"الأدب".. يعيد الاعتبار للدراما الرمضانية
يبدو أن العودة للدراما المأخوذة عن أعمال أدبية ستشهد تناميا خلال المواسم القادمة بعد بروز مسلسلين مأخوذين عن روايتين في رمضان الحالي
سنوات طويلة غابت فيها الأعمال الدرامية والمسلسلات المأخوذة عن أعمال أدبية أو روايات متميزة، الباحث والمؤرخ الفني قد يبذل مجهودا كبيرا في عدّ أسماء عشر مسلسلات قد تكون أُخذت عن روايات أو أعمال أدبية في السنوات الخمس الأخيرة. كان الأدب، وسيظل، هو المعين الذي لا ينضب للدراما المصورة، الأفلام والمسلسلات، وإذا كان صناع الدارما على وعي بقيمة هذه الأعمال وتعاملوا معها بحرفة وإتقان خرجت هذه الأعمال كأحسن ما يكون واحتلت مكانها في ذاكرة المشاهدين والشاشة معا.
الأمثلة قديمًا، كثيرة، من ينسى مسلسل "حديث الصباح والمساء" المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لنجيب محفوظ، ومسلسل «الوتد» المأخوذ عن رواية الأديب الراحل خيري شلبي، و"كفر عسكر" و"حكايات المدندش" المأخوذة عن روايتي الأديب القدير أحمد الشيخ، وغيرها.. شيء رائع أن يلتفت صناع الدراما إلى الأدب، المعين الأكبر، وإلى الروايات التي لن نعدم منها أعمالا تستحق أن تترجم إلى «صوت وصورة»، أما الأكثر روعة فهو أن تخرج هذه الأعمال الدرامية بمعالجة متميزة للنصوص الروائية، وأن تنجح في تقديم عمل مواز للنص الأصلي يحظى بالاحترام والمتابعة.
في الموسم الرمضاني الجاري، ومن بين أكثر من 50 مسلسلا تعرض على شاشات الفضائيات في رمضان هذا العام، استحوذ مسلسلان مأخوذان عن روايتين على نسبة مشاهدة عالية ومتابعة جماهيرية كبيرة، بعد ما يقرب من أسبوع من بدء عرضها، وكلاهما عدا في المقدمة من بين المسلسلات الخمس الأولى الأكثر مشاهدة ومتابعة.
المسلسل الأول هو "ساق البامبو" المأخوذ عن رواية الكويتي سعود السنعوسي، ويعرض حاليا على شاشات الفضائيات العربية، ويحظى بمتابعة كبيرة، خاصة من الجمهور المصري الذي استقبل الرواية وصاحبها بحماس كبير. سعود السنعوسي مؤلف العمل، روائي كويتي شاب، حصلت روايته «ساق البامبو» على الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2013) ومن حينها تتصدر الرواية قوائم الأكثر مبيعا، وتمت ترجمتها إلى عدة لغات.
النجاح الكبير الذي أحرزته الرواية أغرى دوائر الإنتاج الدرامي بتحويلها إلى مسلسل، كتب له السيناريو والحوار الكاتب والناقد المصري رامي عبد الرازق، وأخرجه محمد القفاص، وأعاد تكويت الحوار باللهجة الكويتية الدارجة سعود السنعوسي نفسه (مؤلف العمل). ومع عرض الحلقات الأولى من "ساق البامبو" لفت الأنظار، بعناصره المميزة، كتابة وتمثيلا وإخراجا وموسيقى تصويرية، ربما لم يحظ مسلسل خليجي في السنوات الأخيرة بهذه المتابعة الكبيرة وخاصة خارج الخليج بمثل ما حظي "ساق البامبو".
هذا النجاح الكبير، حتى الآن أعاد إلى المشهد كله أهمية بل ضرورة استلهام الأعمال الأدبية، والروائية منها بشكل أخص، في صنع الدراما التليفزيونية، كلما تقاربت العلاقة بين الأفلام والمسلسلات وبين الأعمال الأدبية، فاحتمالية إنتاج دارما جيدة وممتازة أعلى إذا توفر شرطها الفني والإنتاجي طبعا.
«أفراح القبة»، المسلسل الثاني الذي استطاع وبعد خمس حلقات فقط من احتلال صدارة الأعمال الدرامية المعروضة حاليا، مأخوذ عن رواية للروائي العربي الأشهر نجيب محفوظ، صفحات مواقع التواصل الاجتماعي احتشدت ومنذ الحلقة الأولى بتعليقات لا تنتهي عن المسلسل وأحداثه ونصه الروائي المأخوذ عنه.. إلخ.. حالة من التفاعل والاستجابة كبيرة جدا، وأحيت من جديد فكرة ارتباط الأعمال الدرامية الممتازة بنصوص روائية أصيلة يتم استلهامها ومعالجتها فنيا لتخرج كإبداع موازٍ للنص الأصلي.
"حدث استثنائي في تاريخ الدراما المصرية"، هكذا اعتبر الكاتب والروائي طلال فيصل مسلسل "أفرح القبة"، مبررا هذا الرأي من واقع متابعته لحلقات المسلسل على مدار الأيام الماضية، قائلا "حلقات "أفراح القبة" شيء من أروع ما يكون؛ اللعب بجمل من عملين لنجيب محفوظ نفسه "الطريق" و"اللص والكلاب" داخل المسرح وتضمينهما مشاهد المسلسل، والانتقال السلس بين زوايا السرد، وتكرار جمل بعينها، كل ذلك من الواضح أنها ستكتسب معاني مختلفة مع المشاهدة.. أفراح القبة عمل ممتاز حتى الآن".
طلال الحاصل على جائزة ساويرس في الرواية عن روايته «سرور»، أضاف "في الحلقة الخامسة من المسلسل، جمعت مشاهد بين منى زكي وإياد نصار، تم خلالها توظيف الحوار من فيلم "الخيط الرفيع" والانتقال بين ما حدث وبين تنفيذه مسرحيا.. كل هذا جديد تمام على الدراما التليفزيونية.. لو استمر الأداء بهذا المستوى فإننا بصدد حدث استثنائي كبير في تاريخ الدراما المصرية".
البعض يؤكد أنه إذا استمر نجاح هذين المسلسلين إلى النهاية، فإنهما سيفتتحان مرحلة جديدة من إعادة استلهام الأعمال الأدبية في الدراما الرمضانية، وبما يعني بمنطق عكسي أن يقوم الأدب بإعادة الاعتبار إلى الدراما التلفزيونية عموما، والرمضانية بخاصة..