د.حمد الحمادي مؤلف رواية ريتاج يكشف عن شخصية الصقر ود. إيمان!
نعم القضية كبيرة، والموضوع حساس، والبداية صعبة، لكن كان يجب أن تكون هناك خطوة أولى مهما كان الدرب صعباً، لأن القضية قضية وطن، ولأن القصة قصة حب وطن لمن يؤمنون بالوطن، وقصة خيانة وطن لمن يؤمنون بكل شيء عدا الوطن، ولمن يؤمنون بعداء الوطن، فهنا الفرق بين من اختاروا أن يكونوا فداءً للوطن، ومن اختاروا أن يكونوا أعداءً للوطن.
من أجل الوطن كان أول مسلسل سياسي في تاريخ الدراما الإماراتية من أول رواية سياسية عن الإمارات، لم يكن مهماً أن يتصدر مسلسل خيانة وطن أعلى نسبة للمشاهدة في الإمارات، ولم يكن مهماً أن يتصدر ترند الإمارات في توتير، ولم يكن مهماً ذلك الهجوم الكبير الذي تعرض له حتى قبل بث حلقاته من قبل المنتمين للفكر الضال، ولم يكن مهماً ذلك التعدي بالألفاظ على كل من من كانت له يد في هذا المسلسل، ولم يكن مهماً نشر بيانات الضلال الواحد تلو الآخر، من بيانات الدعوة إلى إيقاف المسلسل إلى بيانات مقاضاة كل من عمل عليه، لم يكن ذلك مهماً أبداً، المهم كان التفاعل المجتمعي الكبير الذي وجده هذا العمل، المهم كان الطرح الذي جعل المسلسل حديث المجالس في الإمارات، المهم كان سؤال الأطفال عن ما حدث وعن الفكر الضال وعن التنظيم السري، المهم كان إيصال الرسالة إلى الآباء والأمهات لحماية الأجيال الناشئة، المهم كان بيان الحقيقة حتى لكبار السن، المهم كان طرح قضية وطنية بصورة جريئة لم تعتدها شاشاتنا التلفزيونية.
مواجهة الفكر بالفكر
هل كنا بالفعل بحاجة إلى التطرق إلى قضية التنظيم السري من خلال الروايات والمسلسلات بعد الحكم في القضية في 2 يوليو 2013؟ هل الأدب الإماراتي والدراما الإماراتية بحاجة إلى تناول قضايا سياسية رغم كم القضايا الاجتماعية الأخرى التي يزخر بها المجتمع؟ لماذا نثير هذه القضية من جديد رغم انتهائها؟
تكررت هذه الأسئلة من البعض سواء من قبل المنتمين للتنظيم أو من بعض الأشخاص الآخرين المحبين للوطن، ولنجيب على هذه الأسئلة دعونا نتفق أولاً أننا أمام قضية فكرية، تم فيها تحوير بعض المعتقدات قبل سنوات لبناء جيل قام بما قام ضد الوطن، هذه التجربة التي بناها التنظيم منذ سنوات قابلة للتكرار مرة أخرى لو تركنا الجيل الناشئ بلا توعية مضادة للفكر المنحرف، إذن، رواية ريتاج ومسلسل خيانة وطن لم يكن الهدف منهما إعادة إثارة قضية منتهية، بل كان الهدف الأسمى حماية الأجيال الناشئة من أي فكر ضلالي.
من يعتقد أن قضية التنظيم السري مجرد حادثة وانتهت ولا يجب تسليط الضوء عليها فليدقق على ما تتناوله الصحف من قضايا مرتبطة بالتنظيم ما زالت تحت المداولة في أروقة المحاكم، من يعتقد أن القضية انتهت فليبحر في قنوات التواصل الاجتماعي ليرى كيف يحاول الفكر الضال التأثير على الأجيال الناشئة، من يعتقد أننا لا يجب أن نصدر روايات سياسية ولا ننتج مسلسلات سياسية تتناول قضايانا الأمنية فلينظر إلى ما يصدره الطرف الضال من قصص وأفلام يحاول بها زعزعة الفكر لدى الأجيال الناشئة، من يعتقد كل ما سبق فلينظر إلى تعاطي الطرف الضال مع المسلسل، هذا التعاطي الذي كان عاماً لا يتجاوز السخرية والدعاء والاستهجان وإصدار بيانات التكذيب والمقاضاة دون أن يحوي ذلك على أي دليل يدعم وجهة نظره! هذا التعاطي السطحي من قبل المنتمين إلى الفكر الضال ساهم بشكل غير مقصود في الترويج لهذا العمل الوطني، وساهم في ازدياد نسبة المشاهدة! وأكد أن المسلسل نجح في زعزعة المنتمين إلى الفكر الضال، ففي جميع المواجهات الفكرية، عندما يصل أحد الأطراف إلى هذا المستوى من التعاطي السطحي تكون الحقيقة قد تجلت بين من يطرحون الأدلة كما حصل في رواية ريتاج ومسلسل خيانة وطن، وبين من يردون على ذلك بسطحية واضحة.
