المسحراتي.. التكنولوجيا أكبر عقباته ويواجهها بتدوين الأسماء
بعد المنبه وثورة الهواتف المحمولة باتت مهنة المسحراتي تواجه التكنولوجيا التي تلهي الناس عن الشعور بأهمية الجوال الذي يوقظ الناس للسحور
"يا عباد الله وحّدوا الله.. اصحى يا نايم وحّد الدايم"، على وقع هتافاته ونقرات موحدة على "دف"، يطوف أحمد سعيد شوارع أحد أحياء القاهرة في وقت السحور بعد منتصف الليل طوال شهر رمضان، مصطحبًا معه مدونة فيها أسماء أهالي المنطقة آملا لفْت انتباههم، في وقت أصبحت مهنة "المسحراتي" مهددة بالزوال.
يعود عمر تلك المهنة إلى سنوات طويلة لتنتهي بين مساعٍ لإحيائها ومخاوف من اختفائها، بينما يعتمد العديد من الناس على المنبه كبديل للاستيقاظ وقت السحور، دون انتظار مرور ذلك الرجل الذي مازال صوته يشدو في ليالي رمضان، وهو يتنقل بين الأزقّة والشوارع، معلنًا وقت السحور للصائمين.
أحمد سعيد رجل يبلغ من العمر 45 عامًا، يعمل مسحراتي كمهنة مؤقتة خلال رمضان منذ 15 عاما، بعد أن ورثها عن والده ويصر على تعليمها لأطفاله، الذين لا يرون أي طائل منها، وليس كما كان سعيد يطوف مع والده في الشوارع قديما.
ويصطحب سعيد زوجته أثناء جولاته ليلا في شوارع حي حلوان غرب القاهرة، كما يصاحبهم أحد أصدقائه في العشرينيات من عمره، ووظيفته هي تدوين أسماء الأطفال وسكان الشوارع المختلفة، لينادي سعيد في كل شارع بأسماء ساكنيه، أملا في لفت انتباههم لحضوره، وصرفهم عن "التكنولوجيا"، حسب قوله لبوابة "العين" الإخبارية.
وعن العائد الذي يجنيه الزوجان، قالت زوجة سعيد إن الرزق ليس كله مال، فأحيانًا يعطينا الأهالي شنط رمضان، في أول الشهر الكريم، تحتوي على سكر وزيت وأرز، لكن هذا الأمر ليس دائمًا.
وتابع المسحراتي سعيد لبوابة "العين" قائلا: "التليفونات المحمولة والساعات وقبلهم المنبه، كلها تحارب مهنة المسحراتي، وكادت تنتصر، ربما لاختلاف الأجيال وسرعة التقدم، التي تدفع الجميع إلى فعل كل شيء بسرعة، الجميع يأكل سريعًا، يصلي سريعًا، ينام قليلًا، يستيقظ سريعًا".
ويعد أول من طاف بشوارع القاهرة الفاطمية كان عتبة بن إسحاق، الذي دعا الأهالي لتناول طعام السحور عام 238 هجرية (853 ميلادية)، ليصير هو "المسحراتي" الأول على الإطلاق.
أما وظيفة "المسحراتي" يشير التاريخ إلى أنها بدأت في الدولة الإسلامية بالعصر العباسي، ثم استمرت في العصر الفاطمي، حيث أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي الصائمين بالنوم مبكرًا بعد صلاة التراويح، لأن جنوده سيطرقون أبوابهم في وقت السحر لإيقاظهم، ومن ذلك الحين أصبح الأمر أشبه بمهمة يقوم بها شخص يطوف أبواب الناس.
وبدلًا من أن يحصل هذا الشخص على أمواله من الحاكم أصبح يحصل أموالًا من الناس، ومؤخرًا من الأطفال الذين باتوا الأكثر انجذابا للمسحراتي، فأصبح قبلتهم التي يلتفون حولها ويطلبون منه المناداة بأسمائهم مقابل بعض العملات المعدنية التي يأخذونها من أهاليهم.
وينظر سعيد المسحراتي إلى أعلى استجابة لنداء طفلة تطلب منه ترديد اسمها مرة أخرى على وقع نقراته، قائلا لـ"العين" بعد تلبية طلب الصغيرة، "أحب الأطفال خاصة الذين يسيرون خلفي، أتركهم يطرقون على الدف بأناملهم الصغيرة مرة أو مرتين، فيفرحون بذلك، وبعضهم يطلب ينادي ويطلب أن أردد اسمه مرة أو مرتين".
ويأمل المسحراتي سعيد الذي يعمل بائعًا متجولا خلال بقية العام، أن تكون كل الأشهر رمضان، لتتحول مهنته إلى أمر دائم "مسحراتي يوقظ الناس لصلاة الفجر".
aXA6IDMuMTQ1LjEwOS4yNDQg جزيرة ام اند امز