدة عن 200 دولار في العام، في حين يكون الفقر الحقيقي أن يقل متوسط دخل الأسرة الواحدة في إيران عن 100 دولار في العام الواحد.
وأوضح أن معدل الفقر النسبي في إيران يزيد عن 40% والفقر الحقيقي أو معدل الفقر العالمي في إيران يزيد عن 60 % نتيجة مجموعة كبيرة من العوامل منها البطالة وقلة المعروض من فرص العمل، مما يخلف وراءه جيوشا من العاطلين بين صفوف الشباب والفتيات في إيران، بالإضافة إلى تسريح مجموعة كبيرة من العمال الإيرانيين في المصانع والشركات بسبب الضغط المتزايد من الخارج على الجهاز المصرفي الإيراني.
وتتركز المعدلات المرتفعة للفقر في الريف الإيراني والمناطق الحدودية، خصوصاً مع العراق فقد ألغى النظام الإيراني مجموعة من الأسواق التجارية بين الحدود الإيرانية العراقية بحجة التأمين والأمن القومي الإيراني، لكنه في النهاية تسبب في تعطل تجارة وأعمال الأكراد في إيران مما أدى إلى ثورة كردية عارمة في إيران خاصة مع عدم إلغاء الضرائب التي يفرضها عليهم النظام الإيراني، الذي استخدم القوة المفرطة من أجل قمع الاحتجاجات الكردية، والتي بلغت إلى حد إعدام زعماء هذه الانتفاضة.
ويزيد معدل الفقر أكثر بين الفتيات، رغم انخراطهن في أعمال شاقة من أجل تلبية الاحتياجات الضرورية وتوفير أقل حد من حدود المعيشة لهن ولأسرهن، فيقمن مثلاً بالعمل في أعمال الكهرباء، الحدادة والتعبئة وغيرها من الأعمال الشاقة، في حين يضطر البعض منهن إلى امتهان مهن أخرى منافية للآداب كالعمل في الدعارة وتجارة المخدرات.
ويمكن الوقوف على حد تفاقم الأزمة من خلال احتجاجات المعلمين الذين يطالبون بمرتبات تليق بهم أو حتى بأدنى مستوى معيشة لهم في المجتمع الإيراني، وخروج الكثير من المظاهرات في اليوم العالمي للعمال، والتي تنادى بضرورة احترام النظام للعمال في منشآت الدولة والحصول على رواتبهم المتأخرة، وكان رد الحكومة الإيرانية واضحا وسريعا من خلال القمع والمحاكمات والسجن والاعتقالات.