أين التسامح في المجتمع الإماراتي؟
أثار عدد بسيط من الأفراد في وسائل التواصل الاجتماعي موضوع التسامح، مشيرين إلى أن مجتمع الإمارات مجتمع متسامح ولا داعي لرفع جرعة الكراهية فيه بتناول قضية تم الحكم فيها، وهنا من حقنا أن نتساءل هل نحن أمام قضية محاولة سرقة سيارة أو اختلاس أموال؟ أم نحن أمام قضية محاولة سرقة وطن واختلاس حكم؟ هل نحن أمام قضية مادية لن تتكرر أم أمام قضية فكرية لن تتوقف؟ التسامح في مجتمع الإمارات أمر مفروغ منه، وقام المسلسل بتبنيه من خلال إبراز نماذج الأهالي الوطنيين الذين لم يكونوا على علم بما يقوم به أبناؤهم ورفضوه رفضاً تاماً، وهذا واضح من خلال أكثر من نموذج في المسلسل. التسامح لا يعني إغفال التوعية، ولا يعني ترك الأجيال الناشئة لتكون ضحية فكر ضال كما حدث قبل سنوات، المعنى الحقيقي للتسامح يكمن في التسامح مع الأفراد وتخليصهم من الفكر الضال وإعادتهم إلى حياة البناء لا الهدم، وهذا بالضبط ما هدف إليه العمل.
من هو الصقر؟! من هي ريتاج؟! من هي الدكتورة إيمان؟! من هو سالم؟! من هو الدكتور أبو عمر؟!
منذ الحلقة الأولى بدأ الكثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي التخمين لاكتشاف الشخصيات الحقيقية التي تم تقمص أدوارها في مسلسل خيانة وطن، تساءل الكثيرون، من هو الصقر الذي تزعم التنظيم السري والذي كان يخفي شخصيته الحقيقية حتى عن أقرب المقربين إليه؟ من هو الصقر الذي شارك في اجتماع حج الهضيبي ليبدأ بنشر الفكر الضال بطريقة أكثر تركيزاً؟ من هو الصقر الذي كان يخطط ويدير العمليات ويتآمر حتى على ابنته من أجل التنظيم؟ من هي ريتاج التي كانت تعيش في وسط التنظيم السري دون أن تدري؟ من هي الدكتورة إيمان صديقة ريتاج التي قامت بأدوار بطولية للتصدي للتنظيم واكتشاف حقيقة الصقر؟ من هو سالم الذي خطط له التنظيم ليكون كبش الفداء الهارب لتوفير الحماية للصقر؟ من هو الدكتور أبو عمر الذي انغمس في التنظيم السري وعارض تحركاته وعندما أراد الخلاص لم يستطع فغرق معهم؟
حاول الكثيرون الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، حاولوا حتى أن البعض أصبح يقارن صور الممثلين في العمل بصور بعض الشخصيات الحقيقية!
إجابة كل هذه الأسئلة تكمن في أن الرواية والمسلسل كان هدفهما التوعية المجتمعية وليس تسليط الضوء على شخصيات بعينها، كان الهدف إبراز المواقف وحقيقة ما حدث وليس إبراز الشخصيات التي تورطت في هذه القضية السياسية أو التي ارتبطت بها دون ذنب، ولهذا فإن جميع الشخصيات التي تم تقمص أدوارها هي شخصيات مركبة من عدة شخصيات حقيقية، فالصقر والد ريتاج كان يمثل أكثر من شخصية حقيقية، ويتحدث بلسان أكثر من شخصية، ريتاج المظلومة موجودة في الواقع، ولكن هناك أكثر من ريتاج كانت مخدوعة لسنوات طويلة بأبيها وزوجها وغيرهم من أقاربها، الدكتورة إيمان نجدها بأكثر من شخصية في الواقع، شخصية مازالت تغرد إلى اليوم دفاعاً عن الوطن، سالم ومواقفه والخدعة الكبرى التي تبناها ونهايته في المنفى خارج الوطن يمثل ما حصل في الواقع لأولئك الذين اختاروا أن يكونوا أعداءً للوطن على أن يكونوا فداءً للوطن، سالم هو مزيج ممن يعيشون الآن بذل في المنفى الذي اختاروه، الدكتور أبو عمر الذي اختاروا له تخصصه الجامعي والذي دربوه ليكون نجماً إعلامياً والذي حاول الخلاص منهم بعد فوات الأوان هو أيضاً شخصية مركبة لشخصيات مختلفة تعرضت لنفس هذه المواقف.
