خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "أفضل من سقوط جدار برلين"
مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية "تترجى" بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، ليتحرر المشروع بعد عقود من الحياد عن هدفه
مع اقتراب تصويت نحو 46 مليون مواطن بريطاني على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والمقرر الخميس المقبل، امتلأت وسائل الإعلام العالمية بمناقشات ومباحثات حول سلبيات وإيجابيات نتيجة الاستفتاء على بريطانيا، ولكن لم يولِّ أحد اهتمامه للظلال التي سيلقيها ذلك الاستفتاء على الاتحاد الأوروبي نفسه.
مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية تناولت تلك الزاوية في تقرير بعنوان "من فضلك غادري"، ترجت فيه بريطانيا للتصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي، معترفة أنه رغم الاضطراب الاقتصادي الذي قد يسببه ذلك للدول الأوروبية إلا أنه سيقدم أكبر فائدة لتلك الكتلة التي تتكون من 28 دولة.
وفسرت المجلة طلبها بأن مهمة الاتحاد الأوروبي الأصلية كانت سياسية أكثر منها اقتصادية؛ حيث صمم الاتحاد أصلا لإنهاء الصراع الأبدي بين فرنسا وألمانيا، ونجح في ذلك، كما ساعد دول شرق أوروبا في التخلص من الهيمنة الروسية، بل بالتوازي مع المشروع السياسي خلق الأوروبيون فضاء اقتصاديًّا متكاملًا بلغ ذروته بتبني عملة موحدة في بداية الألفية.
والمشكلة هي أنه بمرور الوقت سيطر البعد الاقتصادي للمشروع الأوروبي على الجوانب السياسية والثقافية، وأغفل أعضاؤه كل ما كان يمكن أن تكونه أوروبا، وأصبحت أفقر الدول من أعضاء الاتحاد ينظرون له على أنه ماكينة صرف أموال كبيرة، بينما رآها الأغنياء كحفرة مالية لضرائبهم.
ورأت المجلة أن وضع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كان دائما "غير مريح" بداية من رفض فرنسا دخولها السوق المشترك في الستينيات وبعد اكتسابها العضوية في 1973، حيث ظلت "شريكا هامشيا"، ولكن الثمن الذي انتزعته مقابل ذلك كان باهظًا، تضمن إعفاءات استثنائية من بنود العضوية، حيث ظلت خارج حدود الشنجن واليورو، فضلا عن الاقتطاع البريطاني من ثمن عضويتها في الاتحاد.
وفي خضم ذلك، أحبط منهج لندن في أوروبا أي تقدم تجاه الفيدرالية، لتحول مشروعًا كان يطمح نحو اتحاد سياسي قوي إلى لا شيء أكثر من سوق حر يتوسع باستمرار.
وحسب المجلة، لم تكن بريطانيا الوحيدة التي استغلت الوضع، حيث استغلته اليونان، الدولة المتخلفة التي انضمت للاتحاد في 1981، والتي اعتبرت الاتحاد مصدرا لقروض مجانية من أغنى أعضائه، وهو ما يعد "اعتداء صارخًا" على روح الاتحاد، ولكن اليونان كانت مهمشة اقتصاديًّا، وظل إسرافها غير ملحوظ حتى الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في 2007.
وقالت المجلة إن بريطانيا التي أعاقت أوروبا لعقود طويلة لديها الفرصة الآن لتحريرها، لأنه بعد عقود طويلة فإن أزمة اليونان أظهرت أن الفيدرالية الكبرى هي الطريق الوحيد لتقدم أوروبا؛ لأن القرارات النقدية المتعلقة باليورو يجب دعمها بسياسات مالية، التي يجب الموافقة عليها من خلال مشاورات ديمقراطية على مستوى الاتحاد.
وفضلا عن الأسئلة حول ما قد تجنيه بريطانيا من مغادرة الاتحاد الأوروبي، رأت المجلة أن "صدمة رحيلها ستكون دواء ضروريًّا لمريض يعاني بشدة"، موضحة أن العائد على الاتحاد الأوروبي هو أخيرا تحقيق الحلم الأوروبي باتحاد سياسي يتجاوز بكثير السلبيات المؤقتة التي سيخلفها الانفصال البريطاني.
وقالت المجلة إن الصدمة الاقتصادية بعد مغادرة بريطانيا ستكون متوسطة مقارنة بالأزمة الاقتصادية العالمية التي تعافى منها الاقتصاد العالمي بمرونة، مؤكدة أن أيا كان ما سيقدمه انفصال بريطانيا للعديد من الأصوات بالدفع نحو الأولويات القومية فوق أولويات الاتحاد، فإن خروج بريطانيا سيحرر أيضًا القادة الفيدراليين لتقديم مشروع أكثر طموحًا وتماسكًا وإلهامًا للمصوتين.
واختتمت المجلة تقريرها قائلة: "باختصار، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يكون أفضل ما حدث لأوروبا منذ سقوط سور برلين".