المائدة الرمضانية تنعش أسواق قطاع غزة
سكان غزة 1.9 مليون نسمة، يعتمدون على السلع الغذائية المستوردة بنسبة تصل إلى 95% بعد تراجع الإنتاج المحلي على أثر الحصار الإسرائيلي.
تزينت أسواق قطاع غزة المنهك اقتصاديا مع حلول شهر رمضان واكتظت بالمتسوقين الراغبين في تأمين احتياجات عائلاتهم في الشهر الفضيل من مختلف الأصناف.
وتدعم هذه الصورة لأسواق غزة منذ بداية شهر رمضان أرقاما رسمية أظهرت ارتفاعا قياسيا في معدل استهلاك السلع الغذائية هذه الأيام في القطاع الساحلي.
ويقول الناطق باسم وزارة الاقتصاد الفلسطينية في غزة عبد الفتاح أبو موسى، إن الإقبال على السلع الغذائية يقدر خلال أول أيام شهر رمضان في أسواق قطاع غزة بأكثر من 90%.
ويشير أبو موسى إلى أن هذا الإقبال الكبير يعكس حرص سكان غزة على الاحتفال بشهر رمضان كمناسبة موسمية مميزة وبمختلف أصناف السلع الغذائية الممكن توفيرها.
ومع هذا الانتعاش يتحدث أبو موسى عن حملة أطلقتها وزارة الاقتصاد في غزة لمراقبة الأسواق والتجار منذ بداية شهر رمضان عبر عدة دوريات ليلية وصباحية لطواقمها بغرض تشديد الرقابة على جودة المنتج والأسعار.
لكن على الرغم من الخطة الحكومية المذكورة للمراقبة فإن انتقادات كثيرة ظلت تتصاعد في قطاع غزة منذ اليوم الأول لبدء شهر رمضان تتعلق بالشكاوى من ارتفاع كثير من الأصناف الغذائية.
ووصل الأمر حد إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للدعوة إلى مقاطعة شعبية لشراء الدجاج الطازج ردا على ارتفاع أسعار الكيلو منه بنحو دولار أمريكي واحد دفعة واحدة مع بدء شهر رمضان.
ويظهر ذلك أن المؤشرات الإيجابية لتصاعد الإقبال على السلع الغذائية في أسواق قطاع غزة تبقى مرتبطة بالإقبال على أصناف دون غيرها خلال موسم شهر رمضان، إذ تشهد الأسعار تباينا من سلعة إلى أخرى.
ويقول صاحب محل تجاري في سوق "الزاوية" الشعبية ويدعى أبو خميس النفار، إن أغلب السلع الغذائية تتقلب أسعارها في أسواق قطاع غزة لدى حلول شهر رمضان وفق معدلات الطلب وتوفر كميات متاحة منها.
ويوضح النفار أن أسعار اللوزيات وعين الجمل مثلا انخفضت منذ بدء شهر رمضان لكن في المقابل فإن سلعا أخرى كثيرة مثل الأجبان والمجففات والتين والمشمش ارتفعت أسعارها وظلت تحظى بإقبال جيد.
ويقلل النفار من الحديث عن ارتفاع في القوة الشرائية، قائلا: "إن الإقبال على الشراء يقتصر عمليا على أول يومين من بدء شهر رمضان ثم نلحظ تدنيا كبيرا في معدلات الشراء نتيجة تفاقم تدهور الوضع الاقتصادي العام في قطاع غزة".
ويعمد مئات الشبان إلى محاولة استغلال ما يحمله حلول شهر رمضان من انتعاش تجاري ولو طارئ في البحث عن فرص عمل مؤقتة منها بيع المخللات وأنواع العصير وحلويات القطايف الشهيرة بالشهر الفضل، إلى جانب بيع الملابس وألعاب الأطفال في آخر أيامه.
وبموازاة ذلك تتنافس كثير من المحلات التجارية في سوق الزاوية في إطلاق حملات تخفيض للأسعار لما تعرضه من فواكه وخضراوات وأخرى متخصصة بأنواع التمور والأجبان والألبان والتي عادة ما تكون لها حصة الأسد من الطلب من سكان غزة في شهر رمضان.
ويقول تاجر المواد الغذائية في غزة خليل كساب إن التنافس فيما بينهم في إطلاق حملات تخفيض الأسعار سببه الرئيسي إن الحركة النشطة في الأسواق لا تدوم طويلا خلال شهر رمضان في قطاع غزة.
ويوضح كساب أن الانتعاش الذي رافق بدء شهر رمضان لهذا العام في غزة سببه تقاضي موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة البالغ عددهم نحو 30 ألف موظف رواتبهم بالتزامن مع حلول الشهر الفضيل.
ويشير إلى أن صرف الرواتب يحدث انتعاشا في الأسواق لكن ذلك يستمر بشكل مؤقت ما يعني أن الحركة الشرائية تبقي دون معدلاتها المعتادة قبل سنوات والقوة الشرائية تبقى محصورة في طبقة ميسورة أصبحت قليلة العدد.
ويؤكد تجار آخرون أنهم يواجهون ركودا اقتصاديا وضعفا في القدرة الشرائية لدى المتسوقين دفعا باستعدادات باهتة لشهر رمضان لهذا العام في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة "حماس" منذ منتصف يونيو عام 2007.
ويفرض على القطاع الساحلي منذ ذلك الوقت حصار إسرائيلي مشدد يتضمن قيودا مشددة على حركة المعابر البرية ومسافة الصيد البحرية.
ويعتمد السكان في قطاع غزة البالغ عددهم زهاء مليون و900 ألف نسمة، على السلع الغذائية المستوردة بنسبة تقدر إلى 95% بعد تراجع الإنتاج المحلي على أثر الحصار الإسرائيلي.
ودفع ذلك إلى أن تصبح نسبة البطالة في أوساط سكان قطاع غزة بشكل عام من بين الأعلى في العالم بحيث تتجاوز نسبتها 42% وفق إحصائيات فلسينية رسمية وحقوقية دولية.
ويقول الخبير الاقتصادي من غزة ماهر الطباع إن حدوث انتعاش تجاري في أسواق قطاع غزة مع حلول شهر رمضان سرعان ما يتراجع بسبب اقتصاره على فئات محدودة من المجتمع.
ويقدر الطباع بأن شهر رمضان لهذا العام يحل "في أسوأ أوضاع اقتصادية تمر بقطاع غزة منذ عدة عقود بفعل استمرار الحصار والانقسام الفلسطيني الداخلي".
وينبه إلى أن استمرار وتشديد الحصار الإسرائيلي ومنع دخول عشرات أصناف المواد الخام التي تعتبر المحرك الرئيس للعجلة الاقتصادية في غزة يلقي بظلال قاتمة على الأوضاع الاقتصادية لسكان القطاع.
ويشدد الطباع على الحاجة إلى تدخل المنظمات الدولية والعربية والإسلامية للحد من انتشار البطالة والفقر في قطاع غزة والضغط باتجاه رفع الحصار عنه وفتح معابره التجارية بشكل دائم لضمان حد أدنى من النهوض الاقتصادي.