لا يهم من هم، لا يهم أن نعرف الشخصيات الحقيقية، المهم أن نعرف الحقيقية، وأن نحصن أنفسنا وأبناءنا والأجيال القادمة لنكون جميعاً شركاء في حب الوطن لا في خيانة وطن.
لماذا رواية؟ ولماذا مسلسل؟
من بين الطروحات التي يجب التركيز عليها في تناول القضايا الأمنية والسياسية هو أن وسائل الإعلام الرسمية قد قامت بدورها بشكل متمرس من خلال تسليط الضوء على هذه القضية في الصحف من خلال الأخبار والمقالات، ومن خلال تناول القضية في بعض الأفلام الوثائقية في القنوات التلفزيونية، هذه أدوات إعلامية مهمة جداً في توضيح حقيقة ما جرى وما يجري، لكن من المهم أن نتساءل هل تكفي هذه الأدوات لإيصال الرسالة والحقيقة إلى جميع فئات المجتمع؟
الكثير من الشباب قد لا يطلعون على الأخبار الرسمية التي تنشرها الصحف، وقد لا يهتمون بالأفلام الوثائقية التي تبثها القنوات، ولهذا كان يجب أن نتوجه إليهم بأدوات أخرى يقبلون عليها، الروايات الأدبية لها جمهورها خاصة من الأجيال الناشئة، والمسلسلات الدرامية لها جمهورها من مختلف الأعمار، ولهذا جاءت رواية ريتاج وجاء مسلسل خيانة وطن ليكون الأدب الإماراتي والدراما الإماراتية مكملين لبقية الأدوات الإعلامية في إيصال الحقيقة وفي توعية الأجيال الناشئة حول هذه القضية الوطنية والسياسية والأمنية.
فعلى سبيل المثال ولنوضح الصورة بشكل أكبر لابد أن نتفق على أنه هناك فرق في الأثر بين قراءة خبر رسمي في الصحف يتناول تفاصيل الاجتماعات السرية للتنظيم السري وبين قراءة رواية أدبية تضع بين أحداثها الاجتماعات السرية التي تم فيها تشكيل لجنة العدالة والكرامة، وتأليب فئات المجتمع وإحداث البلبلة في وسائل التواصل الاجتماعي وتسريع التحرك للاستيلاء على الحكم، والتواصل مع السفارات والمنظمات الخارجية، وتشكيل اللجان التي من بينها لجنة سياسية تهدف إلى دراسة المؤسسات الحكومية للاستيلاء عليها، وغيرها من الأحداث الحقيقية التي تناولتها رواية ريتاج، وهناك فرق بين مشاهدة فيلم وثائقي عن هذه الاجتماعات وبين مشاهدتها بصورة حية ضمن مشاهد مسلسل درامي هو خيانة وطن.
تجربة تفتح الأبواب
رواية ريتاج، أول رواية سياسية عن الإمارات، ومسلسل خيانة وطن، أول مسلسل سياسي في تاريخ الدراما الإماراتية كانا محاولة للتغيير وبناء مسار جديد للأدب الإماراتي والدراما الإماراتية، مسار يتناول القضايا الوطنية والسياسية والأمنية بصورة توعوية، ومسار قادر على إيصال هذه القضايا لفئات المجتمع التي قد لا تهتم بالأخبار الرسمية أو الأفلام الوثائقية، كانت هناك متعة خاصة في هذه التجربة، وربما تجلت هذه المتعة في توثيق تفاصيل الاجتماعات السرية للتنظيم ضمن أحداث رواية ريتاج، ومن ثم تحويل الأسطر المكتوبة عن هذه الاجتماعات في الرواية إلى مشاهد حية في مسلسل خيانة وطن.
