القوات العراقية بحاجة إلى الكثير لتتمكن من إنجاز معركة بهذا الحجم بمفردها ضد تنظيم داعش الإرهابي في الفلوجة
نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين، أن القوات العراقية بحاجة إلى الكثير لتتمكن من إنجاز معركة بهذا الحجم بمفردها ضد تنظيم داعش الإرهابي في الفلوجة، فالجيش العراقي لا يزال ضعيًفا، وغير
جاهز للصمود والانتصار. وكشفت الصحيفة أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، رفض نصائح أميركية بالتركيز على معركة الموصل، إلا أنه وحلفاءه اختاروا الفلوجة بعد ضغوط أعقبت انفجارات بغداد، لكن الجيش
العراقي الذي يحارب على عدة جبهات، والذي استطاع استعادة 45 في المائة من الأراضي التي استولى عليها التنظيم الإرهابي، بغطاء من طيران التحالف وبدعم من ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية، بدأت على أبواب
الفلوجة ملامح إخفاقه الميداني، وبات احتمال عدم قدرته على الحسم السريع للمعركة جدًيا، إضافة إلى صعود المخاوف الإقليمية والدولية من تجاوزات قد ترتكبها بعض فصائل الحشد الشعبي، وتصاعد حدة الانتقادات ضد
الدور الإيراني الميداني، هذه العوامل مجتمعة تأخذ الانتباه إلى أن معركة الفلوجة طويلة ومعقدة، وستكون مكلفة مادًيا وبشرًيا ومعنوًيا، وأن سوء التقدير السياسي والعسكري فيها، سيكلف العراق وحدته واندماج مكوناته،
وسيعزز حالة الانقسام الدموي بين طوائفه، فالوقائع تشير إلى أنه كلما ضيق الجيش العراقي والحشد الشعبي الخناق على المدينة، تعاظم المأزق بعدم القدرة على فصل السكان المدنيين عن الإرهابيين البعثيين من بقايا
النظام السابق، كما يزداد صعوبة فصل هؤلاء عن «داعش»، إضافة إلى تصاعد قلق السكان من تعرضهم للتنكيل على يد جماعات الحشد، كما تعرضت مناطق أخرى تم تحريرها من «داعش»، وعدم قدرة السلطة
المركزية على تقديم ضمانات لحمايتهم، وسط شعور عام لدى العراقيين السنة، بأن هناك عملية تدمير ممنهج لمناطقهم، تقودها جماعات مسلحة مدعومة من طهران، من أجل فرض تغيير ديموغرافي بالقوة في مناطق كان
من الصعب إخضاعها سابًقا. ففي الفلوجة الآن وفي الموصل لاحًقا، يواجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، معضلة العلاقات المتشابكة بين تنظيم داعش الإرهابي وبقايا نظام صدام حسين، الذين تحالفوا مع هذه
الجماعات التكفيرية من أجل الاستقواء والاحتماء بها، فأغلب التقديرات تشير إلى أن نسبة العراقيين المنتمين للتنظيم الإرهابي قرابة 80 في المائة، وهم أصحاب الإمرة والقيادة، يعيشون وسط بيئتهم، وأغلبهم من البعثيين
السابقين، الذين خسروا امتيازاتهم بعد سقوط نظام صدام حسين وحل الجيش العراقي، فوجدوا بالمجاميع المتشددة المسلحة ضالتهم، وتحالفوا معها واستفادوا من إمكانياتها، لكي يستخدموها أداة في ممارسة أعمال العنف
ضد الحكومة المركزية في بغداد، وضد السلطات المحلية، التي فشلت بدورها في إقناع بغداد بتغيير سلوكها تجاه سكان هذه المناطق، الذين سيطر عليهم القلق والخوف من المجهول وفقدان السيطرة، بسبب تراكمات آخر
10 سنوات، تم خلالها استبعادهم من الشراكة الفعلية في القرار، وفشل المصالحة الوطنية والانقلاب على الصحوات، والفشل الذريع في إعادة استيعاب البعثيين غير المتورطين في جرائم، فتصاعد الشعور العام بتعرض
السنة إلى عقاب جماعي، ودفعهم ضريبة على ما ارتكبه نظام صدام حسين. وعليه فإن الاضطهاد الذي مارسته سلطات بغداد السابقة بحق أهالي المناطق الغربية، ساعد البعث الصدامي على التغلغل في وسطهم، ونجح في
جعل السكان يتأقلمون مع وجوده، إلى أن أكمل استعداداته، وتحرك تحت غطاء «داعش»، ليشاركه في تشكيل «دولة الخلافة»، ويخضع سكان هذه المناطق لسيطرته. في ظل الانقسام المذهبي في المنطقة، حيث المواجهة
المفتوحة بين متطرفين من السنة ومتطرفين من شيعية، لا يمكن إقناع العراقيين ولا الرأي العام العربي والإسلامي أيًضا، بأن ما يجري في العراق معركة ضد الإرهاب، حيث بات واضًحا أنها أقرب إلى معركة تصفية
حسابات إقليمية، باتت تستهدف بشكل خاص الجماعة السنية العراقية، وهذا يساعد على انقلاب الموقف تدريجًيا لصالح أنصار «داعش» وحلفائه البعثيين في المدن العراقية، ما يهيئ لدورة عنف مقبلة أكثر دموية،
خصوًصا إذا لم يسبق سقوط الفلوجة عسكرًيا مشروع حل سياسي جدي. نجح تنظيم داعش الإرهابي في إجبار خصومه الفعليين وحتى المستفيدين من وجوده على استخدام القوة من أجل هزيمته، فقد كرس هذا التنظيم
العنف هوية له، وحوله إلى الوسيلة الوحيدة للذين يريدون الخلاص منه، فأوقع كل الأطراف في مستنقع العنف والعنف المضاد، ما يعزز الاعتقاد السائد بأن «داعش» تمكن من الحالة العراقية، لأنها بأغلبها محلية مبنية
على ردات الفعل، وانتقام من قبل عراقيين بعثيين مرتكبين أو رافضين لما يعتبرونه هيمنة شيعية على القرار العراقي، لذلك يمكن الاعتبار أن جزًءا كبيًرا من «داعش» العراقي في شكله الحالي أحد إفرازات البعث، الذي
يحظى بحاضنة لا بأس بها في هذه المدن، وخصوًصا الموصل والفلوجة، حيث الأكثرية السنية التي ترفض أن يكون «داعش» بديلاً، إلا أنها لا تستطيع الخلاص منه، إلا إذا تشكل مكون سني قادر على مواجهة «داعش» وبقايا البعث عسكرًيا، وينجح سياسًيا في فرض شروط الشراكة الفعلية على الحكومة المركزية.
نقلاًعن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة