المسحراتي في الدول العربية .. تعدد النداء والهدف واحد
الصحابي الجليل بلال بن رباح أول المجتهدين في ثوب المسحراتي، حيث كان ينبه المسلمين في مكة إلى السحور عبر رفع الآذان.
في عتمة الليل يطوف المسحراتي الشوارع يقرع طبلته يذكر الله بصوت عالٍ "اصحى يا نايم وحد الدايم، قول نويت بكرة إن حييت، الشهر دا شهر صايم والفجر قايم، اصحى يا نايم وحد الرزاق رمضان كريم" يدعو المسلمين للاستيقاظ من أجل تناول السحور.
وأشار المؤرخون إلى أن الصحابي الجليل بلال بن رباح أول المجتهدين في ثوب المسحراتي حيث كان ينبه المسلمين في مكة إلى السحور عبر رفع الآذان، وكان يعرف المسلمون صوته فيستيقظون لتناول السحور، ثم يقيم الصحابي عبد الله بن أبى مكتوم أذان الفجر.
ويروى أن رباح يطوف أحياء المدينة المنورة ينادي على المهاجرين والأنصار للاستيقاظ من أجل السحور.
وفي العصر العباسي كان عنبسة بن اسحاق والي مصر سنة 238 هــ أول من نادى بالتسحير، حيث كان ينادي الناس "يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة" في طريقه من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص بالفسطاط.
وخصص ابن نقطة راتبًا ليعمل مسحراتي يوقظ الخليفة العباسي وتغنى بشعر يسمى «القوما» مخصص للسحور، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان ولا يلتزم فيه باللغة العربية.
وفي السياق ذاته طلب الحاكم بأمر الله، إبان الدولة الفاطمية، من جنوده طرق أبواب البيوت لإيقاظ الناس لتناول السحور.
ويشير الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة، إلى أن مهنة المسحراتي تطورت فبدأت تقترن بالفن والإرتجال والأناشيد والتواشيح إبان عصر المماليك وراق لها القطر العربي.
ويعد الموسيقار الراحل الشيخ سيد مكاوي أشهر مسحراتي في العصر الحديث على امتداد الساحة العربية، وقدَّم إبداعه عبر الإذاعة المصرية على هيئة مقطوعات زجلية للشاعر الكبير فؤاد حداد.
ويصور أستاذ الأدب الشعبي خفوت وتراجع المسحراتي حاليًا مقارنة بالعقود الماضية بقوله: "تراجع المسحراتي كظاهرة يمثل صراعًا بين الثابت والمتغير، وأراهن على أن مهنة المسحراتي لن تندثر خلال الـ100 عام المقبلة، وقد يكون فرصة لاستلهام تحديث وتطوير للمسحراتي، والتى تمثل وغيرها من العادات الرمضانية حجر الدفاع نزود به للحفاظ على الإرث والموروثات الثقافية العربية والإسلامية".
وعُرف المسحراتي عبر مراحل مختلفة بصور ومظاهر متنوعة، سواء من حيث الترديدات الكلامية، أو من ناحية هيئته وأدواته بين الدول العربية، ووضعوا له مكانة رفيعة حتى عند علية القوم، ففي الإمارات يعرف بـ "أبو طبيلة" ويستعمل طبلة تعرف بالبازة يطوف الشوارع ويقرع عليها بعصا رفيعة ينشد عبارات منها "يا نايم الليل قوم أتسحر، قوم يا نايم قوم، قومك أحسن من نومك".
وفي السودان يطرق المسحراتي أبواب المنازل ومعه طفل صغير يحمل الفانوس وورق كتب بها أسماء أهل الحي لينادي كل واحد بإسمه، واشتهر المسحراتي السوداني بترديده عبارات "اصحوا يا نايمين، أصحوا يا جيران، أصحوا يا ناس يا حلوين، أصحوا واسحروا، وقولوا نوينا نصوم رمضان، أصحى يا نايم وحد الدايم".
وفي لبنان يعرف بالطبال ويرتدي عباءة أو دشداشة بيضاء ويؤدي مهنة المسحراتي، يأخذ ما يجود به الناس أو ما يعرف بالعيدية.
في المغرب يطلق عليه "النفار" وجاء نسبة إلى آلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة، ولازالت قائمة بين أهل القري والأحياء الشعبية، وينشد "لا إله إلا الله لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ربي وحده، لا شريك له هو الوحيد سبحانه" وينفخ بالنفار 3 مرات ويتوارثها الآباء عن الأجداد.
ويسميه العراقيون "أبوطبل" أو "أبو طبيلة"، وفي دول الشام يعزفون على العيدان والصفافير، وفي عمان يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة والناقوس، وفي الكويت يقوم المسحراتي بالإنشاد وأولاده يردون عليه.
وعرفت مكة ما يعرف بالزمزمي ينادي بالسحور، ويرخي طرف حبل في يده يتدلى منة قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد.
وكان أهل اليمن يسحرون بدق الأبواب على البيوت وينادون عليهم قوموا كلوا.
ويسميه الأتراك "الضافونجو" وتقيم البلدية في عموم تركيا مسابقات فنية لاختيار المسحراتي على أساس براعته في قرع الطبول والأناشيد المسجوعة لتحفيز النيام على الاستيقاظ وقت السحور.