أبو العينين شعيشع.. صوت الإذاعة المصرية نقيب القراء
الشيخ أبو العينين شعيشع مدرسة في التلاوة وأستاذ في الأحكام القرآنية وعالم بعلوم القرآن وآدابه.. تتلمذ على يديه شيوخ وطلاب كثيرون.
ولد الشيخ أبو العينين شعيشع عام 1922م بمدينة يلا محافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية، وكان الطفل الـ12 لأسرة متوسطة الحال، ورغم أن الأسرة لم تكن ترغب في طفل جديد لضيق ذات اليد، إلا أن الطفل أبو العينين فاتحة خير وسعادة على الأسرة، وسببًا في تهيئة الرزق.
حفظ القرآن قبل سن العاشرة وكان منذ صغره يهوى ويحب زيارة الكتاتيب الذين يحفظون ويرتلون القرآن، وكان يحب كذلك حضور الليالي التي يتواجد فيها القراء لتلاوة القرآن الكريم .
وحينما كان الشيخ طالبًا بمدرسة المنصورة الثانوية حكم عليه جميع الأساتذة بأنه لا يصلح لشيء، وذلك بسبب عدم التزامه بالدراسة والسبب سهراته في الليالي التي يحييها القرّاء والمنشدون.
وكان الغريب في أمر الفتى الشاب أنه كان في الفصل وأثناء الدراسة يحرك شفتيه بكلام خافت، وكان الذين يجاورونه في الفصل يعلمون أنه يرتل القرآن!.. ولم يستمر الشيخ في دراسته .
خرج الشيخ أبو العينين شعيشع إلى الشارع يسهر كثيرًا في ليالي القراءة، ويحوم حول المنشدين في الأسواق، ويطرب كلما سمع أن أحدًا من كبار القراء سيسهر الليل في المنصورة، وكان أخوه، الشيخ أحمد شعيشع، من مشاهير القراء في المنصورة، فكانت فرصة طيبة للشيخ أبو العينين شعيشع أن يذهب معه كل مساء إلى ليلة قراءة ليقابل مع أخيه القراء ويستمع لهم .
سمع الشيخ في الليالي الكثيرة التي سهرها الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ محمد الصيفي والشيخ محمد رفعت، وذات ليلة كان الشيخ أحمد متعبًا، فحل محله الشيخ أبو العينين، وسمعه الشيخ محمد رفعت فأعجب به، وتنبأ له بمستقبل باهر، ثم لم يلبث الشيخ أن نزح إلى القاهرة وكان ذلك في عام 1942 م.
وكانت رحلة الشيخ للقاهرة بعد أن سمع رجل من رجال القصر الملكي استدعاه ليقرأ في الإذاعة، ومنذ ذلك الحين والشيخ أبو العينين لا يفارق الشيخ رفعت، الذي اتخذ منه تلميذًا له، واتخذ الشيخ أبو العينين من القاهرة مقرًا له، ولم يلبث أن نزح إليها شقيقه أحمد بعد أن اعتزل القراءة في المنصورة وعاش ليرعى شئون أخيه.
وفي عام 1948 م بلغ أجر الشيخ أبو العينين مائة جنيه في الليلة الواحدة، وأصبح يتقاضى 25 جنيهًا عن كل إذاعة له من محطة القاهرة، وهو مبلغ لم يصل إليه في تلك الأيام سوى 4 من كبار القراء: كمصطفى إسماعيل، وعبد الفتاح الشعشاعي، ومحمد الصيفي، والشيخ أبو العينين شعيشع .
سافر الشيخ أبو العينين إلى بغداد في أيام الملكية، وتقاضى 3 آلاف جنيه، وفي عام 1952م استدعته الإذاعة المصرية ليقوم بتكملة أشرطة الشيخ محمد رفعت بعد وفاته، والذين يستمعون الأشرطة الآن لا يستطيعون ببساطة تمييز صوت الشيخ أبو العينين أثناء التلاوة؛ وذلك أن الشيخ شعيشع كان يقرأ بطريقة الشيخ محمد رفعت، وكان قبل وفاة الشيخ رفعت يقرأ الشيخ أبو العينين بطريقة الشيخ رفعت وكان رفعت يرضى عنها كثيرًا .
كان الشيخ أبو العينين في ذلك الوقت يرتدي الكاكولا والطربوش، مخالفاً بذلك الزي التقليدي للمشايخ القراء، ولكنه اضطر الى خلع الطربوش عندما زار تركيا، وكان مندوب السفارة المصرية في انتظاره بالمطار، وحذره المندوب من ارتداء الطربوش في إسطنبول؛ لأن عقوبة ارتدائه السجن، فخلع الشيخ الطربوش وتعمم بمنديل ثم تعمم بعد ذلك بشال أبيض .
الشيخ أبو العينين شعيشع من قراء الإذاعة والتلفزيون المصري في عصرها الذهبي الذي اشتهر بقارئ الإذاعة المصرية منذ أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين السابق وحتى يوم وفاته، والشيخ شعيشع كان يمثل مدرسة طيبة في تلاوة القرآن الكريم.
كان الشيخ مدرسة في التلاوة والأداء الجميل المبهر، كما كان أستاذًا في الأحكام القرآنية وعالمًا بعلوم القرآن وآدابه، وقد تتلمذ على يديه شيوخ وطلاب كثيرون في قراءة القرآن الكريم وأحكامه، وقد أخذ جوائز كثيرة في مصر والعالم العربي منذ أيام الملك فاروق وحتى وفاته تقديرًا لأدائه في تلاوة القرآن الكريم وتعليمه ونشره في كل مكان.
وفي بداية الستينيات أصيب الشيخ بمرض خطير أثر على حباله الصوتية فلم يستطع القراءة، ومن ثم مات أخوه الشيخ أحمد الذي كان له بمثابة الوالد، ولكن الشيخ استطاع بالصبر والتوكل على الله أن يهزم المرض، وعاد إلى القراءة من جديد وكان يسافر كل عام إلى الخارج ليقرأ في ليالي رمضان المبارك في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وأشرطته تسجل أرقامًا عالية في التوزيع .
وللشيخ جولات واسعة في ريف مصر لاكتشاف المواهب الجديدة، وله رأي في عدم وجود أصوات جديدة واعدة، والسبب في رأيه بأن الكتاتيب اختفت في الريف، كما أن نوعية الأكل والماء الملوث واستخدام الأسمدة الكيميائية أثرت عضويًا على صحة الإنسان، وكان الشيخ دائمًا ما يصف قراء اليوم بـ"أكلة البلاستيك"!
كان الشيخ أبو العينين شعيشع نقيب قراء القرآن الكريم بجمهورية مصر العربية وعميد المعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم وعضو لجنة القراء بالإذاعة والتلفزيون المصري، وهو واحد من رواد دولة التلاوة القرآنية في مصر والعالم العربي والإسلامي.
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر يونيو/حزيران عام 2011 توفي القارئ الشيخ أبو العينين شعيشع عن عمر يناهز 89 عامًا، بعد أن ترك إرثًا ضخمًا من التسجيلات القرآنية الخالدة.
aXA6IDMuMTQ3LjIwNS4xOSA= جزيرة ام اند امز