رواية ريتاج أول رواية عن الإمارات تتحول إلى عمل درامي، لكن الباب أصبح مفتوحاً الآن أمام المنتجين للثقة بالأدب الإماراتي وتبني روايات الأدباء الإماراتيين في أعمالهم الدرامية، فتحويل الروايات إلى عمل درامي ليس قراراً يقرره الكُتاب، بل إن الكرة في ملعب المنتجين الذين يملكون هذا القرار، ومثلما هو الحال مع الروايات، لن يكون مسلسل خيانة وطن آخر مسلسل سياسي في الدراما الإماراتية، من المهم أن يتنافس المنتجون لتكرار مثل هذه التجربة لتركز الأعمال الدرامية على التوعية الجدية حول قضايانا الوطنية والسياسية والأمنية، فنحن في معركة فكر، وهذه المعركة تحتاج إلى استغلال جميع الوسائل لتوضيح الحقيقة.
شكر وتقدير
في الختام لابد من كلمات شكر أقدمها إلى شركة أبوظبي للإعلام التي آمنت بأهمية الأدب الإماراتي وتحويل الروايات الإماراتية إلى أعمال درامية، وبأهمية إنتاج أول مسلسل سياسي في تاريخ الدراما الإماراتية، الدعم والمتابعة والاهتمام بهذا العمل كان جلياً خاصةً من سعادة محمد المحمود رئيس مجلس أبوظبي للإعلام والعضو المنتدب، وعبدالهادي الشيخ المدير التنفيذي للتلفزيون في أبوظبي للإعلام، وجمعة السهلي نائب المدير التنفيذي للتلفزيون، وعلي عبدالله الحمادي مدير إدارة المشتريات في أبوظبي للإعلام.
كلمة شكر أخرى أقدمها إلى الأستاذ أحمد يعقوب المقلة مخرج العمل الذي قاد هذا العمل من الورق إلى الشاشة، حرصه الشديد على الخروج بأفضل مشهد ممكن مهما تكررت عملية التصوير كان مدعاة للإعجاب.
والشكر إلى الكاتب إسماعيل عبدالله الذي أوكلت إليه شركة أبوظبي للإعلام مهمة تحويل الرواية إلى عمل درامي، التناغم الذي كان بيننا والنقاشات الطويلة حول توسيع الشخصيات والأحداث، والجهود الكبيرة التي بذلها في ذلك كان لها الأثر الكبير في إنجاز هذا العمل.
وكلمة شكر أخرى إلى الدكتور حبيب غلوم الذي أوكلت إليه شركة أبوظبي للإعلام مهمة تنفيذ الإنتاج، المهمة التي تحمل فيها الكثير من الأعباء والصعوبات بالإضافة إلى دوره كأحد أبطال العمل، كان الدكتور حبيب مفتاحاً للتغلب على أي صعوبات طارئة واجهها العمل.
كما أتقدم بالشكر إلى فريق العمل الكبير وجميع المتطوعين والمؤسسات التي تكاتفت ليرى هذا العمل النور.
وشكر خاص وخاص جداً إلى الأخ العزيز ع. الذي رفض ذكر اسمه في العمل رغم أنه بذل كل الجهود اللازمة لإنجاز هذا المسلسل، وكان أول من تبنى فكرة تحويل رواية ريتاج إلى مسلسل سياسي، وكان يعامل المسلسل كابن صغير رآه يكبر يوماً بعد يوم خلال الشهور الماضية. أستطيع القول بأنه لولا فضل الله والجهود العظيمة التي بذلها الأخ العزيز ع. بحسه الوطني لما كان هناك مسلسل وطني سياسي توعوي اسمه خيانة وطن.
وأخيراً أتقدم بالشكر إلى منتج آخر كان أول من عرض تحويل رواية ريتاج إلى عمل درامي ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن! فله كل التقدير على حماسه تجاه الرواية.
ويبقى الوطن يساراً جهة القلب
ختاماً لا بد أن نقول إن مسلسل خيانة وطن كان تجربة أولى لعمل سياسي وطني توعوي في الدراما الإماراتية، جميع الملاحظات التي وردت عن العمل في وسائل التواصل الاجتماعي كانت محل تقدير واهتمام وقد تم رصدها للاستفادة منها مستقبلاً، وربما من المهم أن نعلن أن عملية مونتاج حلقات المسلسل لم تنته إلا في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وأن الملاحظات التي كانت تطرح في وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت في تعديل بعض الحلقات بناءً على ردود الفعل وقياس الأثر.
قد نختلف في الكثير من القضايا، لكننا حتماً نتفق في حب الوطن، لأن الوطن سيبقى يساراً جهة القلب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة